يحيى دايخ*
من خلال “الرؤية الإسرائيلية” من البحر إلى النهر (إسرائيل الكبرى) وإذا أخذنا بعين الاعتبار المعطيات التالية:
– الحلف القبرصي اليوناني الإسرائيلي (البحر المتوسط).
– الإحتلال الإسرائيلي في سوريا.
– العمل على ضم القدس والضفة الغربية.
– الاحتلال الإسرائيلي في غزة.
– الاحتلال الإسرائيلي في جنوب لبنان.
– الدول المُطبعة: الأردن، مصر، المغرب وبعض دول الخليج.
– الوجود الإسرائيلي في جنوب السودان وإرتيريا وأقليم أرض الصومال.
يبرز السؤال الإشكالي التالي:
إلى أي مدى وصل مشروع “إسرائيل الكبرى”؟
للإجابة على هذا السؤال لابد لنا من ربط جيوسياسي عام للمشهد في المنطقة كلها يُمكِننا من خلاله صياغة تحليل استراتيجي معمق حول الإشكالية المطروحة.
*أولاً: مفهوم “إسرائيل الكبرى”*
“إسرائيل الكبرى” هو تصور أيديولوجي وتاريخي، يستند إلى تفسيرات توراتية وتوسعية، تتراوح دلالاته بين الطموح الرمزي والبعد الجغرافي الممتد من “النيل إلى الفرات”، أو من “البحر إلى النهر” (من المتوسط إلى الأردن).
رغم النفي الرسمي المتكرر لوجود مشروع سياسي مباشر بهذا الاسم، فإن الممارسات التوسعية والاستراتيجيات الأمنية والعلاقات الإقليمية “الإسرائيلية” تشير إلى ما يمكن رؤيته من تحقق تدريجي لبعض أبعاد هذا المشروع.
*ثانيًا: الأبعاد الجغرافية والسياسية للمشروع قيد التحقق*
1. *الاختراق العسكري والأمني*
– *فلسطين*: سيطرة كاملة على 78% من الأرض وضم متدرج للضفة والقدس، إحتلال وحصار خانق على غزة ورفح.
– *الجولان والجنوب السوري المحتل*: ضم فعلي اعترفت به واشنطن (2019)، مع استثمار عسكري واستخباراتي دائم.
– *جنوب لبنان*: رغم الانسحاب عام 2000، ما يزال الاحتلال قائماً في مزارع شبعا وكفرشوبا والجزء اللبناني من الغجر، مع إحتلال نقاط إضافية من جنوب لبنان، وخروقات دائمة واتصالات لإقامة “منطقة عازلة وآمنة” ضمن معادلة الردع.
2. *الامتداد الإقليمي غير العسكري*
– *اتفاقيات إبراهام*: تطبيع مع الإمارات، البحرين، المغرب، السودان، سبقها مصر والأردن. هذا لا يمنح الكيان الإسرائيلي فقط شرعية وجود بل نطاق نفوذ استراتيجي واقتصادي وعسكري واستخباراتي.
*التحالف القبرصي-اليوناني-الإسرائيلي*: يشكل طوقًا بحريًا على شرق المتوسط يُقصي تركيا ويؤسس لنفوذ بحري وغازي إسرائيلي.
3. *العمق الاستراتيجي في أفريقيا*
– *جنوب السودان*: حليف استراتيجي منذ ما قبل الاستقلال وتعاون عسكري واستخباراتي وثيق.
– *إريتريا*: شراكة أمنية على البحر الأحمر، تقارير عن منشآت تنصت وسفن مراقبة.
– *صوماليا لاند*: الاعتراف بإقليم انفصالي يُشكل امتدادًا أمنيًا-جيوسياسيًا “لإسرائيل” في خليج عدن وباب المندب، ويهدد الوجود العربي والإسلامي في هذا الممر البحري الاستراتيجي.
*ثالثًا: أدوات تحقيق المشروع*
1. *الهيمنة غير المباشرة (Soft Power)*
– الابتزاز بالمساعدات، والاختراق التكنولوجي، والتطبيع الاقتصادي والثقافي.
2. *القواعد العسكرية/التقنيات الأمنية*
– “إسرائيل” تنشر تقنيات مراقبة، تنصت، وسايبر في أفريقيا والخليج.
3. *التحالفات البحرية والأمنية*
– مع الغرب، قبرص، اليونان، الهند، وحتى بعض دول الخليج، لتعزيز تفوقها في الممرات البحرية.
*رابعًا: حدود المشروع وموانعه*
رغم كل التقدم، ما زال المشروع يصطدم بـ:
– *المقاومة في لبنان وفلسطين*: التي تشكل حجر عثرة عسكريًا وأخلاقيًا.
– *تركيا وإيران*: كقوتين إقليميتين مناهضتين، تمانعان الهيمنة الإسرائيلية.
– *التحولات الدولية*: الصعود الروسي–الصيني، وصراعات أوكرانيا–تايوان، التي تعيد تشكيل موازين النفوذ.
*خامساً: إلى أين وصل المشروع؟* يمكن القول إن مشروع “إسرائيل الكبرى” لم يتحقق جغرافيًا كاملاً كما طمحت به بعض الأدبيات الصهيونية، لكنه قيد التحقق وظيفيًا واستراتيجيًا، كيف:
– *إسرائيل تحيط نفسها بطوق من الدول المطبعة أو المخترقة سياسيًا*.
– لها *نفوذ أمني واستخباراتي عبر البحر الأحمر والخليج وشرق المتوسط*.
– وقد تمكنت من *فرض نفسها لاعبًا فوق الإقليمي* رغم التهديدات الجيوسياسية.
لكن المشروع ما زال هشًا وقابلًا للارتداد، خصوصًا إن استعاد محور المقاومة توازنه الإقليمي أو تغيّر ميزان القوى العالمي، كيف، ومتى؟
هشاشة المشروع الصهيوني وقابليته للارتداد، تستند إلى معطيات إقليمية ودولية قائمة على الأسباب التالية:
*1. هشاشة مشروع “إسرائيل الكبرى”: مظاهر وأسباب*
رغم التقدم في التطبيع، الاختراق الجغرافي، وبناء شبكة مصالح، تبقى بنية المشروع الإقليمي الإسرائيلي عرضة للانهيار أو الانكفاء للأسباب التالية:
أ. هشاشة الداخل الإسرائيلي
– الانقسامات السياسية والعرقية: المجتمع الإسرائيلي منقسم بين تيارات دينية، علمانية، قومية، وعرقية. هشاشة التركيبة الداخلية تهدد أي مشروع توسعي.
– عدم قدرة “إسرائيل” على حسم معركة غزة (2023–2024) أظهر ضعف الردع رغم التفوق، ما يعني أن العمق الصهيوني ليس بمأمن من الانهيار المعنوي أو السكاني في حال تفجر جبهة الشمال أو الداخل المحتل.
ب. هشاشة “المحيط المُطبَّع”
– التطبيع هشّ وغير شعبي: معظم اتفاقيات إبراهام مفروضة سياسيًا. وارتدادات الحرب على غزة (2023–2024) أعادت تأكيد الرفض الشعبي.
– الأنظمة المُطبّعة نفسها غير مستقرة سياسيًا، وبعضها قد يشهد تغيّرات مفاجئة.
*2. قابلية المشروع للارتداد: كيف؟*
أ. استعادة محور المقاومة لتوازنه الإقليمي
– في حال نجح المحور (إيران – حزب الله – حماس – أنصار الله – فصائل العراق) في توحيد الجبهات ميدانيًا وسياسيًا، فإن ذلك سيحوّل الطوق الذي تحاول إسرائيل فرضه إلى *حزام نار* يطوّقها.
– التركيز على تعزيز الصناعات العسكرية الذاتية للمحور، مثل المسيرات الدقيقة والصواريخ الفرط صوتية، سيعيد فرض قوة الردع بشكل يمنع التمدد الإسرائيلي.
– العمل على انهيار الداخل الإسرائيلي من خلال الحرب النفسية أو في دخلت جبهة الشمال (لبنان–الجولان) بقوة مع باقي محور المقاومة، فإن قدرة “إسرائيل” على حماية مصالحها في البحر الأحمر والمتوسط قد تتلاشى أو تُشلّ بالكامل.
ب. تغير ميزان القوى العالمي
– الصعود الصيني–الروسي–الإيراني بات يهدد أحادية الهيمنة الغربية، ويقلّص مجال المناورة الإسرائيلي.
– في حال اضطر الغرب لتقليص انخراطه في المنطقة بسبب الانكفاء الاقتصادي أو العسكري (كما ظهر جزئياً في أوكرانيا أو التراجع عن آسيا الوسطى)، وبما أن الكيان يُنظر إليه كعبئ على الغرب فمن الممكن أن يُترك مكشوف أو مجبر على الانكفاء الدفاعي.
– تحوّل تركيا أو السعودية نحو محور متوازن أو مقاوم كفيل بإرباك معادلة التطويق الإسرائيلي وتفكيك حلقات السيطرة.
*3. “إسرائيل” تسعى اليوم إلى ما يلي: هل تنجح؟*
أ. ضرب القدرات الإيرانية
– إسرائيل فشلت في تحييد البرنامج النووي رغم عمليات الاغتيال والتخريب.
– الرد الإيراني المدروس والمدعوم بمحور قوي يجعل الحرب الشاملة خيارًا غير محسوبًا لتل أبيب.
ب. تقليص النفوذ التركي
– تحالفات الدولة العبرية مع قبرص واليونان تستهدف تركيا بحريًا.
– لكنها لا تملك قدرة عسكرية لمواجهة تركيا مباشرة، وتعتمد فقط على التحالفات.
ج. إشغال تركيا بالملف الكردي
– رهانها على كبح أنقرة بالورقة الكردية (في سوريا والعراق) غير مضمون، لأن تركيا طورت سياسة ميدانية هجومية وعمليات عسكرية مباشرة.
– كما أن أي تقارب تركي–إيراني قد يُجهض هذا الرهان.
*النتيجة العامة : ما مستقبل “إسرائيل الكبرى”؟*
أعتقد أن مشروع “إسرائيل الكبرى” قد بلغ ذروته من حيث النفوذ، لكنه يواجه حدودًا استراتيجية:
– قوة المحور المقابل رغم الاستنزاف.
– تقلص الدعم الشعبي العربي للتطبيع.
– تغير المزاج العالمي نحو تعددية قطبية لا تمنح الكيان العبري هامشاً واسعاً.
بالتالي، فإن أي خلل في البنية الداخلية الإسرائيلية أو صحوة إقليمية منسّقة قد يُفضي إلى ارتداد عن التوسع وتحول الكيان الصهيوني من مشروع توسع إلى كيان في حالة دفاع دائم.
*كاتب ومحلل سياسي

















