يحيى دايخ*
وفي قراءة دستورية وقانونية حول شرعية تسمية رئيس الحكومة اللبنانية التي كثر الحديث عنها، وتأثير التدخلات الخارجية على العملية الدستورية.
تتناول هذه الورقة القانونية إشكالية تسمية نواف سلام رئيساً للحكومة دستوريًا وسياسيًا محوريًا من خلال التساؤل الدستوري التالي:
هل انتخاب نواف سلام يعد شرعيًا لرئاسة الحكومة اللبنانية؟
وما هو تأثير أي تدخل خارجي، حتى لو كان احتياليًا (كقضية “أبو عمر” المنتحل صفة أمير سعودي)، على هذا التكليف؟
تُستند هذه الورقة إلى الدستور اللبناني، المبادئ الأساسية للسيادة الوطنية، وأُطر التحليل السياسي المتوافق عليها في الدراسات الدستورية.
أولاً: القواعد الدستورية الناظمة لتسمية رئيس الحكومة
وفق المادة 53 (فقرة 2) من الدستور اللبناني:
“يسمي رئيس الجمهورية رئيس الحكومة المكلف بالتشاور مع رئيس مجلس النواب استناداً إلى استشارات نيابية ملزمة، يطلعه رسمياً على نتائجها”.
والاستشارات النيابية الملزمة تعني أن كل نائب يُبدي رأيه باسم من يرشح لرئاسة الحكومة، وهذه الإرادة يجب أن تكون “حرة، مستقلة، وغير مشوبة بأي تأثير خارجي”.
بالتالي الدستور لا ينص على كيفية مراقبة دوافع أو صدقية إرادة النواب، لكنه يُفترض فيها الحرية والاستقلال.
فتوافر عناصر الشرعية الدستورية:
من تسمية رئيس الجمهورية لرئيس الحكومة، بعد استشارات نيابية ملزمة، ترسخ اختيار الشخصية التي حازت أكبر عدد من تأييد النواب.
بالتالي الأساس الدستوري لتسمية رئيس الحكومة اللبنانية صحيح من الناحية الدستورية والقانونية.
هذه الآلية تُشكّل ضمانة دستورية تحدّ من أي تدخل خارجي أو تأثير غير قانوني.
وأي ادعاء بخلاف ذلك يجب أن يُثبّت قانونيًا، وليس مجرد رواية إعلامية أو اتصال احتيالي.
أما فيما يتعلّق بجوهر السيادة الدستورية اللبنانية، وآليات حماية العملية الدستورية من التدخلات الخارجية.
يتبين من خلال مطالعة قانونية دقيقة تتناول إمكانية الطعن بسلوك النواب في تسمية رئيس الحكومة، والنصوص الدستورية ذات الصلة، وإمكانية إعادة إجراءات التسمية، يتولد سؤال:
ماذا عن قانونية الطعن أمام المجلس الدستوري، ما هو ممكن وما هو غير ممكن؟
ثانياً: صلاحيات المجلس الدستوري:
المجلس الدستوري في لبنان يختص بـ:
– الطعن في دستورية القوانين (المادة 19 من الدستور).
– البت في الطعون الانتخابية (نتائج انتخابات مجلس النواب).
– تفسير الدستور (بناء على طلب رسمي).
لكن المجلس الدستوري لا يملك صلاحية الطعن بنتائج الاستشارات النيابية لتكليف رئيس الحكومة، لأنها ليست قانونًا ولا انتخابات.
بالتالي، لا يمكن مباشرةً الطعن في تسمية رئيس الحكومة من خلال المجلس الدستوري، حتى لو ثبت أن بعض النواب خضعوا لتوجيهات خارجية.
ثالثًا: المسؤولية السياسية والقانونية لسلوك النواب
النائب في لبنان يمارس دورًا تمثيليًا حرًا، وفقًا للمادة 27 من الدستور:
“النائب يمثّل الأمة جمعاء ولا تُقيَّد وكالته بقيد أو شرط من قبل منتخبيه”.
لذلك، حتى لو ثبت أن نائبًا ما تأثر بتوجيه خارجي (سواء صحيح أو مزيف)، لا يُعتبر ذلك باطلاً دستوريًا، طالما لم تُثبت “رشى مادية أو ضغوط غير قانونية”.
رابعًا: حالات يُمكن فيها إعادة النظر في التسمية
من الناحية النظرية والسياسية (وليس القضائية):
إذا ثبت بالأدلة القانونية أن مجموعة من النواب غُرّر بهم أو وقعوا ضحية احتيال أثر على إرادتهم، وإذا تقدّمت “كتلة نيابية أو مجموعة نواب” باعتراض موثّق وطلب رسمي إلى رئيس الجمهورية،
فيمكن للرئيس عند إذن “تقدير الموقف السياسي والدستوري” والدعوة إلى إعادة الاستشارات، “لكنه غير ملزم بذلك”.
هذا إجراء سياسي-أخلاقي أكثر منه قانوني، ويُعد استثناءً وليس أصلاً.
بالتالي، النواب الذين ادّعوا أن “السعودية طلبت منهم تسمية نواف سلام” قد يكونون ضللوا العملية السياسية.
وهذا يُعرّضهم لمساءلة سياسية وشعبية، لكن لا يشكّل مادة قانونية لإبطال التسمية دستوريًا.
خامساً: توصيات قانونية-سياسية
بناءً على ما تقدم من المكن أن يوصى ب:
1. تحقيق نيابي داخلي أو إعلامي برلماني يمكنه جمع الأدلة حول الاتصال المزعوم، ومن استجاب له، ولماذا.
2. تشكيل لجنة تحقيق برلمانية (وفق النظام الداخلي لمجلس النواب) لتقصي ملابسات التأثير على الاستشارات.
3. الضغط باتجاه تعديل دستوري مستقبلي أو قانوني يضع ضوابط أو آليات رقابية على شفافية الاستشارات.
4. تعزيز المساءلة الشعبية والسياسية للنواب الذين يتأثرون بعوامل غير وطنية.
الخلاصة والإستنتاج القانوني والسياسي
إن تسمية نواف سلام دستورياً قائمة على استشارات ملزمة، ولا يمكن إبطالها قانونياً بسبب اتصالات خارجية مزيفة إلا إذا ثبت وقوع “جريمة موصوفة” (تزوير، رشوة، ضغط).
والمجلس الدستوري غير مختص بهذا الطعن.
بالتالي، المسؤولية هي “سياسية وأخلاقية بالدرجة الأولى”، ولا بد من مقاربتها من هذا الباب، مع دفع باتجاه تنظيم دستوري أفضل للعملية.
لذا، إن الشرعية الدستورية لتسمية نواف سلام واضحة وثابتة وفق الاستشارات الملزمة للمادة 53 من الدستور.
وإن ثُبت أي تدخل خارجي، حتى إن كان احتياليًا، لا يُلغِي شرعية الاستشارات إذا لم يُثبَت أنه تغيّر إرادة النواب عن قناعاتهم الحرة.
أما، إذا وُجد دليل ملموس على ضغط أو تأثير غير قانوني على النواب، فإن ذلك يُشكّل قضية قانونية منفصلة يُمكن الطعن فيها، وليس سببًا تلقائيًا لإبطال التكليف.
بالتالي ومن منظور سياسي، التدخلات الخارجيّة تكشف هشاشة الساحة السياسية اللبنانية (كما أُنتخب بشير الجميل رئيساً على ظهر دبابة صهيونية)، لكنها “لا تمنح أي جهة الحق في فرض أسماء دستوريًا” إلا عبر الإرادة النيابية.
*كاتب ومحلل سياسي
















