مي أحمد شهابي
(كاتبة واعلامية فلسطينية)
نعيش اليوم لحظات مفصلية تاريخية وغزة هاشم، فرضت أجندتها السياسية والإقليمية المقاومة، على سلطة الكيان الصهيوني والولايات المتحدة وأذنابهم من خونة القضية الفلسطينية.. صفقة تبادل الأسرى بشروطها أرضخت القوى الاستعمارية، للاستجابة لها وقبولها رغم أنوفهم. فشكلت ضربة قاسمية لهذه الصفقة (كل محتجز يقابله ثلاثة من الأسرى). فقد سجلت المقاومة، انتصاراً كبيراً وإنجازاً عز نظيره في هذا القرن.. وكشفت مسميات الحقيقة بأن العدو الصهيوني ما هو إلا أكذوبة الغرب الاستعماري زُرعت للتمكن من احتلال الشرق وقضم ما بقي من مقدراته الوطنية..
إن الدفاع عن القضية الفلسطينية ما هو إلا دفاع عن الشرق الأوسط ودول الجوار بكل مستوياته ومكوّناته الأمنية والسياسية وحتى الاقتصادية، ويُعدّ بمثابة حماية للحقوق والعدالة الإنسانية.. فبعد فلسطين سيكون مصير دول الجوار المصير ذاته.. وما دامت فلسطين شوكة في خاصرة العدو سيبقى مصير المنطقة بأمان. وهذا ما يدفع بحكومات دول الجوار أن تبقي الوضع على حاله.. واستنزاف ما بقي من فلسطين لأطول فترة ممكنة. وإن اجتثاث هذا الكيان الغاصب ما هو إلا إنقاذ للشرق والبشرية من السمّ البطيء الذي يتناولانه منذ عام ١٩٤٨ إلى الآن، عبر علاقات التطبيع المستمرة ورسم العلاقات الإبراهيمية الاقتصادية والاجتماعية معه.
لقد كشفت المقاومة، ضعف الأنظمة العربيّة عن الدفاع عن أمنها القوميّ، وخوفها من تهديدات (بايدن ونتنياهو)، فصمتت وتعرّت سوءاتها وباتت مكشوفة أمام مجتمعاتها.. فلم يكن من المتوقع أن تجرّ الأنظمة العربيّة جيوشها وتشحذ سيوفها للدفاع عن فلسطين وشعبها، ولكن كانت التحوّلات في المشهد تشجع على وقوفهم يداً واحدة ـ حتى لو كذباً ـ لإرهاب العدو الصهيونيّ كقطع العلاقات الاقتصاديّة وتجميدها وطرد السفراء وقطع العلاقات الدبلوماسية والسياسية وو……
ومع انحسار الأنظمة بقيت الدول التي تحمل شعار محور المقاومة: (كاليمن، العراق، لبنان/ حزب الله، سورية، وإيران) باتت توحي بانبعاث روحٍ جديدة ومعادلة جديدة لتعديل المنظومة السياسية الإقليمية للأنظمة العربية.
لقد صبّت هذه المقاومة الشريفة، النار على رأس كل من (بايدن ونتنياهو) وقتلت أحلامهم بإنجاز عظيم يوظفانه لإنقاذ انتخاباتهم السياسية المقبلة، وبذلك خسروا ماء وجوههم أمام مجتمعاتهم بعد تدني شعبيتهم الانتخابية. ومن الممكن انتظارهم محاكمات قضائية. وأيضاً خسارتهم لملف التطبيع مع السعوديّة أو تأجيله والذي أعلن عنه في (٩ أيلول الفائت) أي قبل ما يقرب الشهر من (طوفان الأقصى).
وعند بدء الطوفان سارعت الولايات المتحدة الأميركية بتعزيز الحضور العسكريّ لآلياتها العسكرية من حاملات طائرات ومدمرات وطرادات، إضافة إلى أحدث غواصة في العالم وذلك كله لرفع معنويات العدو الصهيونيّ والردع المسبق لما يمكن أن يتطوّر إليه الأمر. وترافق مع ذلك زيارة وزير الخارجيّة بلينكن باعتباره يهودياً ووزير خارجية أميركا، فأكد خلال ذلك الدعم المطلق للكيان وحقه المطلق في الدفاع عن نفسه، وشارك في اجتماعات حكومة الحرب الصهيونيّة في سابقة لم تحدث من قبل. وكذلك جاءت زيارة الرئيس بايدن لتعيد التأكيد الأميركي المطلق لدولة الكيان. وتبعت ذلك زيارات كبار مسؤولي فرنسا وبريطانيا وألمانيا وكندا وغيرهم مرددين المواقف نفسها.
ومع مرور أكثر من ٥٢ يوماً على العدوان الصهيونيّ على القطاع وسقوط أكثر من ٢٠ ألف شهيد منهم أكثر من ٨٠٠٠ طفل وحوالي ٦٠٠٠ مفقود وتدمير ٥٢ مركزاً طبياً والغالبية الساحقة من المستشفيات والمساجد والكنائس والمدارس والبنية التحتية، إضافة لتدمير أكثر من ٧٠% من مباني القطاع وتهجير أكثر من مليون إنسان من منازلهم.. رغم كل هذا الألم، تمكّنت كتائب القسام والمقاومة فرض هدنة إنسانية بشروطها، كما رأينا، وفشل العدو الصهيوني في تحقيق أهدافه المعلنة. وكما جرى في أيام الهدنة الأربعة وخروج نسائنا وأطفالنا من سجون العدو، رافعين رايات النصر ما هو إلا تأكيد على عظمة وبطولة شعبنا الأسطورية والتي تزامنت مع تضحيات شهداء غزة وجرحاها، ورباطة جأش أهلنا، وأثبتت أن يوم النصر النهائي قريب بإذن الله..