ورد في التعليق السياسي لجريدة البناء:
– لم يكشف أي من الطرفين المتحاورين، حزب الله والتيار الوطني الحر عن ما هو أبعد من القول إن الحوار بدأ بينهما، وإنه يسير بصورة إيجابية، فيما تحدثت التقارير الإعلامية القريبة من الطرفين عن قناعة متبادلة بين الطرفين باعتبار الحوار بينهما مصلحة وطنية ومصلحة مشتركة لكليهما، وممراً إلزامياً لإنجاز الاستحقاق الرئاسي.
– ثبت لحزب الله أن التقدّم بالمرشح سليمان فرنجية الذي يتمسك الحزب بتبني ترشيحه، غير ممكن دون التيار الوطني الحر، لأن الكتلتين المرشحتين للانضمام إلى تأييد ترشيح فرنجية، اللقاء الديمقراطي والاعتدال الوطني، لن تفعل أي منهما ذلك إلا إذا حلت قضية التغطية المسيحية للترشيح من إحدى الكتلتين المسيحيتين الكبيرتين، القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر، وأن المساعي الخارجية التي بدت قادرة على إحداث خرق عبر معادلة ثنائية ترشيح سليمان فرنجية ونواف سلام قد انحسر موجها، وصار الفراغ المديد سيّد الموقف.
– ثبت للتيار الوطني الحر أن التقاطع مع خصوم حزب الله على مرشح مثل جهاد أزعور لن يصنع رئيساً، حتى لو تم تجميع الـ 65 صوتاً لصالحه، لأن لدى مؤيدي ترشيح فرنجية وفي قلبهم حزب الله وتحالفاته، ما يكفي نيابياً لتعطيل النصاب، وأن الحزب عازم على فعل ذلك الى ما لا نهاية، كما ثبت أن تجميع الـ 65 صوتاً لصالح مرشح التقاطع ليس بالسهولة التي ظهرت مع الحسابات الأولية لقوى التقاطع، والأهم أن التيار لمس بوضوح أن لترشيح الثالث الذي يشكل النتيجة الفعلية لمعادلة إفشال انتخاب المرشحين المتقابلين، له اسم واحد هو قائد الجيش العماد جوزف عون، والسعي لتشكيل تقاطع بدون التيار يضمّ الثنائي أو احد طرفيه، ما يعني بالنسبة للتيار قطع الشك باليقين لجهة استنفاد الوقت الذي منحه لما وصفه رئيسه جبران باسيل منذ شهور بالخيار الأول للتيار، خلال ترشيح ميشال معوض وسليمان فرنجية، بالتوصل الى مرشح إجماع توافقي، والحاجة للانتقال الى الخيار الثاني وهو تشكيل ائتلاف نيابي عريض يلتقي على مشروع سياسي إصلاحي، وضع له التيار ركيزتين، هما اللامركزية والصندوق الائتماني، يصبح معه غض النظر عن اسم الرئيس وارداً، ليصير في حال الفشل الانتقال الى الخيار الثالث هو الاكتفاء بترشيح رئيس التيار لحفظ الحق وتسجيل الموقف.
– الكلام الذي صدر عن رئيس التيار حول الاستعداد لتقديم تضحية رئاسية لستّ سنوات إذا تمّ الحصول سلفاً على تشريعات اللامركزية والصندوق الائتماني، والقول إن سعياً مع آخرين يتم تحت هذا العنوان، إشارة مهمة على أن الخيار قد حسم لصالح استكشاف هذه الفرصة. وهذا يفتح الطريق لاستعادة زخم التفاهم مع حزب الله تحت عنوان دعم ترشيح فرنجية المقترن بتفاهم والتزامات تتصل بهذين العنوانين، وغيرهما عندما ينضم الى الائتلاف النيابي آخرون، سواء ما يتصل بالاستراتيجية الدفاعية او بعودة النازحين السوريين، وهكذا يتبلور برنامج حكومي كامل يلتزمه الائتلاف النيابي الذي يدعم العهد ويشكل الغالبية النيابية الحاكمة.
– يقع إعلاميون وسياسيون كثيرون بالالتباس عند الحديث عن الصندوق الائتماني في الخلط بينه وبين الصندوق السيادي الخاص بثروات النفط والغاز، بينما الصندوق الائتماني هو صيغة اقتصادية مالية، لتجميع حقوق استثمار أملاك الدولة ومؤسساتها الإنتاجية وحقوقها القابلة للاستثمار، بصيغة أسهم في شركة عامة تملكها الدولة، وتعرض استثمارها على القطاع الخاص بصيغ شراكة، تحفظ للدولة بالإضافة للملكية عائداً ودخلاً يوازيان مواردها الحالية من هذه الأملاك والمؤسسات والحقوق، وتتيح للقطاع الخاص، الذي تشكل المصارف عموده الفقري، عبر ضخّ استثمارات في هذه الأملاك والحقوق والمؤسسات تحقيق عائدات إضافية يجري تقاسمها مع الدولة. واعتبار هذا الصندوق إطاراً استثنائياً للنهوض الاقتصادي والمالي ونقل الاستثمار المصرفي من الريع إلى الإنتاج، وفتح الطريق أمام ترسمل المصارف مجدداً بما يتيح سداد أموال المودعين.
– في قضية اللامركزية أمران، الأول إضافة اللامركزية المالية الى الإدارية، والثاني تحديد الإطار الإداري في رسم حدود الوحدات اللامركزية، وانطلاقاً من كونها جزءاً من إصلاحات اتفاق الطائف، استحالة أخذها وحدها من ضمن هذه الإصلاحات المعلقة، لذلك فإن الحاجة لتبديد صلة هذا المطلب بالفدرالية، وتسهيل القبول الوطني العام بإضافة اللامركزية المالية، على صعوبة الأمر، يجب اعتماد دوائر إدارية مطمئنة بعدم اتباعها النقاء الطائفي، كما يجب اعتبار اللامركزية جزءاً من كل والكل هو إصلاحات الطائف المعلقة، وفي طليعتها ما نصّت عليه المادة 22 من الدستور باعتماد قانون انتخاب خارج القيد الطائفي وإنشاء مجلس للشيوخ تتمثل فيه الطوائف يتولى النظر في القضايا المصيرية.
– التشهير بما يجري بين التيار والحزب بصفته تراجعاً غير مبدئيّ ونوعاً من المساومة والصفقة الانتهازية، تعبير عن قصر نظر أو خشية مصدرها الخوف من نجاح التيار، أو حسد على قدرة التيار على فتح مسار يحفظ له مكانة ودوراً، بينما كان يسعى خصومه لاستعماله ورميه، ونحن معنيون بمناقشة قصر النظر. وهنا نقول إن ما يجري هو السياسة بمعناها العلمي تماماً، أي البحث عن المصالح المشتركة وتحويلها الى نص سياسي، بعيداً عن الرومانسية والمشاعر، التي يكفي أن تخلق الثقة وتمنح المصداقية، لتشكل المصالح أساس التفاهمات، والمصالح هنا ليست المكاسب الحزبية، بل درجة الاقتراب من رؤية كل طرف سياسي للمصلحة الوطنية.