يوسف المسمار*
الصلاح هو عقلية مناقبية أخلاقية واعية وراقية تُخطط وتبني وتُحقق المزيد من الأصلح والأنفع.
والإصلاح هـو عملية تصليح تُهدم الطالح وتُرمّمه. تُزيل الخراب الذي لا نفع منه، وتُبقي على البناء وكل ما هو نافع. تتصدّى للعدوان تُحارب المعتدين، وتعـزّز قـوى الصمود وإبداع وسائل الانـتصار ولا تهتمّ إلا بما هو مفيد ويؤدي الى الأفضل. وتسعى إلى الخروج من المألوف الراكد الى ما هو حسن ومفيد وفي كلتا الحالتين لا يكون الـصلاح ولا يمكن أن يتحقق محصول إلا بالصالحين، ولا يتحقق الإصلاح إلا بجهود الصالحين المُصلحين الإصلاحيين.
أما أن يُطالب بالإصلاح عـدوٌ باغٍ من خارج المجتمع، أو غبيّ خائن باع نفسه لأعداء المجتمع ويعيث فساداً داخل مجتمعنا، فان ذلك أفظع المهازل لأن عدم التصدي للطغاة العدوانيين الخارجيين والخونة الفاسدين الداخليين وتبرير عدوانهم وفسادهم هو سلاح المتخاذلين الجبناء.
الصلاح والطلاح نقيضان وعدوّان لا يلتقيان لا في هذه الدنيا ولا في عالم الغيب. والطالحون الأشرار هم أعدء الصالحين الخيّرين وجوداً وحاضراً ومستـقبلاً.
وما ارتضت أمة أن تستسلم لأعدائها أو تتساهل مع المفسدين في أوساطها الا كانت النتيجة وباءً عليها.
في الوجود الإنساني عقيدتان: أخلاقيّة عادلة وعدوانيّة ظالمة
هناك عقيدتان في الوجود: عقيدة العدوان الوحشية على حقوق الأفراد والشعوب واستعبادها، وعقيدة احترام الأفراد والشعوب الإنسانية التي شعارها ما نطق به السيد المسيح:
“إفعلْ بالناس ما تريد أن يفعله الناس بك“. وما ورد في القرآن الحكيم “من قتل نفساً بغير حق، فكأنما قتل الناس جميعا“.
فانتصار عقيدة التوحش الفاسدة يعني القضاء على العقيدة الإنسانية الصالحة وانتصاراً لعقيدة الظلم وإفساد الإنسانية الأخلاقية.
أما انتصار العقيدة الإنسانية الصالحة، فانه يعني الخروج من الظلمة الى النور، ومن الغموض والظنون إلى الجلاء والوضوح ومن قبر التاريخ الى الحياة الراقية فنعرف عظمة الله الذي نعت ذاته بالحيّ الذي لا يموت.
فاذا لم نواجه أعداءنا الطالحين الأشرار كما ينبغي قبل أن يقضوا علينا، فلن نستحق أن نكون من أبناء عقيدة صحيحة صالحة عادلة، ولن نستطيع أن ننقذ أنفسنا وننقذ الأمم من ويل عقائد العدوان والعدوانيين، الفساد والفتن، وشر الفاسدين والمفتنين، ليبقى شعار الحياة الجميلة الراقية: لا إصلاح إلا بالصلاح. ولا سبيل الى الإصلاح قبل القضاء على نفوذ المجرمين والفاسدين الذين كانوا ويستمرون سبب كل الويلات التي حلَّت بأمتنا وبسائر الأمم.
لقد كانت سورية منبع رسالات الصلاح في العالم ولا تزال رائدة الصلاح القائم على الحق والعدل في هذا الوجود. وهذه هي الحضارة التي تعني ترسيخ قيم الحق والعدل في الوجود.
وكل نظام يقوم على الباطل والظلم من المستحيل أن يكون حضارة أو على صلةٍ بالحضارة، بل هو التخلف والانحطاط بأبرز جوهرهما وأجلى مظاهرهما.
أيها المطالبـون بالإصلاح عـودوا الى سـورية مهد عقيدة الصلاح، ومبدعة رسـالات الإصلاح، وراجعـوا تاريخهـا الحضاري، ولا تتخلوا عن صلاحكم، وتعـلّموا أن تكونوا مصلحين، ومارسـوا الصلاح فـكـراً وعـملا ً واستمرار ممارسة، فيكون في العمل الإصلاحي الدليل على النفسية الصالحة الخيِّرة ويتـحـقـق الإصلاح مهما كانت الويلات كارثية، ومهما تكاثر أبناء الفساد والعدوان.
الفلسفة القومية الاجتماعية هي فلسفة صلاح المجتمع وصلاح الوعي القومي، فإذا فسد الوعي القوميّ فسد المجتمع وسقط في هاوية التخلف وكان الانحطاط عاقبة فساد الأمة وأبنائها وأجيالها.
ولما كان الصلاح قاعدة الانطلاق من الصالح لتوليد الأصلح، لم تعد هناك حاجة للتقليد والتشبه بالمقلّدين، بل للأصالة ومنافسة المولدين والمبتكرين والإتيان بأجمل ما وصلت اليه الأصالة والأصيل وترك أثـره في الحداثة والتجدّد والتحديث. وهذا ما هدفت إليه وتهدف القومية الاجتماعية التي تقوم على مبدأ الصراحة ومعالجة أسباب الفساد كما ورد في خطاب العالم الاجتماعي أنطون سعاده في عين زحلتا في 30/09/1948:
“نحن نقول بمبدأ جوهري، مبدأ الصراحة ومعالجة المرض في أساسه. لا نظنّ أن طلاء القصدير بالفضّة والنحاس بالذهب يعطينا فضة أو ذهباً، بل يبقى القصدير قصديراً والفضة فضةً”.
*باحث وشاعر قومي مقيم في البرازيل.