أرسلت صديقة هذه الوثيقة، ولافت مضمونها الدقيق من حوالي نصف قرن، موجهة لياسر عرفات في تشرين الأول 1974، فبدقة تحليلها استشرفت ورطة السلطة الفلسطينية وتداعياتها ومخاطرها وكيفية توظيفها ضد الحق بفلسطين وتحويلها قبضة بيد اليهود.. لذلك قررنا نشرها وتعميمها لتعم الفائدة بالاطلاع.
“رسالة إلى ياسر عرفات من عميد الإذاعة في الحزب السوري القومي الاجتماعي جورج عبد المسيح في 18 تشرين الأوّل 1974.
لن نقدّم لوائح إحصائيّات يراد بها إغراق أو إغراء المرسَلة إليه.
سيادة الأخ ياسر عرفات المحترم
ولن نأتي بسجلّ قرارات ومقرّرات وتوصيات ودراسات وآراء في تصريحات لم تصل بعد في تسلسلها إلى فصل الختام.
فنحن من الذين رفضوا من الإحصائيّات ما هو في حساب الأرقام والقياسات بالأواقي والأمتار لتنصبّ أبصارهم على المسيرة الحياتيّة للشعب، ولكي تستكشف بصائرهم الدوافع من الأهداف، ما هو صحيح يدعم كما هو وما هو في غير خطّ هدفنا الأسمى يشجب دون محاباة للوجوه أو المراكز في الداخل وفي الخارج.
ونحن الذين قلنا ونقول إنّه ليس لأيّة شخصيّة غير سوريّة ليس لبريطانيا، ليس لفرنسا، ليس للأمم المتّحدة حقّ في تقرير أيّ أمر يتعلّق بوطننا وشعبنا. نحن أصحاب الحقّ، نحن أصحاب القضيّة ولنا وحدنا كأمّة وعت، حقّ تقرير المصير.
ونحن الذين قلنا إنّ القوّة هي القول الفصل في إقرار الحقّ، والقوّة نفسيّة بمظهرها المادّي.
نحن الذين قلنا بأنّ المسألة الفلسطينيّة هي مسألة حقوقيّة من الطراز الأوّل، وأنّ كلّ مقرّرات سياسيّة عن أيّ جهة صدرت تتعارض أو تتناقض مع حقوقيّة هذه المسألة لا تقبلها الأمّة السوريّة وستقاتلها جيلًا بعد جيل إلى أن ينتصر الحقّ. والحقّ انتصار في معركة إنسانيّة مستمرّة.
كلّ المقرّرات السياسيّة من سايكس – بيكو إلى وعد بلفور واتّفاقيّات الصلح بعد الحرب العالميّة الأولى وصكوك الانتداب، وكلّ مقرّرات الأمم المتّحدة التي تألّفت من دول منتصرة في الحرب العالميّة الثانية والمتّحدة لضمان مصالحها ولتنفس مآرب ساستها – إلى قرار التقسيم ومعاهدات الهدنة 1948 – 1949 إلى القرار 242 وقرار 338 واتّفاقيّات فكّ الارتباط وفصل القوّات والعهود والوعود التي جاءت على يد يهودي هو كيسنجر، وما حصل بوساطة يهوديّ آخر هو تشاوشسكو، كلّ هذه وضعت لمصلحة اليهوديّة العالميّة، وكانت حاصل عمليّات يهوديّة معظمها عمليّات تجسّس وتمريغ الحكّام في ما يربطهم إلى رغبات اليهود وخططهم الإجراميّة. وكلّ هذه منافية للحقّ القوميّ في فلسطين وباقي الأمّة السوريّة التي مزّقها المستعمر إلى دويلات تسهيلًا لمهمّة اليهود في تنفيذ خطّتهم للاستيلاء على أرضنا وجرفنا منها. كلّ هذه ترفضها الأمّة السوريّة صاحبة الحقّ الوحيدة في تقرير مصير وطنها بكلّ شبر منه.
إنّ العودة إلى قرار التقسيم بقبول قيام دولة فلسطينيّة في جزء من الأرض بعد 1967 لا يقلّ خطرًا عن قبول الساسة العرب عمليًّا بإقامة دولة لليهود في بقعة من أرضنا اغتصبوها لتكون رأس جسر لهم ونقطة تمركز وانطلاق لتحقيق وهمهم المتحجّر بالاستيلاء على الأرض التي يحسبونها موعودة لهم من إله اسمه “يهوه”. وإنّنا نرفق خريطة حكماء إسرائيل المعدّة منذ أجيال “لوطن اليهود الموعود”.
حذّرنا كثيرًا من إقامة دولة أخرى تضاف إلى المزق – الكيانات – القائمة حاليًّا.
غير صحيح أنّ اليهود يكرهون إقامة دولة فلسطينيّة على بقعة من الأرض المحتلّة.
وليس صحيحًا حماس الحكّام العرب لإقامة دولة خاصّة بالفلسطينيّين وهم جزء من أمّة – زيادة في التمزيق والتشابك الفكريّ والعمليّ البارز في العالم العربيّ.
ولا يحلّ المشكلة تخلّصكم من دوّامة العروبيّة فتقرّرون أنتم بدلًا من أن يقرّر لكم من القمم العروبيّة. لأنّ قيام دولة لكم ستكون من نتائجه المباشرة:
- دفعكم كممثّلي دولة إلى قلب الدوامّة التي يدوخ فيها الحكّام العرب ويدوّخون شعوبهم.
- ستلزمون بميثاق جامعة الدول العربيّة – الجامعة التي لم تجمع شيئًا لأنّها لم تُجمع على شيء.
ج- ستلزمون بميثاق وقوانين الأمم المتّحدة كباقي دول العالم، باستثناء اليهود الذين لم ولن يلتزموا ولن تصدر قرارات تلزمهم.
د- ستجبرون على حماية الأرض المغتصبة وفق قرارات وميثاق الأمم المتّحدة فلا يحقّ لكم بعد أن تقاتلوا – اللهمّ إلّا أصبحتم قوّة تدكّ معاقل الأميركان في الأرض المغتصبة وتجبر الروس على منع إرسال عشرات ألوف الوافدين منها على أرضنا لتراكم القدرة البشريّة المدربّة فيها.
هــ- لن تحميكم الأمم المتّحدة كما أنّها لا تحمي لبنان من الإجرام اليهودي المتمادي، والمستور بأعذار هي أقبح من جرائمهم الدامية.
و- لن تلاقوا آذانًا صاغية في حال الشكوى من الغدر اليهوديّ. وتلاقون شجبًا متواصلًا على كلّ أكذوبة يحوكها اليهود ضدّكم، كدولة ذات التزامات.
والأخطر من كلّ هذا والذي خطّط اليهود له وهم يعلنون كاذبين، أنّهم ضدّ إقامة دولة لهم في فلسطين، الأخطر هو:
- المشاكل الفرعيّة التي ستلاقونها بعد أن تجبركم التجربة – إقامة دولة ذات سيادة – على بناء الدولة.
- تجريدكم من السلاح اللّازم للحماية الصحيحة – شأن لبنان حاليًّا – لأنّ هذا هو مخطّط الغرب المتهوّد للبنان ولكم منذ أن اتّجهتم في خطّ إقامة دولة خاصّة.
ج- تجميعكم – بعد إجباركم على وقف كلّ عمليّات المقاومة المسلّحة – وشربكم من قبل الطامعين بأيدٍ يهوديّة وسلاح دولة اليهود – ضربات إبادة جماعيّة.
د- إيقاف كلّ مساعدة لكم يرى فيها العدوّ الأوحد ومساندوه ما يشكّل خطرًا على “أمن” اليهود في “دولتهم”، في الأرض التي يعدّون أنفسهم للانطلاق منها حالما تسنح الفرص لتحقيق وهمهم “اليهوهيّ”.
ستجبرون يا سيادة الأخ المحترم على أن تقفوا الموقف نفسه الذي سمّر فيه الملك حسين. ستجبرون على ضرب كلّ من يحاول ضرب اليهود لكي لا تتحمّلوا وزر عمل تحريريّ شرعيّ ترفضه مواثيق الأمم المتّحدة. وإذا تغاضيتم تدفع ضدّ دولتكم حتّى الدول العربيّة التي ترتاح إلى قيام دولة لكم ليرتاح ساستها من تحمّل أعباء يتوهّمون أنّها حصلت بسبب “مواقفهم” من المسألة الفلسطينيّة، ومن تدعيم العمل الفدائيّ والمقاومة المسلّحة.
لن تعودوا إلى حكم الحسين.
لكنّكم ستصيرون في حكم مباشر للذين يحكمون الحسين ويتحكّمون به وبغيره من دول عالمنا العربيّ وساسة هذه الدول.
يا سيادة الأخ المحترم
لا نقول هذا إنذارًا منّا لموقف معاكس لكم. لا. إنّنا كعادتنا أمام الأمر المفعول نعمل للبناء النفسيّ لكي يقوى الشعب فيحطّم قيوده وينطلق إلى ما هو أفضل. والأفضل هو ما يتوافق مع طبيعة وجودنا أمّة واحدة على الوطن الواحد، لها وحدها حقّ التصرّف بكلّ شبر منه تحارب لتحريره وتُحرّم على كلّ طامع أن يقرّر أيّ شيء يتنافى مع هذه الحقيقة الطبيعيّة – أمّة واحدة على وطن هو ملك لها دون منازع.
وإنّنا إذ نحذّركم من النقاط التي سردناها ومن مخاطرها الداهمة، إنّما نلفت نظركم إلى المخاطر للعمل على تجنّبها في توجّه واعٍ مخلص نحو تحقيق واقعنا الطبيعيّ أنّنا أمّة لها وحدها حقّ التصرّف بأرض وطنها وفيها القوّة التي إذا فعلت تغيّر هذا الوجه الكالح في مسيرة التاريخ.
لقد أصبحتم وجهًا لوجه أمام المسؤوليّة الرئيسيّة على جسامتها وخطورتها، وأصبح عليكم أن تجابهوا الخطر المعدّ. فاحذروا المنزلق الذي تدفع إليه أمّتنا، وأوّل مجابهي قوّة الدفع إلى المنزلق أصبح، بعد هذا القرار، الفلسطينيّون أنفسهم.
يا سيادة الأخ أبو عمّار المحترم
إنّ النذير الأوّل قد جاء من اتّجاه ”الجبهة الشعبيّة لتحرير فلسطين”وهو اتّجاه لا يتفرّد به قادة أو زكر هذه الجبهة.
المحذور الخطير الخطر هو أن تضطرّوا في حال قيام الدولة – التي نصّ عليها قرار التقسيم ونام التنفيذ حتّى اليوم – المحذور هو أنّ تضطرّ حكومة الدولة العتيدة للوقوف الموقف الذي كان – للحكم – في عمّان وتسبّب عن “أيلول الأسود”.
ولم يكن في نظرنا، ليجوز أن يمعن أحد في زيادة المزق – الكيانات – في وطننا، من أجل حالة وقتيّة هي “نظام الحكم” في الأردنّ أو سواه من أرض وطننا المقدّسة كلّها، لنا.
الوقت لم يفت بعد فلا نسير بعيدًا عن عمليّة تمزيق ما هو دائم أزليّ – وحدة وطننا وشعبنا – للتخلّص ممّا هو وقتيّ زائل – في أيّ كيان من كياناتنا المصنوعة دولًا بإرادة غير إرادة شعبنا الواعية.
يا سيادة الأخ المحترم
الطبيعيّ الدائم، الذي لا مفرّ من انتصاره هو: إنّ فلسطين غربيّ سورية الجنوبيّ كما أنّ منطقة اللاذقيّة والإسكندرون هي غربيّ سورية الشماليّ كما أنّ لبنان هو غربيّ سورية الأوسط، ومن سورية الوطن الأم، العراق ومنطقة الأردن. كلّ هذه وطن واحد للأمّة السوريّة الواحدة التي هي إحدى أمم العالم العربيّ. وإرادة هذه الأمّة هي تحقيق الوحدة السياسيّة توافقًا مع وحدتها الطبيعيّة وهي ترفض كلّ ما حصل وما سيحصل ممّا يتنافى مع هذا الواقع الطبيعيّ.
يا سيادة الأخ المحترم
طالبنا باستمرار، وفي أقسى الحالات، طالبنا ساسة دولنا السوريّة ودول العالم العربيّ بوجوب جعل المسألة الفلسطينيّة محورًا أو نقطة تمركز وانطلاق في كلّ عمل وفي كلّ إعداد تقوم به داخليًّا وإنترناسيونيًّا، وعلى الأخصّ في الأمم المتّحدة. وقد نالنا من أجل ذلك عنت كبير وحلّ بنا ظلم كثير من ساستنا ومن الطامعين بهذه الأمّة ووطنها ومرافقها (إيضاح أوفى في الكتاب المرفق رسائل من الحزب السوريّ القوميّ الاجتماعيّ إلى الملوك والرؤساء في العالم العربيّ).
وصلتم عن طريق الدم والنار إلى الأمم المتّحدة لتواجهوا خطر التفرّد بحمل المسؤوليّة التي يجب أن يتحمّلها كلّ الساسة وكلّ الشعب في الوطن السوريّ كلّه. وخطر التفرّد يحصل من عمليّة الاستفراد، أي أن يستفردكم العدوّ ومساندوه كما بيّنا فوق.
تجاه كلّ هذه المحاذير نرجو أن تكون الخطوة الأولى لكم في أروقة وفي القاعة العموميّة للأمم المتّحدة خطوة متينة دقيقة مرتكزة إلى قواعد حقوقيّة بعيدًا عن منزلقات السياسة الغرّارة.
ومن أجل الحقّ القوميّ وفي سبيل الكفاح – بكلّ وسائله – نحن وكلّ واعٍ مخلص للحقّ نسير معكم حتّى النصر الأخير.
ابقوا مصارعين حتّى النصر الأخير
جورج عبد المسيح
عميد الإذاعة في الحزب السوريّ القوميّ الاجتماعيّ
أقرّت هذه الرسالة رئاسة الحزب
الرئيس الدكتور أنطوان أبي حيدر
في 18 تشرين الأوّل 1974″.
لإعلاناتكم في منصة حرمون يرجى الاتصال واتس:
0096176920208
وللانضمام:
مجموعة حرمون للتعليم والإعلام والتدريب:
https://chat.whatsapp.com/HQi7bkJTOGGLYmdqUsKYOB
مجموعة منصة حرمون وندوة حرمون الثقافية:
https://chat.whatsapp.com/HFNrMOLD5TKDxmZTTjYZi3
مجموعة حرمون بالتلغرام:
راديو حرمون:
https://onlineradiobox.com/lb/haramoon/?cs=lb.haramoon&played=1