هاني سليمان الحلبي**
لم تكن علامات النبوغ خافية على وجهها ولفتاتها، وهي في سنواتها الأولى.
تصرّ في كل وقت أن تثبت حضورها، وتؤكد دورها، بإصرار واضح.
لا تحتاج لتكرار أي عمل او حركة او تصرف أمامها، مرة ثانية، لتكون قد أتقنته. من الغناء او الاهتمام بالموسيقى إلى تعلم الدبكة، أو استخدام الدربكة، وهي بالكاد تستطيع الجلوس وحيدة. فتمسك ملعقة لقرعه.
ولسنوات طويلة كانت، إلى جانب اخيها ريان، لولب حلقة أسرتهما، حتى اكتمل ثالوث الإبداع بنور..
غابت عنا فترة ليست قليلة، وندرت الأخبار. حتى تأتي أخبار نهاية كل عام دراسي فإذا آية نجمة منبر، وتعرف كيف توصل العدوى لأختها نور.
بزّت بنات جيلها وأبناءه، بالتحصيل الدراسي، وبقدرتها على الكتابة وتحصيل الثقافة، والاطلاع.
ولم يكفها فقط أن تبرع باللغة العربية، بل اكتسبت براعة خاصة في الكتابة باللغة الفرنسية، بدرجة استحقت التنويه من مدرسيها وفي اكثر من مناسبة.
***
في أيلول 2022، زرت الأسرة، وكانت أحاديث عابقة بالفرح، طيلة سهرة مديدة، يمدّ فيها طقس شوفي جميل ومعتدل، على شرفة مطلة على جبل الباروك وهضاب نيحا وعماطور وبعذران وصولاً إلى جزين.
أكثر ما أفرحني، تعلمها فن الرسم، بشكل متقن، طيلة سنتين تقريباً، على يدي معلمة رسم محترفة، فأعطتها أسرار الخطوط والألوان والتقنيات حتى انطلقت بحرفة لافتة. رأيت حوالى 50 لوحة متعددة المواضيع والأفكار والتقنيات، من المائي، إلى قلم الرصاص، إلى الفحم، إلى الزيتي، ورسم أشكال الأزهار والأواني والفواكه، والخشب، وصولاً إلى التجريديّ..
***
منذ أيام وصلتني رسالة من آية تقول: أنا آية، كيفك عمو، شاركت بموضوع ضمن مسابقة باللغة الفرنسية عن الشباب اللبناني والهجرة، أقامها المركز الثقافي الفرنسي في دير القمر، وتم تصنيف موضوعي من بين أول 10 مواضيع متقدمة، والمرحلة الآن من يجمع أكبر عدد من الإعجابات على منصة أنستغرام، في حساب المركز.
أخذت الرابط، وفتحت على المنشور، وقرأت النص، واستعدت بعض الشباب والودّ مع اللغة الفرنسية، بعد غياب عنها لا يقل عن 40 عاماً، وفرحت أن آيتي، تكتب بهذا الحضور والسلاسة والقوة والتماسك والتعبير المليء بالفكرة والصورة والمعنى.
ولما بدت متصلة عبر الواتس أب، حادثتها وهنأتها، وسالتها ما المطلوب؟ فأجابت: الدعم باللايكات. قلت: مسألة بسيطة.
وبدأت أوزع دعوات لقراءة الموضوع والإعجاب به، على شريحة واسعة من معارفي بدءاً من المغرب فدعمت سعيدة وامينة ووو والجزائر فدعمت الدكتورة مليكة وو.. وصولاً إلى أسرتي.. وعلى مرحلتين، تمكنا بتعاون الجميع من رفع العدد إلى حوالى 512 إعجاباً، وكان ممكناً أكثر. وشكراً لكل أنامل محبة امتدت إلى جهاز هاتف او لابتوب ودعمت آية.
***
في يوم أول أمس، الساعة الثانية عشرة ظهراً، أقفل المركز الثقافي الفرنسي المنشور، وأعلن النتائج، وهنأ آية، كما هناً المستحقات والمستحقين، وكرّمها بنشر موضوعها في جريدة لوريان ليتراتير وفي وسائل إعلام غيرها.
***
ونحن، في أسرتنا، وفي منصة حرمون، نهنئ آية بما فعلت، ونهنئ أسرتنا، وبلدتنا بها.
آية ريدان الحلبي مفخرة بحق، وقدوة تستحق أن تكون لجيل بكامله. فهي تعطي وتشعّ في أصعب الظروف قسوة ولا توقفها المتاعب والأزمات ولا لكل ما يشير إلى إحباط شبابنا واقتلاعهم من جذورهم وتشريدهم على أرصفة ذل العالم.
لآية، ولكل آية في بلادي، كل الدعم، وبلا حدود، لتكون هذه البلاد مستحقة عطاءكن، ولتكنّ أنتنّ، وأنتم، مداميك المجد التي تبني وتغير.
*طالبة في صف البكالوريا – القسم الأول، وفنانة ناشئة من راشيا الوادي مقيمة في الشوف.
**ناشر منصة حرمون كاتب وإعلامي ومدرب.
راشيا الوادي في يوم الخميس – 30 – 3 – 2023.