سامي سماحة
تتغير المسافة بين الميلاد ورأس السنة بتنوع الأمم وحيويتها ولكل أمة عمرها الخاص المتناسب مع قوتها ودرجة فاعليتها وتأثيرها في حياة العالم بشكل عام.
الميلاد يؤرخ لتاريخ الأشخاص ورأس السنة يؤرخ لتاريخ الأمم.
في البلدان المتحضرة تساوي المسافة بينهما صفراً لأن إبداع الأفراد يتناسب مع رقي البلاد ويتكامل مع نهوض الأمم فيتساوى مستوى إبداع الأفراد مع مستوى ارتقاء الأمة.
وفي الأمم المتقهقرة التي تعاني من تخلف في الاجتماع والدولة أيضاً تساوي المسافة صفراً، لانه أيضاً يتساوى مستوى الأفراد مع مستوى الأمة.
أما في بلادنا التي تعيش أوضاعاً خاصة فإن المسافة بين الميلاد ورأس السنة تقاس بالمسطرة.
بلادنا تحيا نموذجاً خاصاً لا شبيه له في العالم.
إبداع فردي منتشر في الأمة والعالم، مجتمع مهزوز هزيل يقوم على مصالحة بين المتناقضات دون أن يسعى لوحدة الحياة ودولة لا تحمل فكر المؤسسات تقوم على صيانة التناقض وتعاني من أمراض مزمنة غير قابلة للشفاء وتحتاج إلى غرفة عناية فائقة وجرّاح فوق العادة.
إبداع فردي في الأدب ويكاد أدباء سوريا أن يكونوا من أشهر الأدباء في العالم فلهم في كل نوع أدبي مآثر كثيرة وكبيرة.
إبداع في الطب وتكاد تكون سورية مستشفى يقصده الناس من الجهات الأربع، وإن تعذر الحضور ففي كل بلاد طبيب فوق العادة يشكل مرجعية للأطباء والمشورة والحاضر دائماً في المهمات الصعبة.
إبداع في العلوم، فلا يخلو مركز دراسات علمية من وجود شخصية سورية نهلت من تاريخ العلوم في بلادنا وأعطت المركز أحدث العلوم وأهمها.
لنا في المراكب الفضائية عقول جعلت من الفضاء لعبتها، ولنا في علوم الذرة علماء أسسوا لهذا العلم، ولنا في إدارة الشركات العالمية العقول التي بنت هذه الشركات أو التي رممتها بعد أن أصابها المرض المزمن، وفي علوم العمارة لنا من المهندسين ما يكفي لنقول إننا من أصحاب رسم خرائط العمارة الحديثة.
إبداع في اللغة فنحن في سورية نجيد كل اللغات كتابة وقراءة وخطابة حتى أننا بدأنا نخوض غمار اللغات الصعبة كالصينية واليابانية لأننا من محبي التجارة ونعلم أن مستقبل الصناعات ومستقبل التجارة سيكون لهاتين اللغتين.
إبداع في تصميم الأزياء ـ إبداع في تصفيف الشعر، إبداع في التنحيف وربط المعدة والمكياج على أنواعه.
أينما حللت في مدينة من مدن العالم إن كانت راقية او منحطة فإنك ستسمع أخباراً عن مبدع سوري.
نحن ساهمنا في وضع شرعة حقوق الإنسان، نحن موجودون في كل برلمانات العالم وحكومات العالم، لذلك لم تجد الولايات المتحدة صعوبة من إرسال مبعوث لها إلى لينان من أصل سوري منذ فيليب حبيب إلى ميشال عيسى ,
كي لا نتهم بأننا من أحفاد سعيد عقل نكتفي ولا نقول إن لبنان يحكم العالم.
في سورية الوضع يختلف.
سورية تعاني في كل مرافق الحياة ولا حاجة لتعدادها تبدأ بعجقة السير وتنتهي بعجقة الاختلاسات المالية وغير المالية وتمر برجال السياسة أحفاد عرقوب وما سجله تاريخ البلاد من أسماء النصابين.
في سورية لا نختلف فقط على الوطن والأمة والثروات الطبيعية وعلى الأعداء والأصدقاء نختلف أيضاً على طرائق الكذب والنفاق فلكل واحد نكهته الخاصة فواحد يتعهّد طرقات ولا يشقها وواحد يشقها ولا يُعبدها.
في بلادنا تحاصر الدولة المبدعين والعظماء ولا يعترف بهم المجتمع ويرحلون على غفلة من تعاظم القهر.
أشهر صفات السياسيين في لبنان الكذب والنفاق وسرقة الأموال وتقبيل أيادي المرجعيات وكل من له يد طويلة في أجهزة الدولة.
لا حاجة لذكر الأسماء فالأسماء كثيرة ومتداولة في كل أمم العالم.
بناء لهذا القليل الذي ورد نقول إن المسافة بين الميلاد ورأس السنة تُقاس بالمسطرة ونخجل أن نقول بالكيلومترات.
















