أديب كريِّم*
خلال اجتيازي طريق “صيدا القديمة” صوبَ مستديرةِ كنيسة مار مخايل ومنها نحو البقاع، استوقفني مشهدُ شابٍ يستقلُّ دراجةً ناريّةً ويقفُ وحيداً، منتظراً إشارةَ المرور الخضراء. كانت الساعةُ تشيرُ إلى الثانيةِ والنصفِ بعد منتصف الليل، وكانت الطرقاتُ الأربعُ خاليةً من السيّارات. أبطأتُ من سرعةِ سيّارتي وجعلتُ أتأمّله لبضعِ ثوانٍ وأنا مستغرب.
راودتني، حينها، رغبةٌ حقيقيّةٌ في أن أقتربَ منه وأسأله: في حضنِ أيّ أسرةٍ تربيّت؟ وهل أنتَ فعلاً من هذه البلاد؟ لكن، لسوء حظي، سبقتني الإشارةُ وأبعدته عني.
وعلى الفورِ، استحضرَ ذهني إحدى المقولاتِ الألمانيّةِ المتوارثةِ، ومفادها أنّ مواطناً إلمانيّاً كان يقودُ سيّارتَه في الطرقاتِ الفرعيّةِ داخل إحدى القرى النائيةِ، وكان الوقتُ قد جاوز منتصفَ الليلِ، ولا وجود لعناصرِ الشّرطةِ ولا لكاميراتِ المراقبة.
وحين سُئلَ صاحبُنا: لماذا تقودُ وَفقاً للسرعةِ المحدّدةِ، وتعطي إشارةً عند كلِّ منعطفٍ،ٍ طالما أنّ الشرطيَّ نائم؟
أجاب صديقُنا: إذا نامَ الشرطيُّ فالقانونُ لا ينام…
لسنواتٍ مضت كنتُ معتقداً بأنّ المقولةَ لا تخلو من المبالغةِ، ولكن، حين رأيتُ الشابَ همستُ في نفسي: ليس الأمرُ إعجازيّاً ولا خارقاً، وقصّةُ بناءِ الأوطانِ، العادلةِ والراقيةِ، تُكتبُ مقدّمتُها داخل جدرانِ الأسرةِ، وليس داخل الأحزابِ، أو الطوائفِ، أو عبر الشعاراتِ والعنتريات ..!
*صديق لمنصة حرمون.