هاني سليمان الحلبي**
من الصعوبة الكتابة عن زهرتين بعبير خاص مثل مروى وجولي.
تحتاجهما عندما تنقصك الرغبة في الحياة، فتجدهما الحياة. فرحاً ومرحاً ولعباً وجِداً وقلباً وروحاً.
وأكون صادقاً لو قلت إني لا أعي سنواتهما الأولى إلا نتفاً ولماماً. لأن تلك السنوات مرافقة لمرحلة الروبوت الذي كنته طيلة 24 سنة. تلك المرحلة التي كانت تتخلّص مهامها بالبرمجة المفروضة عليّ لأبقى وأستمر. أؤدي مهام عمل متعدّد طيلة 18 ساعة في اليوم وما تبقى لما يُسمّى الراحة نوماً وغذاءً وشرباً ونظافة. والخلاصة “مال بيروت يبقى ببيروت” هي قاعدة المرحوم أبي الشيخ سليمان علي الحلبي الأثيرة والتي لو فهمناها لتعلّمنا من أمّيّته الكثير.
لكني وعيتُ على مروى طفلة يانعة تينع يوماً إثر يوم، سمراء ككل ملكات جمال الأصالة في هذه البلاد عبر التاريخ، شعرها أسود فاحم ووجها تعب الله كثيراً في نحت ملامحها الفريدة، ووشّاه بشاميّة على الخدّ.
أما وعيي لجولي بالفعل، فهي طفلة مجتهدة، تقاتل لتثبت دورها ومكانتها، وبخاصة إلى جانب أختها الملاك مروى. كانت تُصرّ بكل حركاتها وسكناتها أنها مؤهلة مثلها، قادرة مثلها ومعطاء مثلها. تحب أن تكون شريكتها في نهاراتها ولياليها، في مشاويرها وعوداتها، في صباحاتها ومساءاتها. وبدأت تتسع مساحة حضورها أكثر لمعاناتها الصحيّة فترة، بين غضروف لئيم وعصب متمرّد، حتى استقرّت الأحوال بعد بضع سنوات من الوجع والصبر.
الدور والمكانة اللذين نحفظها في الأسرة لهذين الملاكين، سببهما أنهما كانا العزوة لست الحبايب المرحومة والدتي ملكة نصر الدين التي فقدناها في مساء يوم الأربعاء 27 آذار 2019، من أسرتنا وبيتنا إلى عالم سماويّ آخر نرجو أن يليق بفضلها.
وهذا مأزق كل أسرة، إذا كانت مشتّتة كأسرتنا، في المكان والزمان، كيف ترعى كبارها، كيف يمكنها أن تكون قربهم، عندما يتوجّعون تعينهم وعندما يجوعون تؤكلهم، وعندما يقلقون تطمئنهم، وعندما يعطشون تسقيهم. فبعضنا في بيروت وبعضنا في السعودية وبعضنا متفرّق في قرى ومناطق عدة، فليس من عزوة قريبة سواهما.. مروى وجولي.
وأذكر في ربيع 2018، أني صارحتُ والدتي بكيف يمكننا إيفاؤهما عنا، فطلبت والدتي أن آتي بورقة وقلم، وأكتب ما يُشبه أن سمّتها وصيتها، ورغبت أن تخصصهما بنصيب إرثي من أسمهما في ميراث الأسرة. لما وصلت النسخة لوالديهما رفضا بشدة. وطلبا سحب الموضوع من التداول. فالموضوع ما زال باكراً، والوالدة بالف خير حينذاك. قدّرت نبل والدتي واحترمتُ رأي أسرتهما.
ولكن كيف نفيهما حقهما؟ قال أحدهم: الله لا يُضيّع تعب مخلوق. فكل ما يجنيه يكون أمامه عناية به أو جناية عليه.
عندما تقدّم الحبيب طارق أبو غوش لخطبة مروى، اعتبرها بعضهم إشارة لاستحقاقها هذا الوفاء، وأنه بعض ما بذلته من نبل وحرص على جدتها، واهتمام لسنوات قربها، وتمّ النصيب وتوّجت الفرحة بزواج ورزقا طفلاً ملاكاً أسمياه دانيال في صيف العام 2022.
وكانت القلوب منتظرة بأمل للجزء الثاني من الفضل الربّانيّ، عندما تقدّم الحبيب رامي صعب لخطبة جولي في صيف العام 2022، لتكتمل حلقة الفرح، أن الله لا يُضيّع جهد مخلوق، فها هي عنايته بادية بأن يقدّر لهما النصيب المناسب والعريس المرضي والآدمي والمنتج والمحبّ والمعطاء والجميل. ولا شك في أن تمام الفرح فرح مضاعف ومستحقٌّ، لتكوين أسرة قطفت من العبر والمعاني الكثير لتكون زادها في الشدائد القادمات.
وفي نيسان 2023، كانت مناسبة عقد قران جولي، في محكمة راشيا، تلاه غداء في منزل أهل رامي، والده سامي صعب ووالدته جمانة الحلبي، بحضور الأهل والأصدقاء، فغمر الفرح قلوب الحضور وبهجة القران، والدعاء للعروسين بالتوفيق والنجاح. أدام الله فضلهم ووسّع بيتهم وأبقاه منيراً بالحب والصحة والعامة والأفراح التامة. ووثقوا ذلك اليوم بصور جميلة.
الأسرة، في دولة فاشلة ومجتمع مفكّك يعتمد على الغيب والصدف في تخطيط حياته ومستقبله، وعلى البرّاجات والبصّارات وبرامج الفلك ليستطلع خبايا العام المقبل، محتاجة إلى برنامج خاص ودقيق، وفق المتناول، لتخطط كيف تحمي كبارها، ليس أقل من حمايتها لصغارها، فالصغار تكون الحياة قد حبّبتهم إلى من حولهم ووهبتهم قوة النمو وقوة المناعة بطبيعتهم، بينما الكبار فقدوا القوتين.
لروحَي والدي ووالدتي الرحمة، لمروى وجولي الحق بحياة كريمة وفرحة وحلوة، إلى جانب حبيبهما، ولأسرتهما الحق بأن تطمئن إليهما أنهما في حصن حصين، وحرز حريز، وبرعاية الله تنموان وترتقيان.
*مروى وجولي عصام المقت.
**ناشر منصة حرمون، كاتب وناشر وإعلامي ومدرب من لبنان.