حسن حردان*
تتزايد هجمات المستوطنين وسرقتهم لأراضي الفلسطينيين وهدم منازلهم في الضفة الغربية والقدس المحتلتين، بمؤازرة من قوات الاحتلال؛ إلى ماذا سيؤدي؟ وهل يحقق أهداف المستوطنين وحكومة الاحتلال في حرمان الشعب الفلسطيني من حقوقه في أرضه والعيش فيها وإقامة دولة فلسطينية؟ أم إنه يقود إلى واقع جديد من احتدام الصراع بين الشعب الفلسطيني وكيان الاحتلال الذي سيواجه “قنبلة ديمغرافية” تتمثل في تزايد أعداد الشعب الفلسطيني بما يتجاوز أعداد الإسرائيليين على أرض فلسطين التاريخية؟ وهو الأمر الذي حذر منه سابقاً الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز في كتابه الصادر تحت عنوان “الشرق الأوسط الجديد”.
إنّ الأرقام تعكس بوضوح أبعاد الصراع الذي يتجاوز السيطرة العسكرية ليصل إلى عمق “الوجود الديمغرافي”؛ فما يحدث اليوم من محاولات حسم من قبل الاحتلال والمستوطنين على الأرض، ليس إلا سباقاً محموماً مع الزمن لمواجهة حقائق سكانية لا تميل لصالح الاحتلال.
بناءً على التقارير الإحصائية (الفلسطينية والدولية وحتى الإسرائيلية) لعام 2025:
أولاً: التوازن الديمغرافي الحالي
حسب تقديرات “الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني” عشية عام 2025، يبلغ عدد الفلسطينيين في فلسطين التاريخية (الضفة، وغزة، والداخل المحتل) حوالي 7.4 مليون نسمة، وهو رقم يتساوى تقريباً مع عدد اليهود في المنطقة نفسها. وهذا يعني أنّ “التفوق الديمغرافي” الإسرائيلي، الذي سعى الاحتلال لتثبيته لعقود، قد تلاشى فعلياً.
ثانياً: توقعات الواقع الديمغرافي في الأعوام المقبلة
تشير الدراسات (مثل دراسة صندوق الأمم المتحدة للسكان “فلسطين 2030”) إلى مسارات نمو متباينة:
بحلول عام 2030: من المتوقع أن يصل عدد الفلسطينيين في الضفة وغزة فقط إلى نحو 6.9 مليون، ومع إضافة فلسطينيي الداخل المحتلّ عام 48، سيتجاوز المجموع الكلي 9 ملايين.
بحلول عام 2050: تشير التقديرات إلى تضاعف السكان الفلسطينيين ليصلوا إلى قرابة 9.5 مليون في الضفة وغزة وحدهما، بينما قد يصل إجمالي الفلسطينيين في فلسطين التاريخية إلى أكثر من 12 مليوناً.
ثالثاً: المعضلة الإسرائيلية – كابوس بيريز
إنّ الاستيلاء الحالي على الأراضي في الضفة والقدس المحتلتين يضع كيان الاحتلال الإسرائيلي أمام “كابوس بيريز”، وذلك عبر المسارات التالية:
المسار الأول: ابتلاع الأرض دون القدرة على تهجير سكانها الفلسطينيين إلى خارج فلسطين، وهو ما أكده فشل حرب الإبادة النازية على قطاع غزة في تهجير الفلسطينيين منه. هذا المسار يحوّل كيان الاحتلال الإسرائيلي إلى “دولة ثنائية القومية” حسب قول شيمون بيريز، حيث من المتوقع أن يصبح الصهاينة في السنوات المقبلة أقلية فيها، والشعب الفلسطيني أكثرية.
المسار الثاني: استمرار سياسة حرمان الشعب الفلسطيني من حقوقه الوطنية يحوّل نظام كيان الاحتلال إلى نظام فصل عنصري (أبارتهايد) صريح، مما يجعله محل إدانة وعزلة دولية، ويسرع من انهياره على غرار ما حصل لنظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا.
المسار الثالث: الكثافة السكانية العالية للمواطنين الفلسطينيين الذين يعيشون في “كانتونات” معزولة ومحاصرة بالمستوطنات الصهيونية والطرق الالتفافية، تجعل منها بمثابة “قنبلة متفجرة” تؤدي إلى مواجهات وانتفاضات شعبية مستمرة مع قوات الاحتلال، تستنزف قدراته العسكرية والاقتصادية في ظل فقدان دائم للاستقرار والأمن.
انطلاقاً مما تقدّم، يمكن القول إنّ هجمات المستوطنين ومصادرة الأراضي قد “تعيق” إقامة دولة فلسطينية بالمعنى التقليدي (الجغرافي المتصل)، لكنها في الوقت ذاته تقضي على “المشروع الصهيوني” بصيغته الحالية. فكلما زاد التوغل في الأرض، اشتدّ الصراع على هوية الأرض الواحدة، في ظلّ اختلال ديمغرافي كبير لصالح الشعب الفلسطيني؛ وهو ما حذر منه بيريز بوضوح عندما قال إنّ “إسرائيل” قد تربح “تلالاً من الحجارة” لكنها ستخسر “صهيونيتها” أمام المدّ الديمغرافي الفلسطيني.
*كاتب ومحلل سياسي


















