يشهد الاقتصاد الأردني نموا مستمرا إذ تمكن من تجاوز العديد من التحديات الاستثنائية التي تواجهها المنطقة، ويعزى ذلك إلى الدعم الملكي والسياسات المالية والنقدية المدروسة التي ساعدت على استقرار سعر صرف الدينار واستيعاب الآثار التضخمية، إضافة إلى تعزيز احتياطات المملكة من العملات الأجنبية.
وفي الفترة الأخيرة، ظهرت مؤشرات إيجابية تعزز من قوة الاقتصاد الوطني، حيث تم رفع التصنيف الائتماني السيادي للمملكة من قبل وكالة ستاندرد آند بورز، بعد أن قامت وكالة موديز بنفس الخطوة قبل أربعة أشهر.
وانخفض معدل البطالة في المملكة خلال الربع الثاني من العام الحالي، بمقدار 0.9 نقطة مئوية، مقارنة بالربع الثاني من العام الماضي 2023، وثباته مقارنة مع الربع الأول من العام الحالي 2024، ليسجل 21.4 بالمئة.
وسجل معدل التضخم خلال شهر آب الماضي من العام الحالي ارتفاعا طفيفاً نسبته 0.15 بالمئة (أقل من نقطة مئوية واحدة) مقارنةً مع شهر تموز الماضي.
وبدأت حركة صادرات الصناعة بالابتعاد عن حالة التراجع الملحوظة منذ بداية العام الحالي، والاقتراب من تصحيح المسار، حيث بلغت 6.037 مليار دينار خلال الأشهر الثمانية الماضية من العام الحالي، مقارنة مع 6.095 مليار دينار، خلال نفس الفترة من العام الماضي، بتراجع طفيف نسبته 0.9 بالمئة.
وحققت كميات الإنتاج الصناعي لشهر تموز الماضي من العام الحالي ارتفاعا نسبته 1.29 بالمئة مقارنة مع شهر حزيران الذي سبقه من نفس العام، وارتفاعاً بنسبة 0.63 بالمئة مقارنة مع نفس الشهر من العام الماضي 2023.
وأسهمت الإجراءات التي يقوم بها البنك المركزي بالحفاظ على الاستقرار النقدي والمالي في المملكة وثبات سعر صرف الدينار مقابل الدولار، وبناء احتياطي غير مسبوق من العملات الأجنبية يبلغ حاليا نحو 20 مليار دولار، يكفي لتغطية ما يزيد على 8.5 شهر من مستوردات المملكة من السلع والخدمات.
واستطاع الأردن أن يضع عددا من المشاريع الاستراتيجية الكبرى على سكة التنفيذ بمقدمتها (الناقل الوطني للمياه)، وهو المشروع الحيوي والاستراتيجي للمملكة الذي سيوفر المنعة والاعتماديَّة على الذات في مصادر المياه من خلال توفير 300 مليون متر مكعب من المياه سنويا.
ووقع الأردن ودولة الإمارات العربية المتحدة، أربع اتفاقيات لإنشاء مشروع استثماري للسكك الحديدية، بقيمة 2.3 مليار دولار لربط ميناء العقبة بمناطق التعدين في الشيدية وغور الصافي.
وحطت قبل أيام طائرة سياح فرنسية عارضة، بمطار الملك الحسين الدولي بالعقبة، وهي واحدة من 9 رحلات أخرى حتى نهاية العام الحالي، وهي خطوة تبشر بعودة رحلات الطيران بقصد السياحة للمملكة، التي تأثرت جراء العدوان الإسرائيلي على أهالي قطاع غزة والظروف الإقليمية المحيطة.
وقال رئيس جمعية مستثمري شرق عمان الصناعية الدكتور أياد أبو حلتم إن الاقتصاد الوطني يملك خاصية الصمود أمام التقلبات الاقتصادية والسياسية والأمنية ، واستطاع الثبات بكل الظروف ولا سيما خلال العقد الأخير من الزمن وما حمله من أحداث سياسية إقليميه وعالمية علاوة على جائحة فيرو كورونا.
وعزا الدكتور ابو حلتم، حالة الصمود والثبات هذه للسياسة النقدية الحصيفة التي يتبعها البنك المركزي، التي أدت لثبات استقرار سعر صرف الدينار، ونمو احتياطيات المملكة من العملات الأجنبية لأرقام قياسية، ما عزز الثقة بالاقتصاد الوطني وكذلك التزام الدول الأردنية بما يترتب عليها من التزامات تتعلق بسداد الديون في وقت استحقاقها.
وأشار إلى أن سياسة الالتزام هذه منح الدائنين الثقة بالاقتصاد الوطني، ورفع التصنيف الائتماني للمملكة لدى وكالات التصنيف الدولية، ما يدل على إن المملكة هي دولة مؤسسات وسيادة قانون، دولة لا تفرق بين المستثمرين بغض النظر عن جنسياتهم، وملتزمة بكل ما توقع عليه من اتفاقيات أو تعاقدات أو قروض خارجية.
ولفت الدكتور أبو حلتم العضو كذلك بمجلس إدارة غرفة صناعة عمان، إلى أن معدلات البطالة رغم تراجعها واستقرارها عند 21 بالمئة تقريبا ، إلا أنها لا زالت مرتفعة بالمعايير الاقتصادية العالمية، ما يتطلب وضع الحلول الناجعة لها.
وبين أن الصادرات الكلية للمملكة وصلت خلال العام الماضي لرقم قياسي مهم وكبير بلغ 9 مليارات دينار، والصناعات التحويلية تنمو سنويا ببعض القطاعات بنسب تتراوح بين 16 و 20 بالمئة، ما يدل على أن الصناعة الأردنية خطت خطوات كبيرة باتجاه توطين التكنولوجيا والأبداع وتعزيز تنافسيتها بالرغم من ارتفاع الكلف التشغيلية.
وقال ” بالرغم من كل الهزات الإقليمية والعالمية لا زال الاقتصاد الوطني ثابت ويحقق معدلات نمو رغم ضعفها، وصادرات كلية تنمو ومعدلات بطالة بمنحنى هبوطي، واستقرار سعر صرف الدينار، واحتياطيات قياسية من العملات الأجنبية، والتصنيف الائتماني الإيجابي”.
وأضاف ” إن الاقتصاد الوطني ورغم ما تحقق من نجاحات لا زال يواجه صعوبات، وهناك بعض المؤشرات المقلقة تتصل بضعف الانفاق وانخفاض دخل الفرد علاوة على تضرر قطاعات انتاجية بفعل تبعات العدوان الإسرائيلي على اهالي قطاع غزة لا سيما السياحة والزراعة”.
واشار إلى أن المملكة تملك رؤية تحديث اقتصادي عابرة للحكومات ووضعت اهدافا كبيرة تتعلق بمعدلات النمو لا تقل عن 5.6 بالمئة واستقطاب استثمارات تقدر بنحو 41 مليار دولار بواسطة القطاع الخاص وتوليد 100 الف فرصة عمل سنويا، ومحركات نمو، وصناعات عالية القيمة، وخدمات عامة للمواطنين، وبيئة مستدامة.
وأوضح أن الانتخابات النيابية التي أجراها الأردن وسط ظروف صعبة بالإقليم تؤشر على متانة الدولة الأردنية ومؤسساتها، تزيد ثقة المستثمر سواء المحلي أو الأجنبي بالاقتصاد الوطني وبيئة الأعمال، مؤكدا أن أصحاب الأعمال والمستثمرين يتطلعون دائما لوجود سياسات تشريعية متطورة ومحفزة تعزز التنافسية، تقر من مجلس النواب.
وعبّر الدكتور أبو حلتم عن أمله بتعزيز الشراكة بين القطاعين عند اتخاذ القرارات فاعلة، وأن يشارك القطاع الخاص عند وضع الأنظمة والتعليمات من خلال ممثليه، مؤكدا أن المرحلة المقبلة يجب أن يكون عنوانها تمكين القطاع الخاص لتطوير أعماله وتعزيز تنافسيته وتقليل الكلف التشغيلية وتطوير الصادرات وتوطين التكنولوجيا وتعزيز الانفاق الرأسمالي وضخ سيولة مالية وتنفيذ المشروعات الاستراتيجية بما يمكنه من توفير فرص عمل.
بدوره، يعتقد الباحث الاقتصادي الدكتور أحمد المجالي أن المعطيات الايجابية التي يشهدها الاقتصاد الوطني سيكون لها آثار جيدة على المستثمرين والقرارات الاقتصادية للأفراد ما يحفز الطلب الكلي.
واشار إلى أن التركيز على الايجابيات التي بدأ الاقتصاد الوطني يحققها يدعم تحول الدورة الاقتصادية من الانكماش الى الانتعاش، معتبرا هذه المؤشرات ريادية في إعطاء صورة مستقبلية إيجابية.
وأكد وجود تحسنًا في سوق العمل، ربما يكون مرتبطا بزيادة الاستثمارات الأجنبية والمحلية في قطاعات مثل التكنولوجيا والطاقة المتجددة والخدمات، لكن هناك مؤشرات لا زالت مقلقة للاقتصاد الوطني بمقدمتها المديونية وتراجع القدرة الشرائية للمواطنين الذي يؤثر على الطلب الكلي.
وبيّن أن ثقة المؤسسات المالية العالمية في الاقتصاد الوطني يسهل على المملكة الحصول على قروض بشروط أفضل، مبينا أن التحسن يأتي جراء السياسات المالية المستدامة والإصلاحات الاقتصادية التي تهدف إلى تقليص العجز المالي وتحفيز النمو الاقتصادي.
ورأى الدكتور المجالي أن توقيع اتفاقيات استثمارية مؤشر على أن الأردن أصبح بيئة جاذبة للاستثمار، وخاصة في قطاعات استراتيجية مثل الطاقة والنقل والسياحة، موضحا أن هذه الاستثمارات تسهم في تنويع الاقتصاد وتخفيف الاعتماد على المساعدات الخارجية.
واكد أن المرحلة المقبلة تتطلب تعزيز جانب الطلب الكلي مع الأخذ بعين الاعتبار الدخل الحقيقي، مبينا أن ارتفاع اسعار الفائدة على القروض السكنية كان له اثر سلبي على القدرة الشرائية للمواطن ما انعكس في عدم تحقيق مستويات النمو المستهدفة بالرغم من عدم تراجع النمو الاقتصادي بشكل كبير رغم كل الأحداث.
واشار إلى أهمية الاستمرار في تمكين الشباب من خلال برامج دعم المشاريع الناشئة وتطوير المهارات التقنية، ما يعزز القدرة التنافسية للاقتصاد الوطني ويولد فرص عمل مستدامة، علاوة على تحديث نظام التعليم ليتماشى مع متطلبات سوق العمل الحديث.
وأكد ضرورة الاستمرار بالإصلاحات المالية لتقليل الدين العام وزيادة الإيرادات المحلية، مع ضمان توزيع أكثر عدالة للأعباء الضريبية لتخفيف العبء على الفئات ذات الدخل المحدود.
وشدد الدكتور المجالي على ضرورة أن تركز السياسات الاقتصادية على دعم الصادرات سواء من خلال توقيع المزيد من الاتفاقيات التجارية أو تحسين البنية التحتية لدعم المنتجين المحليين في الوصول إلى أسواق جديدة.
(سيف الدين صوالحة- بترا)