يشكو رواد الأعمال الشباب في تونس من قيود مصرفية مشدّدة على تحويلاتهم بالعملة الأجنبية، رغم أنها ناتجة عن أنشطة تصديرية وخدمات رقمية مشروعة. وتأتي هذه القيود في ظلّ سعي السلطات إلى التحكم في التدفقات المالية ومراقبة مصادر التمويل الخارجي للأفراد والجمعيات، للحدّ من المخاطر المرتبطة بغسل الأموال وتمويل الإرهاب.
وأعلنت الجمعية المهنية للمؤسّسات الصغرى والمتوسطة أنها تلقت شكاوى من باعثين شبان وأصحاب مبادرات حرة، تتعلق بحجز مداخيلهم بالعملة الصعبة الناتجة عن أنشطتهم في القطاع الخدمي.
وأكدت الجمعية في بيان أنها تتفهّم حرص البنك المركزي التونسي على حماية التوازنات المالية والنقدية، لكنّها دعت في المقابل إلى تدخل عاجل لتيسير إجراءات قبول التحويلات بالعملة الصعبة، وتمكين الشباب من استلام مستحقاتهم دون عراقيل بيروقراطية تضعف الثقة وتعرقل النشاط الاقتصادي.
وطالبت الجمعية بمراجعة شاملة لمجلة الصرف الحالية وتحديثها بما يتلاءم مع التحولات الاقتصادية والرقمية، لتمكين كل من يُصدّر خدمات أو سلعاً من إدخال العملة الصعبة بسهولة وشفافية. وقال رئيس الجمعية الوطنية للمؤسّسات الصغرى والمتوسطة عبد الرزاق حواص إنّ آفاق التشغيل أمام الشباب ورواد الأعمال المستقلين تضيق بفعل استمرار العمل بقوانين مالية قديمة تعود إلى عام 1976، مضيفاً أن الاقتصاد التونسي بحاجة إلى قانون صرف جديد يمنح مزيداً من المرونة والحرية المالية. وأشار حواص في حديثه لـ”العربي الجديد” إلى أن سوق العمل العالمي يتجه نحو المهن الرقمية والذكاء الاصطناعي والعمل الحر (الفريلانس)، وهي أنشطة تعتمد أساساً على مرونة تحويل الأموال ضمن منظومة مالية آمنة وواضحة.
وأكد أنّ تأخر إصدار قانون الصرف الجديد واستمرار التضييق المفرط على التدفقات المالية يحد من فرص الشباب في الاندماج بالاقتصاد العالمي، ويحرم البلاد من مداخيل مهمة من العملة الصعبة، وأضاف أن هذا النموذج الجديد من التشغيل يمثل فرصة استراتيجية لخلق الثروة واستيعاب الكفاءات الشابة، لكنّه يحتاج إلى انفتاح مصرفي وتشريعي أكبر.
وحذر حواص من أن تأخر الإصلاح المالي يهدر فرصاً حقيقية للاقتصاد الوطني لتعزيز إيرادات البلاد من النقد الأجنبي، ويضعف قدرتها التنافسية في الأسواق الإقليمية والدولية.
وأكد رئيس الجمعية أن تبسيط الإجراءات ورقمنة المعاملات وإلغاء البيروقراطية المفرطة هي مفاتيح أساسية لزيادة موارد تونس من العملة الصعبة وتحفيز النمو.
وفي السياق ذاته، أصدر البنك المركزي التونسي مؤخراً تعليمات إلى البنوك والمؤسّسات المالية دعاها فيها إلى تشديد اليقظة في التعاملات المالية عقب صدور نتائج تحديث التقييم الوطني لمخاطر غسل الأموال وتمويل الإرهاب للفترة 2022 – 2024، مؤكداً ضرورة التطبيق الصارم لمعايير العناية الواجبة في جميع العمليات البنكية.
ويعد تحرير التحويلات المالية بين تونس والخارج من أبرز المطالب التي يرفعها صغار المستثمرين الذين يعانون من قيود صارمة على حركة رؤوس الأموال، ما أدى إلى إبطاء الانفتاح المالي وعرقلة توسّع المؤسسات الناشئة في الأسواق العالمية.
ووفقاً للقانون المعمول به، لا يحقّ للتونسيين فتح حسابات بالعملة الصعبة أو الحصول على بطاقات ائتمان دولية، كما لا يمكن للبنوك المحلية إصدار بطاقات ائتمان لفائدة المغتربين. وأوضح حواص أن صغار المستثمرين يطالبون بتحرير المبادرة الاقتصادية على نحوٍ شامل لتوسيع أنشطتهم دون قيود مالية خانقة، مشيراً إلى أن السلطات قادرة على ضمان الرقابة الصارمة على حركة الأموال دون الإضرار بالمبادرات الحرة.
وأضاف أن الأجيال الجديدة من المستثمرين تحتاج إلى قوانين مالية متطوّرة تسمح بزيادة مساهمتهم في النمو وجلب النقد الأجنبي، مشدداً على أن استمرار العمل بقانون الصرف القديم يدفع نحو الاقتصاد الموازي ويغذي أنشطة التبييض. وقال إنّ بناء مناخ ثقة جديد بين الدولة والمؤسسات كفيل بزيادة احتياطيات البلاد من العملة الصعبة وتحسين الميزان التجاري، ما يساهم في الحد من انزلاق الدينار التونسي.
وكانت تونس قد واجهت في سنوات سابقة اتهامات دولية بتبييض الأموال، ما أدى إلى إدراجها ضمن القائمة السوداء لمجموعة العمل المالي الدولية (FATF)، قبل أن تغادرها رسمياً في أكتوبر/تشرين الأول 2019 بعد تنفيذ حزمة من الإصلاحات والتعديلات التشريعية، كما أدرج الاتحاد الأوروبي تونس عام 2017 ضمن قائمة الملاذات الضريبية، قبل نقلها إلى القائمة الرمادية مطلع 2018 بعد تعهدها بإجراءات رقابية وإصلاحية إضافية.














