د.محمد سيد احمد*
ليست المرة الأولى التي نتحدث فيها عن حركات المقاومة، وأحقيتها في ممارسة كل أشكال وأساليب المقاومة سواء السلمية أو المسلحة للحصول على حقوقها المشروعة، وإذا كانت الأدبيات الاجتماعية والسياسية تعرف المقاومة بأنها “جميع الأعمال الاحتجاجية التي تقوم بها مجموعات من البشر ترى نفسها تحت وطأة وضع لا ترضى عنه، فالشعوب تقاوم من يحتل أراضيها، وتختلف أساليب المقاومة من العصيان المدني إلى استخدم العنف، والعنف المسلح وما بينهما من درجات”، إذاً المقاومة المسلحة التي تمارسها الآن مجموعات من البشر في فلسطين ولبنان والعراق واليمن ضد المحتل الصهيوني هي مقاومة مشروعة لعدو قام باغتصاب الأرض العربية الفلسطينية منذ ما يزيد عن قرن من الزمان، ومارس كل أشكال العنف والتطرف والإرهاب ضد أصحاب الأرض الحقيقيين، بل وصلت ممارساته العدوانية إلى ما نطلق عليه اليوم حرب الإبادة، فهل تقف هذه الجماهير العربية متفرجة.
فعلى الرغم من أن القانون الدولي قامت بصناعته الدول الاستعمارية الكبرى إلا أنها لم تنجح في نفي الفعل المقاوم حيث يقر ميثاق الأمم المتحدة لعام ١٩٤٥ في بنوده حق الشعوب في مقاومة أي عدوان على أراضيها حيث أن الاحتلال عمل مرفوض جملة وتفصيلاً، ولا يمكن تسويغه تحت أي حجة من الحجج، فالشعوب يحق لها مقاومة المحتل من أجل تقرير مصيرها، واتخاذ كافة التدابير الممكنة والملائمة لأجل ذلك، فالمقاومة ضد الاحتلال بأي شكل من أشكاله هي حق تقرير المصير عينه، فالمحتل والمعتدي يصادر مصير ومستقبل الشعب الذي يحتله، ومن ثم تأتي المقاومة إجراءً طبيعياً ومشروعاً بوصفه أحد التدابير المتخذة، لكي تقرر الشعوب مصيرها، وتنال حقوقها المساوية لحقوق غيرها، ولما كان الاحتلال بكل مظاهره قيداً يمسك بمعاصم الأمم التي تم احتلالها، كان معنى ذلك أن حرية تلك الأمم باتت مسلوبة، والحرية حق من الحقوق المكفولة، وكل حق مكفول يباح لصاحبه استرجاعه، بكافة الأساليب المتيسرة لديه، وهذا الحق في الاسترجاع هو المقاومة، ولا اسم آخر لها.
ووفقاً لذلك فإن المقاومة العربية الفلسطينية واللبنانية والعراقية واليمنية ضد العدو الصهيوني المحتل لأراضينا هي حق لا لبس فيه، وقد وصلت المقاومة اليوم وبعد مرور ما يزيد عن عام من عملية طوفان الأقصى إلى درجة عالية من التنظيم والقوة يجعلنا نأمل في زوال كيان الاحتلال، فعلى الرغم من عمليات التعتيم الإعلامي الجبارة التي يمارسها العدو الصهيوني لإخفاء خسائره، ومحاولات تعظيم إنجازه العدواني، إلا أن الحقيقة الواضحة كوضوح الشمس تقول، أن الإنجازات التي حققها العدو منذ بدء عدوانه على غزة قبل عام وعلى لبنان قبل أقل من شهر لا تتعدى إنجازات لعصابات تقوم بعمليات اغتيال، وليست إنجازات عسكرية لجيش يصف نفسه بأنه لا يقهر، وفي حقيقة الأمر أن هذا الجيش قامت المقاومة بهزيمته شر هزيمة، فعلى المستوى الميداني في غزة لم يتمكن جيش العدو الصهيوني من تحقيق الأهداف المعلنة لعمليته العسكرية والتي تمثلت في القضاء على حماس، وتهجير سكان غزة وتوطينهم على الأرض المصرية في سيناء، وفي لبنان لم ولن يتمكن من القضاء على حزب الله واحتلال الجنوب اللبناني وتهجير سكانه بشكل كامل إلى منطقة شمال نهر الليطاني لخلق حزام أمني فاصل يمكن على أثره إعادة المستوطنين الصهاينة إلى المستوطنات التي هربوا منها تحت ضربات المقاومة في شمال فلسطين المحتلة.
فالعدو يعتبر اغتيال قادة المقاومة وقتل المدنيين وهدم بيوتهم إنجازاً سيكسر المقاومة ولذلك عندما تم اغتيال سماحة السيد حسن نصر الله، أعتقد أنه قد ربح المعركة في لبنان وأن الأرض أصبحت ممهدة أمامه لتحقيق أهدافه العدوانية، لكن الحقيقة تقول أن جيش الاحتلال يتكبد يومياً خسائر هائلة على الجبهة اللبنانية، والمقاومة المتعلقة بروح سيدها توجه ضربات موجعة ومؤلمة لكيان الاحتلال، فالضربات التي طالت العمق الصهيوني ووصلت دقتها لقصف بيت بنيامين نتنياهو ذاته يعني أن المقاومة قادرة، وهذا ما يؤكد أيضاً أن المقاومة لازالت مستمرة في الوفاء بما وعد به سيدها، حيث أكد سماحة سيد الشهداء أنه في حال العدوان الصهيوني وفرض الحرب على المقاومة، فسوف نقاتل بلا ضوابط ولا قواعد ولا أسقف، والمقاومة اليوم تفعل ذلك ومع كل ضربة وكما يؤكد القادة الميدانيين، ينظر شباب المقاومة للسماء ويقولون راضي يا سيد، هذه هي روح المقاومة المشتعلة التي لا يمكن إطفاء جذوتها.
وما يظنه العدو إنجاز ينهي المعركة ويحسمها في لبنان باغتيال سماحة السيد الشهيد حسن نصر الله، يظنه أيضاً باغتيال القائد الشهيد يحيى السنوار في غزة، فبعد الإعلان عن مقتله خرج القادة الصهاينة ومن خلفهم المتحدث الرسمي باسم الأمين العام للأمم المتحدة مطالباً المقاومة بتسليم الأسرى الصهاينة فوراً دون شرط أو قيد، وبالطبع جاء الرد من قبل المقاومة الفلسطينية البطلة والشجاعة بأنها مستمرة في الوفاء بما وعد به السنوار بأن المقاومة لن تسلم الأسرى الصهاينة إلا بوقف العدوان على غزة وبشروط المقاومة، وليس كما يتوهم العدو الصهيوني، فالعدو لا يفهم سيكولوجية المقاومة حيث إن ارتقاء قادة المقاومة يزيدها قوة وشراسة وليس العكس، لذلك سوف يواصل رفاق الشهيد يحيى السنوار مشوار نضاله حتى تحقيق النصر وتحرير كامل التراب الفلسطيني المحتل، لقد أثبت ارتقاء السنوار كذب الادعاءات الصهيونية التي كانت تؤكد أنه يقود المعركة من بعيد ومن داخل الأنفاق بغرفة مكيفة، فقد ارتقى الرجل وهو حامل بندقيته ويواجه قوات العدو في الصفوف الأمامية، وهو ما يعني أنه كان مقبلاً وليس مدبراً، لذلك فلعنة السنوار سوف تلاحق الكيان الصهيوني حتى يتفكك وينهار، فالمقاومة مستمرة حتى تحقيق النصر، فالتاريخ يشهد بأن حركات المقاومة لا تهزم، وبأن كل احتلال إلى زوال، اللهم بلغت اللهم فاشهد.
*كاتب مصري