عزة الحاج حسن
قطع مشروع قانون الانتظام المالي واسترداد الودائع أو ما بات يُعرف بقانون الفجوة المالية، شوطاً في مساره التشريعي وإن كان ذلك لا يعني أنه المشروع المتكامل المثالي لتنفيذ عملية استرداد الودائع وحل الأزمة المالية، غير أنه لا شك سيمثل المدماك الأساس لبناء حل مالي شامل، اللهم إلا إذا دخل القانون، وفق ما هو متوقع، في بازار المزايدات السياسية خلال العام الانتخابي المقبل.
ولعل الرفض الذي جوبه به مشروع القانون أتى بمجمله من خصوم بالسياسة، غير مبني على ملاحظات بنّاءة لاسيما لدى أولئك الذين أعربوا عن رفضهم لمشروع القانون جملة وتفصيلاً من دون توضيح وتفنيد الإشكالات والإلتباسات التي تضمّنها المشروع. ومنهم من صوّت في جلسة مجلس الوزراء الأخيرة ضد مشروع القانون وخرج من الجلسة ليبرّر أسباب الرفض بأنها تتضمن بنوداً جرى تعديلها في الجلسة المذكورة، ما يبيّن أن خلفيات الرفض كانت مُعدّة سابقاً قبل دخول بعض الوزراء الجلسة.
أما تمرير مشروع القانون في محطته التشريعية الأولى والتصويت تأييداً له، فلا يعني بالطبع أنه متماسك من كافة جوانبه لاسيما من حيث تصنيف الودائع وتوزيع المسؤوليات وغير ذلك من الأمور، التي قد تخضع للتعديلات في مراحله المقبلة. فلطالما دخلت مشاريع القوانين إلى مجلس النواب وخضعت للتشريح قبل أن تخرج منه، إن خرجت أصلاً. من هنا يحاول البعض تصويب الأمور لجهة تحديد ماهية التعديلات التي يُفترض أن تطرأ على مشروع القانون لتحسين مخارجه ومفاعيله على الأطراف المعنيين.
تعديلات مرجوّة
وعلى الرغم من تعديل مشروع القانون في الجلسة الأخيرة لجهة استكمال مسار التدقيق الجنائي في ميزانيّات مصرف لبنان، وفرض تدقيق محاسبي في ميزانيّات المصارف التجاريّة بالإضافة إلى التشدد بمسألة المس بالذهب والتأكيد على حمايته بموجب القانون رقم 1986/42، غير أن مخاوف كثيرة لا تزال تحيط بالمشروع.
يصف البعض مشروع قانون الفجوة المالية بالجريء ولو “منقوصاً” بحسب رئيس لجنة الدفاع عن حقوق المودعين في نقابة المحامين في بيروت المحامي كريم ضاهر الذي اعتبر أن ثمة أموراً لا بد من تعديلها أولها معالجة الإبهام وعدم الوضوح لجهة السحوبات. فمشروع القانون تطرق إلى التحويلات لكنه لم يلحظ السحوبات خصوصاً أنها جرت بمبالغ هائلة، كما لم يتطرق إلى طبيعة المبالغ المُسترجعة من الخارج وهل ستعتبر فريش دولار أم لولار. فهذا الأمر سيغير كثيراً قابلية الأشخاص الذين عليهم إعادة أموالهم من الخارج وفي هذه الحالة قطعاً سيختار أصحاب الأموال الإبقاء على أموالهم في الخارج والخضوع لرسم الـ30 في المئة منها بدلاً من إعادتها.
ويستغرب ضاهر سبب تحديد تاريخ شهر نيسان 2019 لاسترداد التحويلات المصرفية التي تجاوزت 100 ألف دولار، باعتباره تاريخاً لا يمت بأي منطق، ويرى أنه على الأقل يجب اعتماد فترة ريبة مدرجة في القوانين السابقة محدّدة بـ18 شهراً وهو ما يعيدنا إلى تاريخ الهندسات المالية.
من جهتها القانونية المتخصصة بالشأن المصرفي سابين الكيك ترى أن مشروع القانون يستلزم تغييرات بنيوية تبدأ من صياغته القانونية، وتقول إنه على الحكومة تحديد الهدف المطلوب من القانون ودرس نتائجه التشريعية والاقتصادية والمالية. والأهم مطابقته مع القانون الذي عملت عليه الحكومة نفسها لهيكلة المصارف، فالقانونان مرتبطان مع بعضهما ويجب أن يكون بينهما تكاملاً وهو ما ليس متوافراً. بمعنى آخر ثمة مشكلة بنيوية في الرؤية والأهداف والتكامل التشريعي مع القانون السابق بحسب الكيك.
من يتحمّل مسؤولية السداد؟
ويسأل ضاهر: كيف سيتم تأمين السيولة لما هو مستحق؟ وفي حال توقف مصرف لبنان عن السداد لاحقاً من سيتحمّل المسؤولية. يتخوّف ضاهر من تحميل الخزينة العامة عبء السداد. ويقول إن المادة الثالثة من مشروع القانون المتعلّقة بنطاق تطبيقه تتحدث للمرة الأولى عن تحمّل الخزينة اللبنانية المسؤولية، بحيث تصبح الدولة مسؤولة بالتضامن والتكافل مع مصرف لبنان والمصارف.
وبالتالي، إذا تخلّف أي من هذين الطرفين عن تسديد ما هو مترتب عليه، تصبح الدولة اللبنانية حكماً مسؤولة عن تسديد التزامات المصارف. وهذا أمر وارد جداً، لا بل مرجّح.
ويُضاف إلى ذلك بند آخر لا بد من تعديله يتعلّق بضمان السندات بالأصول، حيث لا يقتصر الأمر على الإيرادات العادية للأصول، بل يشمل أيضاً إيرادات تصفية الأصول. أي أنه قانوناً، يمكن لاحقاً اللجوء إلى تصفية الأصول لتأمين هذه الإيرادات، وهو أمر واضح لا لبس فيه، بحسب ضاهر.
وإن كان مجلس الوزراء عدّل المشروع لجهة حماية احتياطات الذهب إلا أن باقي الأصول ومنها أراض شاسعة مملوكة من مصرف لبنان ستكون عرضّة لخطر التفريط بها.
ويتخوّف ضاهر من المتاجرة لاحقاً بالسندات وهو أمر وارد جداً، والاستحواذ عليها من قبل كبار المتمولين الذين يراهنون على المدى الطويل، ويعتبرون أن ملكيتهم الحقيقية ليست الوديعة ولا السند، بل الأصول الكامنة خلفهما، أي أصول مصرف لبنان.
المحاسبة أولاً
التعديلات التي أدخلتها الحكومة الأمس والمرتبطة بجانب المحاسبة والمساءلة يبدو أنها لن تكون كافية. وبحسب ضاهر، فقد تجاهل المشروع الطرف الأساسي المسؤول عن الأزمة: أي الفئة المتمكّنة التي حكمت واستفادت من هذا النظام على مدى ثلاثين عاماً، ونهبت البلد وأوصلته إلى هذا الانهيار. من دون أن يستبعد إمكانية فتح باب المحاسبة على مصراعيه باعتبار أنه لا يجوز إصدار قانون يعطي مفاتيح من دون خطة عملية ومنهجية واضحة ومؤطرة زمنياً.
وبرأي ضاهر يمكن إضافة فقرة ثالثة إلى المادة السادسة المتعلقة بالمبالغ غير المنتظمة، تنص على أن تطبيق هذا القانون يجب أن يسير بالتوازي مع إجراءات المحاسبة. فالأموال التي يمكن استردادها من خلال المحاسبة ستؤدي إلى زيادة حجم الدفعات للمودعين وتسريع وتيرتها. باختصار إن النقطة الأساسية الغائبة عن مشروع القانون والتي هي جوهر الأزمة يمكن معالجتها من خلال خلق إطار عملي لمحاسبة المسؤولين عنها.
وفي إطار المحاسبة أيضاً ترى الكيك أن وضع خطة قبل إجراء التدقيق يعني عملياً تغييب المحاسبة والمساءلة. وتقول هل يُعقل أن تُبنى خطة من دون تقييم فعلي لوضع المصارف؟ وكيف يمكن مثلاً إلزام مصرف بالدفع إذا كان وضعه المالي غير معروف، أو إن كان قادراً على تسديد الالتزامات التي فُرضت عليه بموجب القانون؟
وتنتقد الكيك مصطلح “الأصول غير المنتظمة” وتسأل كيف يمكن للقانون أن يضع في فئة الأصول غير المنتظمة الأموال الناتجة عن تبييض أموال والأموال التي حوّلها مصرفيون إلى الخارج، إلى جانب أموال مواطنين عاديين حوّلوا حساباتهم من الليرة إلى الدولار، أو قبضوا شيكاً نتيجة بيع شقة مثلاً. وهل يُعقل جمع كل هؤلاء في الفئة نفسها وتسميتهم “غير منتظمين”؟ وعلى أي معيار قانوني يُبنى هذا التصنيف؟
والأخطر أن هذا القانون يتعارض مع قانون إعادة هيكلة المصارف، كما يتعارض مع القوانين المرعية الإجراء، ما يجعله عرضة للطعن وغير قابل للتنفيذ العملي. وإذا أردنا الدخول في التعديلات المطلوبة، فإن هذا القانون يحتاج بحسب الكيك إلى إعادة النظر من أساسه.
المدن


















