حسن عبدالحميد – إربيل
طبعتان سبقت نسخة هذا الكتاب الحامل لعنوان “Memoirs of a Zionist”- مذكرات صهيوني- الصادر- حديثاً -عن دار نيلسون ببيروت للكاتب والمفكّر والأكاديمي د. عبد الحسين شعبان،قامت بترجمته إلى الإنكليزية سنا شعبان، فضلاً عن تصميم الغلاف، فيما تولّت مراجعته كًل من ساهرة القرغولي وسوزان أبو حسن،وكان المؤلف قد أهدى الكتاب إلى الكاتب و الروائي الفلسطيني الراحل “غسان كنفاني”، الذي سبق أن التقاه في العام 1970 في بيروت.
كانت الطبعة العربية الاولى قد صدرت عن دار الصمود العربي،نيقوسيا – دمشق في العام/1986،ثم تلته طبعة جديدة ثالثة مزيّدة ومنقحة ومدققة صدرت عن دارالرافدين، بغداد – بيروت في ذات العام/ 2023،يتناول الكتاب يوميات القيادي الصهيوني في منظمة ماكابي هاكير “إيغون ردليخ” حينما كان معتقلًا في معسكر تيريزين”جمهورية التشيك” للفترة 1940-1944،ثم تمّ نقل إلى معسكر أوشفيتز بولونيا – قرب مدينة كراكوف”،وأُعدم لاحقًا هو وزوجته وإبنه، بالرغم من تعاونه مع النازية، حيث كان ينسّق علاقاته معها باسم منظمة ماكابي هاكير، وذلك عبر جهاز اﻟ SS النازي “قوات الأمن الخاصة النازية”، بإرسال عشرات الآلاف من اليهود إلى أفران الموت،مقابل إرسال بضعة عشرات أو مئات إلى فلسطين من المتمولين والقيادات الصهيونية.
تواطؤ صهيوني – نازي
تفضح اليوميات التي تمّ العثور عليها بعد 23 عامًا “1967” من إعدام ردليخ بسقف إحدى البيوت الحجرية في شارع غودولدوف بمدينة تيريزين التواطؤ الصهيوني – النازي ضدّ اليهود والتعاون المتعدد الجوانب في خدمة النازية، حيث لم تتورّع الصهيونية عن استخدام جميع الوسائل بما فيها إزهاق أرواح أبناء جلدتها اليهود لخدمة أهدافها.
يأتي صدور كتاب المفكر د. شعبان في هذا الوقت بالذات، ولاسيّما الطبعة الإنكليزية، بمثابة صبّ المساعي الهادفة إلى دحض المزاعم الصهيونية ونقض الرواية الإسرائيلية على الصعيد العالمي، وهو جزء من المقاومة الثقافية التي سبق له أن خاض غمارها لسنوات طويلة دفاعًا عن حقوق الشعب العربي الفلسطيني، ولاسيّما حقّه في تقرير مصيره.
بما يشبه الرد
لعل هذا الكتاب قد جاء بما يعادل أو يشابه الردًّ على الدعاية الصهيونية التي تمارس أنواعًا مختلفة من التضليل والديماغوجيا لتبرير حرب الإبادة، التي تشنّها ضدّ سكان غزّة بعد عملية “طوفان الأقصى” في السابع من تشرين أول – أكتوبر 2023، لأنه يكشف الطابع العنصري الاستعلائي للصهيونية وأساليبها غير الإنسانية، حيث يتم قطع الماء والكهرباء، ويمنع وصول الغذاء والدواء لما يزيد عن مليوني إنسان، وإجبارهم على الرحيل وترك مناطق سكناهم، لاسيّما بتدمير البنية التحتية والمرافق الحيوية ودور العبادة والمراكز الصحية والمستشفيات والمؤسسات الإعلامية والدولية، بحيث تنعدم أبسط مستلزمات الحياة.
إفصاح المؤلف
يعلن المؤلف عن أصل الكتاب الذي هو عبارة أربع مقالات تمّ نشرها في جريدة تريبونا “المنبر” أو “المنصة”، قام بترجمتها في العام 1976، حين لفتت انتباهه إليها إحدى المستشرقات، لكنها صودرت مع أوراقه وكتبه ووثائقه الشخصية من جانب الأجهزة الأمنية، وكان قد غادر العراق مرّة ثانية إلى المنفى في العام 1980، وبعدها قام بإعداد النص مرّة أخرى، وكتب له مقدمة “كيف نقرأ هذه المذكرات وما هي دلالاتها”، ونشرها على 5 حلقات في مجلة الهدف الفلسطينية – دمشق العام/1985.
ثم يضيف قائلًا بما نصّه “بطلب من الحكيم جورج حبش، أمين عام الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، حاول شعبان الحصول على نص المذكرات، فقام برحلة استكشافية زار فيها معسكر تيريزين، وهي المرّة الثانية التي يزور فيها هذا المعسكر، لكنه لم يجد نسخةً لكتاب ردليخ، وحاول عبر بعض الأصدقاء الاتصال ﺑ ييرجي بوهاتكا، الذي كتب المقالات الأربعة والموسومة “حينما تحدّث في يومياته”، لكنه فوجئ بأن الاسم هو اسم مستعار كما قيل له، ومع ذلك توصّل إلى زوجته التي وعدت بتزويده بنسخة من المذكرات، لكنها اعتذرت لاحقًا، ثم امتنعت عن الحديث في الموضوع.
معقولية الشك
يرى د. شعبان من باب الاستنتاج معقولية الشك،ربما يكون النص المكتوب كتعليق على المذكرات، هو من عمل جهاز المخابرات التشيكوسلوفاكية، وخصوصًا الشعبة المعنية بمكافحة الصهيونية،أو أنه كُتب بموافقتها، وسبق أن تمّ تحرير كتاب بعنوان “النشاط الصهيوني في الدول الاشتراكية”، واستلم المعني حقوقه ومكافأته، وأشرف على طبعه وتدقيقه واطّلع على غلافه، لكن الكتاب اختفى من المطبعة قبل بضعة أيام من صدوره،وهو ما وصله في وقت لاحق، الأمر الذي احتار به جورج حبش حين أخبره شعبان بذلك، لاسيّما الأنشطة الخفية التي كانت تعمل بسريّة كبيرة وحذر شديد.
استمرّت متابعة الباحث شعبان طيلة 37 عامًا للحصول على معلومات جديدة بشأن المذكرات ومن كتب عنها، وهو ما دوّنه في مقدمته التي استقينا منها هذه المعلومات، علمًا بأن ثمّة ملاحق أربعة أضافها إلى الطبعة العربية الجديدة والطبعة الإنكليزية، لعلّها تكمّل الحبكة الدرامية التي ظلّت غامضة، بل مشوّشة وملتبسة لدى الدكتور شعبان ولدى من تابع قصة المذكرات.
الأسئلة الراهنة
أضحت ملاحق الكتاب تتقاطع مع محتواه في البحث عن الحقيقة؛ وأولها – في رثائه لجورج حبش في جريدة السفير اللبنانية بمقالته الموسومة “جورج حبش: الاستثناء بالتفاصيل أيضًا” (2008)؛ وثانيها – مقالته بعنوان “لينين: كراكوف وأوشفيتز”؛ وثالثها – ” تفاهة الشر أيخمان في القدس” وهو قراءة في كتاب حنّة أردنت؛ ورابعها – مقالة بعنوان: “بوستروم – يفسيف ما أشبه اليوم بالبارحة”.
إن كتاب د. شعبان يطرح أسئلةً راهنة ومستقبلية بخصوص العلاقة الخفية بين الصهيونية والنازية، وإن ما لحق باليهود من أعمال إبادة في الحرب العالمية الثانية، يعود في قسم كبير منها إلى الصهيونية المتواطئة مع النازية، ولذلك فإن الكتاب جدير بالقراءة، ليس من الجانب العربي فحسب، بل إنه مساهمة في تنوير الرأي العام العالمي بخبايا الصهيونية وخفاياها على طول تاريخها، وهو ما أصبح أكثر وضوحًا بعد عملية طوفان الأقصى (7 تشرين الأول / أكتوبر 2023).
(جريدة الوطن الجديد)
الخميس – 19 أيلول /2024
Hasanhameed2000@yahoo.com