ينظم المركز الثقافي الروسي في دمشق، مساء الأربعاء الواقع فيه 22 تشرين الثاني الحالي، حفل عرض وتقديم كتاب “دمشق 1902″، للكاتب ستيبان كوندوروشكين، حيث ستتم مناقشة محتوى الكتاب من قبل الباحثين والمهتمين، بمشاركة رئيس المركز الدكتور نيقولاي سوخوف، والمترجم عماد الدين رائف (عبر تقنية الفيديو).
“دمشق 1902” كتاب صدر حديثًا عن “دار المصور العربي” في بيروت، يضم في فصله الأول ترجمة بحث اجتماعي عن دمشق مطلع القرن الماضي بقلم الكاتب الروسي ستيبان كوندوروشكين، الذي عمل مفتشاً تربوياً في مدارس “الجمعية الإمبراطورية الأرثوذكسية الفلسطينية” في دائرة سورية الجنوبية بين 1898 و1903. أما الفصل الثاني فمخصص للتعريف بحياة كوندوروشكين وأعماله، مع الإضاءة على المرحلة التي قضاها في لبنان وسورية وفلسطين من حياته، وهو بقلم الكاتب والمترجم اللبناني عماد الدين رائف.
كتاب “دمشق 1902” يتضمن نص كوندوروشكين الثالث المترجم إلى العربية بعد قصصه اللبنانية “حكايات كوندوروشكين” (2016) ومجموعة “قصص سورية – بلاد الشام قبل قرن بريشة روسية” (2019)، الذي ضمّ جميع قصصه الاجتماعية عن المشرق، التي نشرت بين عامي 1901 و1905 في سان بطرسبورغ.
عمل ستيبان كوندروشكين معلمًا ثم مسادًا للمفتش التربوي في دائرة سورية الجنوبية، وإلى جانب ذلك عمل قاصًا وكاتبًا صحافيًا وباحثًا اجتماعيًا. في العام 1899، أرسل كوندوروشكين إحدى قصصه الأولى بعنوان “قصة ربيعية” إلى إدارة تحرير مجلة “روسكويه بوغاتستفو”، فأتاه ردّ الناشر فلاديمير كورولينكو: “… لمَ لا تحاول أن تعرف القراء بخصائص الحياة المحيطة بك حيث أنت؟ اكتب بشكل أدبي جميل عن الحياة، مدوناً ملحوظاتك الناتجة عن المراقبة، إنها مدرسة رائعة في الكتابة”. فاتبع كوندوروشكين نصيحته، حيث نشرت المجلة له، على مدى خمس سنوات، مقالاته وقصصه التي شكلت مجموعة “من الترحال في سوريا”. وبعد عودة كوندوروشكين إلى الوطن في العام 1903، انخرط في العمل الكتابي الأدبي. وفي العام 1907 بدأ يتفاوض مع دار “زنانيه” لنشر مجموعته القصصية الأولى “قصص سورية”، وكان الكاتب الروسي الكبير ماكسيم غوركي محرّر الدار، فراجع المخطوط ووافق عليه.
وصف المستشرق الكبير أغاتانغل كريمسكي (1871-1842) أعمال ستيبان كوندروشكين التي نشرت في دوريات “روسكويه بوغاتستفو” (الغنى الروسي) و”مير بوجي” (عالم الرب) و”إستوريتشسكي فيتستنيك” (البشير التاريخي)، والتي كتبت في بلادنا بأنها “حيوية متنوعة لا تخلو من الفكاهة” وأعطى أمثلة على ذلك، موليًا عناية خاصة بقصص كوندوروشكين وانتشارها بين القراء الروس في سان بطرسبورغ، وأثرها في تقريب صورة سورية منهم. ولا يخفى أن سورية في نصوص كوندوروشكين وفق التقسيمات السياسيّة الحالية، هي أراضي الجمهوريتين العربية السورية واللبنانية، بشكل أساسي، وأراضي فلسطين المحتلة، والمملكة الأردنية الهاشمية بشكل ثانويّ. فهذه التقسيمات لم تكن موجودة يوم حلّ كوندوروشكين في بلادنا.
بحث “دمشق” هو أحد البحوث التي نشرها كوندوروشكين في دورية “إستوريتشسكي فيتستنيك” (العدد 92، سنة 1903)، ويتميّز بكونه وثيقة تاريخية ثانوية إذا ما ضمّ إلى الوثائق التاريخية الأخرى الصادرة عن شهود العيان على المدينة التاريخية، حيث أحاط بالجوانب السياسية والاجتماعية والاقتصادية والديموغرافية والثقافية والتربوية والصحية في عاصمة ولاية سورية العثمانية، وبوصفه الحي للمدينة وأهلها والوافدين إليها، وثقافتهم وصنائعهم وعاداتهم في الملبس والمأكل والمشرب، بالإضافة إلى وصفه أسواقها القديمة والحديثة وبضائعها، ومتنزهاتها وأماكن العمل والترفيه فيها.
كتب كوندوروشكين بحثه بأسلوب سينمائي حي يمكن القارئ من لمس حركة المدينة في تلك الحقبة. كما أضاف الكاتب إلى بحثه نحو عشرين صورة التقطها بنفسه. واللافت في بحوث كوندروشكين الاجتماعية التي كتبها عن بلادنا، بشكل عام، تحيّزه وتبنيه وجهة النظر الروسية في مواجهة السلطنة العثمانية والدول الأوروبية الطامعة الأخرى، وذوده عن المصالح القيصرية وهمّه الواضح في الإعلاء من شأنها، فوقع في زلات استشراقية استعلائية خطيرة، ما أظهره وكأنه ينظر إلى البلاد وناسها من منظار الاستشراق الغربي وإسقاطاته. لكن قصصه الاجتماعية، في المقابل، والتي شكلت مجموعة “من الترحال في سوريا” أتت شبه خالية من تلك الرواسب الاستشراقية الاستعمارية، كأنه عاد إلى بيئته الفلاحية وطبيعته، أو كما لو أنه يخاطب قارئًا آخر عبر النصوص الأدبية.
تجدر الإشارة إلى أن علاقة كوندوروشكين بمدينة دمشق لها بعد شخصي هام، ففيها تعرّف إلى زملائه الأساتذة العرب في “الجمعية الفلسطينية”، الذين تخرّجوا من دار المعلمين (السمنار) في الناصرة ومن الأكاديميات الروحية الروسية وانخرطوا في متابعة العمل في مدارس الجمعية، فكوّن صداقات معهم. وفي دمشق أحب مديرة إحدى مدارس الجمعية يليزافيتا ريبنر، فتزوجا سنة 1902، وولدت له في المدينة أولى ابنتيه أنّا سنة 1903 قبل مغادرتهما سورية إلى سان بطرسبورغ. وقد تضمن الكتاب في فصله الثاني ما مكّن الباحث رائف جمعه من المصادر الروسية في بناء سيرة كوندوروشكين وآثاره، وبذلك جُمعت بيوغرافيا وبيبلوغرافيا الكاتب بالعربية قبل جمعها بالروسيّة، ويأمل الباحث أن تكتمل هذه السيرة بعد الوقوف على ما تركه كوندوروشكين من مخطوطات أصلية، هي اليوم ضمن محفوظات “الأرشيف الروسي الحكومي للآداب والفنون” (رغالي)، دفاتر يوميات كوندوروشكين وملاحظاته عن الحقبة التي أمضاها في بلادنا، بالإضافة إلى مجموعة كبيرة من القصاصات والرسائل.
المؤلف
عماد الدين رائف: باحث مستقل. كاتب صحافي ومترجم، عضو “اتحاد الكتاب اللبنانيين” و”اتحاد الصحافة اللبنانية”، خبير في الترجمة معتمد من وزارة العدل اللبنانية، مترجم متخصّص في الترجمة الأدبية من اللغات السلافية. باحث مشارك في معهد الدراسات الشرقية التابع للأكاديمية الروسية للعلوم. صدر له في البحوث المتعلقة بالترجمة الأدبية: 3 كتب بالعربية ضمن سلسلة “أوراق أوراسية” (بيروت والقاهرة)، 3 كتب بالروسية مع آخرين (موسكو). ترجم من اللغات الروسية الحديثة (6 كتب) والأوكرانية الحديثة (6 كتب) والأوكرانية القديمة (11 كتابًا) والسلافية الكنسية (كتابين)، صدرت في القاهرة ودمشق وبيروت وموسكو وكييف. نشر عشرات أوراق العمل والبحوث والمقالات في الصحافة المتخصّصة والعامة.
لإعلاناتكم في منصة حرمون يرجى الاتصال واتس:
0096176920208
وللانضمام:
مجموعة حرمون للتعليم والإعلام والتدريب:
https://chat.whatsapp.com/HQi7bkJTOGGLYmdqUsKYOB
مجموعة منصة حرمون وندوة حرمون الثقافية:
https://chat.whatsapp.com/HFNrMOLD5TKDxmZTTjYZi3
مجموعة حرمون بالتلغرام:
راديو حرمون:
https://onlineradiobox.com/lb/haramoon/?cs=lb.haramoon&played=1