هادي جلو مرعي
لم يترك سوءا من قول، أو فعل إلا وجاء به، ذلك هو فرعون ملك مصر الذي تزامن حكمه مع ظهور اليهودية، وصعود بني إسرائيل الى الواجهة كقومية فاعلة مازجت بين الدين والعرق في أغرب خلطة أرهقت البشرية الى يومنا هذا، والى مدى زمني مقبل لا يعلمه إلا الله. وكان خصمه موسى النبي المرسل الى بني إسرائيل وإليه حين أمره الله بأن يذهب الى فرعون أنه طغى وتجبر في الأرض، وتحدى الرب حتى أهلكه بالغرق, وجاز موسى بقومه البحر الى حيث يأمنون على أنفسهم ودينهم.
لم يتبق من فرعون سوى مومياء حنّطها خبراء مصر القديمة، وبقيت بفعل المشيئة آية للناس لعلهم يتعظون، ويكونون صالحين في حياتهم ولا يتكبّرون، فرعون ممدّد في حافظة من الزجاج في المتحف المصري, ويتاح للسياح أن يمروا به، ويمنعوا من التصوير، حينها كان متاحاً لي دون أن يشعر بي أحد أن أبصق في وجهه وأوبّخه، فقد مضى ضعيفاً مهاناً، لا يُذكر إلا وذُكر معه الطغيان والتجبر, ثم الانكسار والهزيمة والبقاء كسبّة وضياع بلا قيمة تذكر، ولا ينال من الناس سوى الازدراء والتوبيخ والاستنكاف.
مثل فرعون كل واحد منا سواء كان إمبراطورا، أو حاكما، أو وزيرا، أو مسؤولا بدرجة ما تجعل أمور وحياة فئات من الناس بيده، يتحكم فيها؛ وعليه في الواقع أن يحترم هولاء، ويلبي حاجاتهم، ويسهر على راحتهم، وعليهم أن يُطيعوه في عدله، لا في ظلمه ونقصه وعقده وخساراته الماضية. فالبعض يكبر بالمنصب، وبعض يكبر به المنصب، وبعض يشرفه المنصب، وبعض يشرف المنصب، وكم من واحد منا أكبر من الكرسي، وكم منا والكرسي أكبر منه. فتجده يحاول الترفع والتباهي، وتعطيل معاملات الناس، وإستغلال حاجاتهم ويتعالى عليهم، وحين يغادر المنصب، أو يُطاح به تجده سهلاً ليناً طرياً طيباً، يعود الى تواضعه، بينما الناس تتذكّر ما كان عليه، وتستهجن منه ما كان وتذكره بحاله عندما كان في المنصب, وكيف تكبّر وتجبّر عليهم، بينما هو اليوم بلا منصب, ذليل حسير كسير يتودّد الى هذا وذاك، وكان جديراً به أن يكون سهلاً في كل الأحوال, وطيّباً فلا يحتاج الى التذلل لهذا أو ذاك، لكنها الدنيا الدنيّة، ونقص يعتري النفس, فتتوه في غياهب الغرور والخديعة للذات.