سامي سماحة
نستأذن الشاعر الكبير أبو الطيب المتنبي ونقول له، لم يعد يكفينا قولك “فيك الخصام وأنت الخصم والحكم”، فالحال أصعب والحكم لم يعُد خصماً بل أصبح العدو مرتكب المجزرة، والشقيق الذي يسنّ نصل الخنجر.
يقتلنا ويعلن أنه قاتلنا ونتوسل إليه أن يطلب وقف المجزرة ونرجوه منحنا طيف الأمن والسلام لا الأمن والطمأنينة.
يقتلنا وقبل أن يجف دمنا نخبره أننا اخترناه ليجلب الأمن لنا.
ما عاد يكفي تعبير الخيانة، ولا موقف الحياد، ولا حالة الخصومة والعداء، ولا الطعن في الظهر، ما يحصل لا نجد له مصطلحاً في المنجد ولا حتى في كتاب لسان العرب.
يقصف العدو ضاحية بيروت يقتل، يجرح، يهدم، يزرع الرعب في الناس وقبل أن تهمد نار الغارة يصرح فصيح القوانين والمراسيم الهمايونية والدبلوماسية أن على جميع المواطنين الوقوف خلف الدولة ودعمها لتستجدي الأمن من أعطى إشارة الهجوم، ولا يدين العدوان ويتصرّف كأن سكان الضاحية والجنوب والبقاع أغراب عن البلد.
لم تعُد الخيانة وجهة نظر، ولا الطعن بالظهر غدر من ذوي القربى، صارت الخيانة عملاً وطنياً والغدر واجباً أخلاقياً.
لم يعُد صالحاً مع هؤلاء الحديث الذي يقول: “كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى” فقد اختاروا ليس الانفصال عن الجسد فحسب بل محاولة تدمير أعضاء هذا الجسد التي تهبه الحياة.
لم يعد العدو وحده يعمل على قتل الحياة في بلادنا، فقد صار في جسد الأمة خلايا سرطانية تخضع لإرادة العدو وتعمل من داخل جسد الأمة على قتل الحياة فيها.
هؤلاء الجبناء يخافون إدانة أفعال القتل والدمار التي يمارسها العدو منذ وقف الحرب وكي تُصيبهم نعمة الرضى الزائدة من مشغّليهم يزعمون أن للعدو حقاً بقتل اللبنانيين لأنه يدافع عن نفسه.
هم لا يعلمون أن من يستجدي الأمن من أميركا كمن يلحس المبرد المسنون.
أنّهم من فصيلة ملوك ورؤساء العرب، بفارق وحيد أنّهم يمارسون دور العبد المزدوج، عبد الملوك والرؤساء العرب وعبد الولايات المتحدة الأميركية والدول الأجنبية.
يسعون إلى تحقيق أغراضهم الدنيئة، كما يسعى العبد الذليل ليس لنيل حريته بل للاجتهاد في تقديم الخدمات لمالكه.
أنّهم يهود الداخل الذين باعوا شرفهم وبلادهم بثلاثين من فضة.
الطريق إلى فلسطين، الطريق إلى دمشق والعراق تمرّ بمحطة التخلّص من يهود الداخل باستعمال كل أساليب الإقناع.
يستفحل خطرهم ويستفحل استهتارنا، كأننا نحتاج إلى صفعة كي نصحو من الغفوة التي طالت. لم نعد نملك ترف الوقت، وإذا لم يجمعنا الخطر الذي يدق أبوابنا وإذا لم يحفزنا السرطان الذي يفتك بجسد الأمة للعودة إلى غاية الحزب التي هي الوصول إلى الشعب فنحن والبلاد إلى مصير لا تُحمد عقباه.

















