في تطور لافت يعكس تحسناً تدريجياً في المؤشرات الاقتصادية، سددت تونس التزاماتها الخارجية المستحقة لعام 2025 بشكل مبكر، في خطوة غير مسبوقة منذ سنوات الأزمة المالية التي أنهكت البلاد.
ويأتي هذا التحرك مدعوما بانتعاش قطاع السياحة، وارتفاع تحويلات التونسيين في الخارج، إلى جانب زيادة صادرات زيت الزيتون، ما أتاح للحكومة مساحة مالية أوسع وأعاد الثقة تدريجياً في قدرتها على إدارة الدين العام.
وتشير مؤشرات الأداء الاقتصادي الأخيرة إلى تحسن ملموس في الوضع المالي، إذ انخفض التضخم إلى 5% في سبتمبر، وهو أدنى مستوى منذ عام 2021، فيما توقع البنك المركزي أن يسجّل الاقتصاد نمواً بنسبة 3.2% خلال العام الجاري.
إنجاز مالي
وفي الثامن من أكتوبر الجاري، أعلنت وزارة المالية التونسية سداد كامل أقساط ديونها الخارجية لعام 2025 قبل نهاية السنة بثلاثة أشهر، إذ تمكّنت حتى نهاية سبتمبر من سداد 125% من التزاماتها الخارجية، متجاوزة بذلك المبلغ المحدد في قانون المالية والمقدر بـ8.4 مليار دينار (نحو 2.9 مليار دولار).
وبحسب مشروع ميزانية الدولة لسنة 2025، كانت تونس مطالبة بسداد 18.1 مليار دينار من أصل الدين العام، منها 8.4 مليار دينار تمثل ديوناً خارجية، و9.7 مليار دينار تخص الديون الداخلية.
ووفق البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية، فإن نسبة الدين الخارجي انخفضت من إجمالي الدين العام من 70% في 2019 إلى 50% في 2025.
كما يتوقع البنك انخفاض نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى 80.5% بنهاية العام الحالي، في مؤشر على تحسن التوازنات المالية العامة.
إعادة هيكلة الديون
ويؤكد خبراء اقتصاد تحدثوا مع «إرم بزنس» أن هذا الإنجاز يأتي في سياق جهود الدولة لإعادة هيكلة الديون، وبسبب إيرادات السياحة وتحويلات التونسيين في الخارج التي وفرت موارد مالية ساعدت الدولة على سداد الديون مبكراً.
ويقول الخبير الاقتصادي حاتم فتح الله في تصريح لـ«إرم بزنس» إن ذلك الإنجاز يحسب للدولة التونسية التي دأبت على الالتزام بسداد ديونها بانتظام، ويعكس التسديد المبكر للديون تحسناً في التدفقات النقدية، بالاعتماد على موسم السياحة وتحويلات المغتربين ومداخيل زيت الزيتون.
ويرى فتح الله أن هذا التسديد ليس مجرد رمز للاستقلال المالي فحسب، بل دليل على تحسن التدفقات النقدية، وهو ما يعزز مصداقية تونس أمام المستثمرين الدوليين.
محركا النمو
وتظهر المؤشرات النقدية والمالية للبنك المركزي التونسي أن عائدات السياحة وتحويلات التونسيين في الخارج غطت نحو 121% من خدمة الدين الخارجي.
وسجلت تحويلات التونسيين بالخارج زيادة بنسبة 8% في الأشهر التسعة الأولى من العام 2025، مقارنة بالفترة ذاتها من عام 2024 لتبلغ نحو 6.4 مليار دينار.
في المقابل، ارتفعت عائدات السياحة بنسبة 8.2% لتبلغ 6.2 مليار دينار بنهاية سبتمبر الماضي، ليبلغ بذلك إجمالي تحويلات التونسيين بالخارج وعائدات السياحة في الأشهر التسعة الاولى من العام الحالي 12.6 مليار دينار تقريباً.
وشهد قطاع السياحة في تونس انتعاشاً قوياً في 2025، فقد بلغ عدد الوافدين الدوليين 4.3 مليون في النصف الأول من العام 2025، بزيادة 11% مقارنة بالفترة نفسها من 2024.
من جانبه، يقول المحلل المالي معز حديدان في حديث مع «إرم بزنس» إن انتعاش السياحة في 2025 يمثل دعماً حاسماً للاقتصاد التونسي، لكن الاعتماد عليه يجعل البلاد عرضة للتقلبات الخارجية، لذلك يجب توجيه العائدات نحو الاستثمارات الإنتاجية.
توقعات بارتفاع العائدات
ويرجح حديدان بأن تتجاوز عائدات السياحة السنوية 8 مليارات دينار، رغم تحديات مثل المنافسة الإقليمية، وهو ما يسهم في خفض التضخم من خلال زيادة المعروض النقدي المستقر، ما يجعل التسديد المبكر للديون خطوة مدعومة بأساس اقتصادي حقيقي.
ويؤكد أستاذ الاقتصاد التونسي رضا الشكندالي في حديثه مع «إرم بزنس» أن تحويلات المغتربين في 2025 تمثل شريان حياة للاقتصاد، لكن يجب سن سياسات لتحويلها من استهلاك إلى استثمار لضمان الاستدامة.
وبلغ حجم الاستثمارات في مختلف القطاعات التونسية 3.9 مليار دينار تونسي (1.9 مليار دولار)، في الفترة ما بين يناير ويوليو الماضي، مسجّلا زيادة بنسبة 12.1% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، وفق بيانات الهيئة التونسية للاستثمار.
تحديات وفرص
وشهدت علاقة تونس مع «صندوق النقد الدولي» توتراً في 2025، حيث قطعت الدولة التواصل الرسمي في فبراير، رفضاً لشروط الإصلاحات الهيكلية مثل خفض الدعم وإعادة هيكلة القطاع العام.
ويرى حديدان أن رفض شروط صندوق النقد الدولي يحافظ على السيادة، لكن دون اتفاق، قد يعيق الوصول إلى تمويل دولي، داعياً إلى البحث عن بدائل مثل الشراكات الإقليمية.
وأشار إلى أن التسديد المبكر للديون، يمكن أن يعزز موقف تونس في المفاوضات مع المؤسسات الدولية، لا سيما وأنها خطوة تعكس قدرة الدولة على الوفاء بالالتزامات الخارجية.
مؤشرات إيجابية
وشهد الاقتصاد التونسي عدداً من المؤشرات الإيجابية مثل انخفاض التضخم إلى 5% في سبتمبر 2025، وهو أدنى مستوى منذ مايو 2021، بفضل تراجع أسعار الغذاء واستقرار العملة، وفقاً للمعهد الوطني للإحصاء.
أما إجمالي الدين العام، فيتوقع أن ينخفض إلى 80% من الناتج المحلي الإجمالي في 2025، مقابل 81.2% في 2024. كذلك تراجع العجز التجاري إلى 16.728 مليار دينار في سبتمبر 2025.
ومن المتوقع أن يصل الناتج المحلي الإجمالي الاسمي لتونس إلى نحو 54.10 مليار دولار بنهاية عام 2025. وعلى صعيد النمو، سجل الاقتصاد نمواً بنسبة 2.4% في النصف الأول من عام 2025، ووصلت نسبة النمو السنوي خلال الربع الثاني إلى 3.2%، وفقاً لتقديرات رسمية صادرة عن المعهد الوطني للإحصاء.
ورغم إيجابية هذه المؤشرات الاقتصادية والتي تبشر بتعاف تدريجي، لكنها تحتاج إلى إصلاحات هيكلية للاستدامة، ومنها ضرورة إعادة النظر في بنود الإنفاق في الميزانية وتوسيع قاعدة دافعي الضرائب، وفق أستاذ الاقتصاد رضا الشكندالي.
ارم بيزنس















