– خلال العقود الماضية نجحت حركات المقاومة وفي طليعتها المقاومة في لبنان وفلسطين بتجاوز الإخفاق الرئيس الذي أصاب تجربة جمال عبد الناصر، والحصيلة الماثلة أمامنا اليوم تقول بأن الكيان الذي تباهى يوماً بأنه هزم جيوش العرب مجتمعة خلال حرب العام 1967 خلال ستة أيام، صار تحت سؤال الوجود والقدرة على البقاء، وهو يترنح تحت تأثير تغير ميزان القوى الذي أنشأته قوى المقاومة ومحورها الصاعد في المنطقة، والانقسام الداخلي في الكيان يفتح مساراً موازياً نحو التفكك والانحلال، وربما حسب قول قياداته، نحو الحرب الأهلية.
– أمام هذا الإنجاز الكبير نستدير نحو الملفات الكبرى التي تصدّت لها ثورة جمال عبد الناصر والتي تمت محاولات حثيثة لطمسها بداعي أن هزيمة 67 تكفي لطي صفحة ثورة عبد الناصر. ويكفي هنا أن نتذكر أن روح المقاومة الشعبية التي زرعها عبد الناصر في حرب 1956 والتي أثمرت انتصاراً على العدوان الثلاثي كانت واحدة من أبرز البذرات الرئيسية لمشروع المقاومة الذي ينتصر اليوم، وأن روح العداء الجذري لكيان الاحتلال التي استثمر عليها عبد الناصر بين المصريين والعرب كانت السد المنيع الذي أفشل كل مشاريع التطبيع انطلاقاً من مصر، رغم اتفاقيات كامب ديفيد.
– في الشق التنموي والاقتصادي، تحضر أمامنا الأوضاع الكارثية للعديد من البلاد العربية ومنها مصر، فنتذكر مشروع السد العالي ونمو الزراعة وبناء الصناعات المتعدّدة بما فيها الصناعات الثقيلة، وصولاً الى درجة عالية من الاكتفاء الذاتي في السلع الغذائية والاستهلاكية بما فيها السيارات والأدوات الكهربائية المنزلية بنسبة كبيرة.
– في مفهوم الاستقلال الوطني، وأمام ما خلّف مرحلة عبد الناصر من تعميم نظرية 99% من الأوراق بيد أميركا وصولاً للسجود على أبواب البيت الأبيض، قدّمت تجربة عبد الناصر مثلاً للعنفوان الوطني، والكرامة الوطنية والقومية، فأخرجت ثورة عبد الناصر الاحتلال البريطاني وانتصرت على العدوان الثلاثي، وأمّمت قناة السويس، وبنت معادلة سياسية متحرّرة ومستقلة ليس في مصر وحدها، بل في المنطقة والعالم جسّد ذروتها دور جمال عبد الناصر في إنشاء مجموعة عدم الانحياز والدور التاريخي الذي لعبته على الساحة الدولية.
– على صعيد العدالة الاجتماعية التي تفتقدها مجتمعاتنا العربية، يكفي ما قامت به ثورة عبد الناصر من توزيع الأراضي على الفلاحين، والتزامها تحمل الدولة مسؤولية الطبابة والتعليم ودعم السلع الرئيسية من الخبز الى المحروقات وصولاً الى الكهرباء، ونمو طبقة وسطى حقيقية ازدهرت معها الثقافة والفنون والصحافة والعلوم.
– يعود الفضل لثورة عبد الناصر ببث روح الانتماء الواحد للشعوب الممتدة على مساحة الوطن العربي من المحيط للخليج، وهي الروح التي لم تنجح كل المحاولات التي بذلت في اجتثاثها، وظهرت جلية في كل تضامن جامع مع فلسطين ومقاومتها، وكانت التظاهرات المليونية التي غطت العواصم العربية مع انتفاضة الأقصى عام 2000.
– قاد الأخوان المسلمون الحملة على عبد الناصر وثورته، وجاء تسلمهم للحكم في مصر وتونس ومحاولتهم للسيطرة على سورية، خير شاهد قابل للمقارنة بينهم وبين مشروع جمال عبد الناصر، فجلبوا التبعية بدل الاستقلال، والحروب الأهلية بدل الاستقرار والوحدة الوطنية، ورفع مستوى الفقر وتعميم الخصخصة بدلاً من مشاريع التنمية والعدالة الاجتماعية.
ما أخفقت به تجربة عبد الناصر تمّ تصحيحه فهل نستلهم من إنجازاته لردّ الاعتبار له ولها؟