د. عصام نعمان*
“إسرائيل”، ومن ورائها الولايات المتحدة، شنّت حرباً وحشية على قطاع غزة وتبدو ماضيةً فيها. أميركا برّرت، بلسان وزير خارجيتها انطوني بلينكن، رفضَ كيان الاحتلال وقف الحرب بدعوى أنّ ذلك يتيح لحركة “حماس” إعادة تنظيم قواها ومهاجمة “إسرائيل” مرةً أخرى.
العالم، بشعوبه في قاراته الخمس وبمعظم دوله، خصوصاً تلك المتحررة من التبعية لأميركا، دعا بقوةٍ الى وقف الحرب. لعلّ التظاهرات المليونية الاحتجاجية على حرب “إسرائيل” الوحشية ضدّ المدنيين في قطاع غزة أضخم حدث شعبي في التاريخ المعاصر. ذلك كله لم يثنِ كيان الاحتلال الإسرائيلي العنصري عن حربه الوحشية التي أكد بنيامين نتنياهو إصراره على عدم وقفها قبل “سحق حماس وتحرير الرهائن”. ولأن جيش “إسرائيل” لم يتمكّن من الوصول الى قائدٍ واحد من “حماس” لاغتياله، ولا استطاع تحرير واحدٍ من أسراه فمعنى ذلك أنه مستمرّ في تقتيل الناس في القطاع رجالاً ونساءً وأطفالاً وشيوخاً ليلَ نهار.
كيف السبيل الى وقف هذه الحرب الجنونية؟
القمة العربية – الإسلامية التي ضمّت 57 دولةً طرحت على نفسها هذا السؤال في الرياض أواخرَ الأسبوع الماضي وخرجت بقرارات تدين العدوان الإسرائيلي، وتشجب تهجير شعب القطاع، وتدعو الى إيصال المستلزمات الطبية والغذاء والماء والوقود الى أهالي القطاع المنكوب، ولم تنسَ، شأن ما تعوّدت عليه الدول العربية الـ 22 دائماً، الدعوةَ الى اعتماد حلّ الدولتين.
كلّ هذه المناشدات والمطالب لم ولن يتحقق منها شيء. ذلك انّ قطاع غزة وأهله ما زالا يعانيان حرباً وحشية إسرائيلية تكاد تصبح نكبةً ثانية بحق الشعب الفلسطيني. ما العمل؟
المعنيون بالدرجة الأولى بنكبة غزة وأهلها هم العرب والمسلمون. هؤلاء ينقسمون الى فئتين: واحدة موالية أو في الأقلّ مراعية لسياسة الولايات المتحدة، وأخرى مناهضة لها بما هي أعتى أقطاب الهيمنة الدولية وأشرس حماة الكيانات العنصرية والأنظمة السياسية القمعية، وقد نظمت بعضٌ من هذه الدول المناهضة للاستعمار والتبعية والهيمنة محوراً للمقاومة يحتضن ويدعم تنظيماتها في المشرق العربي عامةً وفلسطين المحتلة خاصةً.
فئة الدول العربية والإسلامية الموالية أو المراعية للولايات المتحدة أعلنت مواقفها ومطالبها في قمة الرياض، وهي بمضمونها ومآلها بعيدة جداً بل غير هادفة عملياً الى وقف حرب “إسرائيل” الوحشية على الشعب الفلسطيني. هكذا لا يبقى من نصيرٍ فعلي لهذا الشعب إلاّ الدول المناهضة للهيمنة الأميركية وحلفائها من تنظيمات المقاومة الميدانية والمدنية في غرب آسيا، ولا سيما في الدول العربية المجاورة لفلسطين المحتلة. والسؤال هو كيف تستطيع الدول المناهضة لأميركا، ولا سيما أطراف محور المقاومة، إكراه الكيان الصهيوني على وقف حربه الوحشية بلا قيد ولا شرط؟
ثمة ثلاثة ميادين للعمل والإنجاز: سياسي، شعبي، وعسكري.
في الميدان السياسي، تمتلك دول عربية عدّة وسائل سياسية واقتصادية فاعلة. فالدول التي رفضت توقيع معاهدات صلحٍ او اتفاقات للتطبيع مع “إسرائيل” أو تلك التي فعلت تستطيع أن تلفت الولايات المتحدة ــ التي بدأت تستشعر تعاظم قوى الرفض الشعبية في شتى أنحاء العالم ــ الى مخاطر استمرارها في دعم العنصرية والعنهجية الصهيونية الأمر الذي يُحرج ويُضعف الكثير من الحكومات أمام شعوبها ويدفعها تالياً الى الضغط على الولايات المتحدة كي تقوم من جهتها بالضغط على “إسرائيل” لوقف الحرب، كما قد يبادر بعض هذه الدول الى سحب السفراء من “إسرائيل”. مع العلم أنّ حكومة الكيان المحتلّ لم ولن تُعر هذا الإجراء اهتماماً وستتابع حربها الوحشية على الشعب الفلسطيني بلا هوادة. الى ذلك فإنّ الدول المتصالحة والمطبّعة مع العدو قد تجد نفسها مضطرةً، تحت وطأة الضغوط الشعبية المتعاظمة، الى التفكير بإلغاء اتفاقات التطبيع وربما الخروج أيضاً من معاهدات الصلح مع العدو وذلك تفادياً لاضطرابات سياسية وأمنية تودي بسيطرتها على السلطة.
كما تمتلك دول عربية عدّة فوائض مالية ضخمة تقوم حاليّاً بتوظيفها في الولايات المتحدة ودول غرب أوروبا وحتى في “إسرائيل” ذاتها، وقد تُضطر إزاء تعاظم الضغوط الشعبية إلى سحبها أو إلى التوقف عن توظيف المزيد منها إذا لم تبادر واشنطن الى الضغط على تل أبيب لوقف حربها الوحشيّة على شعب فلسطين في كلّ أنحاء وطنه المحتلّ.
في الميدان الشعبي، يقتضي أن تبادر تنظيمات المقاومة والأحزاب الوطنية المناهضة لسياسات دول شمال أميركا وغرب أوروبا المعادية لحقوق الشعب الفلسطيني الى تطوير وسائل العمل الشعبي الذي بات حاليّاً مقتصراً على مناسبات احتفالية قوامها تظاهرات وشعارات وهتافات محدودة التأثير وذلك بابتداع صيغ وطرائق تعبوية أكثر فعالية كالحصار الشعبي السلمي لمنازل ومقار الحاكمين كما لسفراء الدول المناهضة لقوى المقاومة العربية ضدّ “إسرائيل”، ومقاطعتهم، وعدم التواصل معهم، ووضع قوائم بالسلع والبضائع المصنّعة في دول داعمة للكيان الصهيوني، ودعوة الشعب الى مقاطعتها.
في الميدان العسكري، يقتضي تطوير مشاركة أطراف محور المقاومة في المجهود القتالي ضدّ كيان الاحتلال وذلك بوضع خطة استراتيجية للتدخل الميداني التدريجي في سياق نصرة حركات المقاومة الميدانية الفلسطينية باعتماد معادلة “التناسب والضرورة” بحيث تتولى أطراف محور المقاومة، كلّ في حدود قدراته وظروفه المحلية، دعم حركات المقاومة الفلسطينية ميدانياً بعمليات مبرمجة وهادفة الى توزيع وتشتيت قوى العدو، وكذلك بتطوير تسليح تنظيمات المقاومة الميدانية وتزويدها بأسلحة متطورة وصواريخ قادرة من بُعد على تدمير بنى تحتية اقتصادية للعدو ذات فعالية وتأثير في اقتصاد الدولة ومعيشة السكان.
صحيح أنّ تجاوب الدول العربية المتحالفة مع الولايات المتحدة محدود بشأن اتخاذها مواقف وتدابير فعالة ضد “إسرائيل”، لكن الرهان على تعاظم الضغوط الشعبية في هذا المجال يبقى مجدياً ومربحاً في المدى القصير أو المتوسط. وفي كلّ حال، يبقى صحيحاً التقدير القائل بأن لا سبيل الى وقف حرب الإبادة والتجويع والتهجير الناشطة ضدّ الشعب الفلسطيني إلاّ باستخدام القوة بشكلٍ او بآخر لإكراه العدو على التراجع والانكفاء وصولاً الى وقف الحرب.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*نائب ووزير سابق.
issam.naaman@hotmail.com
(البناء)
لإعلاناتكم في منصة حرمون يرجى الاتصال واتس:
0096176920208
وللانضمام:
مجموعة حرمون للتعليم والإعلام والتدريب:
https://chat.whatsapp.com/HQi7bkJTOGGLYmdqUsKYOB
مجموعة منصة حرمون وندوة حرمون الثقافية:
https://chat.whatsapp.com/HFNrMOLD5TKDxmZTTjYZi3
مجموعة حرمون بالتلغرام:
راديو حرمون:
https://onlineradiobox.com/lb/haramoon/?cs=lb.haramoon&played=1