يؤشر انخفاض فائض الميزان التجاري العُماني بنسبة 42% إلى تقاطع بين عوامل ظرفية وتحديات هيكلية متجذرة في البنية الاقتصادية للسلطنة، بحسب البيانات الصادرة مؤخراً من المركز الوطني للإحصاء والمعلومات (NCSI)، إذ انخفض الفائض التجاري إلى 3.885 مليارات ريال عماني بنهاية سبتمبر/أيلول الماضي، مقابل 6.743 مليارات ريال في نفس الفترة من 2024 (الدولار = 0.38 ريال عماني).
وتعكس هذه النسبة الكبيرة من الانخفاض، تأثيراً مدفوعاً بشكل أساسي بتراجع صادرات النفط والغاز بمعدل 16.5%، بحسب تقدير صادر عن بنك BNP Paribas المتخصص في تحليل أسواق رأس المال العالمية، معتبراً أن السبب الفوري والأكثر وضوحاً للانخفاض هو الضغط على أسعار الطاقة العالمية.
وبحسب الأرقام، فإن قيمة صادرات النفط والغاز العُمانية انخفضت من 13.071 مليار ريال إلى 10.913 مليارات ريال بنهاية سبتمبر/أيلول الماضي، أي بتراجع مباشر يعكس تأثير انخفاض الأسعار، لكن هذا الجانب الظرفي يغطي مشكلة هيكلية أعمق بحسب بيانات صندوق النقد الدولي. فالاقتصاد العُماني، وفق بيانات الصندوق، لا يزال معتمداً بحدة على المحروقات، والتي تمثل حوالي 40% من الناتج المحلي الإجمالي وما يقرب من 80% من إجمالي الإيرادات المالية و65% من الصادرات السلعية.
المؤشر الحقيقي على وجود مشكلة هيكلية يتمثل في صادرات السلع غير النفطية، والتي نمت فقط بنسبة 10.3% إلى نحو خمسة مليارات ريال، وهي نسبة نمو يعتبرها مراقبون متواضعة ولا تعوض الانخفاض الحاد في قطاع النفط.
عن تلك الأرقام يرجّح الخبير الاقتصادي، ربيع بدواني مخلوف، أن يكون الانخفاض الملحوظ في فائض الميزان التجاري العُماني خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2025 ناتجاً عن العوامل الظرفية بالأساس، لا عن خلل هيكلي في الاقتصاد، إذ تراجع الفائض بنسبة 42%.
ويعود هذا التراجع أساساً، بحسب إفادة مخلوف لـ”العربي الجديد”، إلى انخفاض عائدات النفط والغاز، التي تراجعت قيمتها بنسبة 16% لتستقر عند 11.2 مليار ريال عماني، نتيجة هبوط متوسط سعر برميل النفط الخام من 82.6 دولاراً إلى أقل من 70 دولاراً، ما يشير إلى أن الاقتصاد العماني، رغم جهود التنويع، لا يزال حساساً لتقلبات أسواق الطاقة العالمية.
في المقابل، سجلت الواردات السلعية ارتفاعاً بنسبة 9.3% لتبلغ 12.1 مليار ريال عماني، ما ساهم في تضييق هامش الفائض التجاري، إلا أن المشهد الاقتصادي يحتوي على مؤشر إيجابي مهم، حسب تقدير مخلوف، إذ نمت الصادرات غير النفطية بشكل ملحوظ.
ويؤكد مخلوف أن هذا النمو يعكس نجاحاً نسبياً ومستمراً في جهود تنويع القاعدة الإنتاجية، ويدل على أن القطاعات غير النفطية تشهد توسعاً تدريجياً، وأن التراجع في الفائض لا يعكس ضعفاً في هذه القطاعات بقدر ما يعكس استمرار الاعتماد النسبي على الإيرادات الهيدروكربونية.
ويمتد أثر هذا التراجع إلى المالية العامة، بحسب مخلوف، إذ انخفضت الإيرادات الحكومية بنسبة تُقدر بـ8%، معتبراً أن ذلك قد يؤدي إلى تعديل أولويات الإنفاق عبر تأجيل مشاريع بنية تحتية غير عاجلة واتخاذ إجراءات أكثر حذراً في إدارة التدفقات المالية.
ويحذر مخلوف من أن تداعيات خفض الإنفاق الحكومي قد تمتد إلى سوق العمل، خاصة في ظل حاجة الاقتصاد إلى توليد أكثر من 35 ألف فرصة عمل سنوياً، فتراجع القدرة المالية للدولة قد يحد من استيعاب الباحثين عن عمل في القطاع العام، بينما قد يواجه القطاع الخاص، والذي لا يزال يعتمد بنسبة 60% على العقود الحكومية، تباطؤاً في نشاطه.
وفي السياق، يربط الخبير الاقتصادي، خلفان الطوقي، الانخفاض الذي شهدته الفوائض المالية في سلطنة عمان خلال عام 2025 بمجموعة من العوامل المرتبطة أساساً بتراجع أسعار النفط.
ويضيف الطوقي، في إفادة لـ”العربي الجديد”، بأن هذا العامل يعد المحرك الرئيسي لتشديد الأوضاع المالية، خاصة في ظل استمرار الزيادة في المصروفات الحكومية، والتي سجلت نمواً بنحو 2–3%، بدلاً من خفضها استجابةً وقائيةً للتقلبات السعرية.
ويشدد الطوقي على أن الخطة الإنفاقية للحكومة لم تعدل بشكل جوهري، بل استمرت البرامج والمشاريع التنموية دون تقشف حقيقي، وهو ما عبّأ الهوامش المالية وقلص من فوائض الموازنة.
ورغم ذلك، يؤكد الطوقي أن الوضع المالي العام لا يزال تحت السيطرة، بفضل الانخفاض الكبير في الدين العام، والذي تراجع إلى نحو 33–34% من الناتج المحلي الإجمالي، مقارنةً بنسب تجاوزت 71% في عام 2020، ما يمنح الحكومة هامشاً آمناً لرفع المديونية مؤقتاً إذا اقتضت الحاجة، دون التأثير السلبي على التصنيف الائتماني أو تكلفة الاقتراض.
بل يذهب الطوقي إلى أن استمرار الإنفاق قد يكون ضرورياً للحفاظ على الزخم الاقتصادي، خاصة في ظل استقرار مؤشرات الدين، لافتاً إلى أن هذا التقييم يتماشى مع وجهات نظر كبرى وكالات التصنيف الائتماني العالمية، مثل فيتش وموديز وستاندرد آند بورز، والتي لا تتوقع صدمات مالية كبيرة طالما بقيت مستويات المديونية في نطاقها الحالي.


















