وجَّهت الحكومة الجزائرية تعليمات إلى النيابات العامة في المجالس القضائية بالولايات، للعمل على إجراء تسويات مع الشركات والمؤسسات في بعض القضايا المتعلقة بالمال العام، مقابل إرجاع الأموال والممتلكات والعائدات المتصرَّف فيها، كإجراء بديل عن الملاحقات القضائية.
وكشف وزير العدل الجزائري، لطفي بوجمعة، في افتتاح مؤتمر حول الأمن القانوني وتأثيراته على الاقتصاد، نظمته وزارة العدل ومنظمة محامي الجزائر، السبت، أنه تم “تفعيل آليات بديلة للمتابعة الجزائية بالنسبة للأشخاص المعنويين (الشركات)، وفي إطار تشجيع الاستثمار وضمان استمرارية النشاط الاقتصادي المنتج، مقابل إرجاع الأموال والممتلكات والعائدات المتصرَّف فيها أو المحوَّلة خارج التراب الوطني، أو ما يمثل قيمتها، ودفع كامل المبالغ المستحقة من الجرائم المنسوبة”.
واعتبر الوزير بوجمعة هذه الخطوة “كإجراء بديل ضمن مسار السياسة الجزائية الوطنية”، وهو إجراء كان قد أثار جدلًا لافتًا قبل فترة، عندما أعلنت الحكومة اعتزامها العمل به، لكنه لا يشمل في الوقت الحالي الأفراد ورجال الأعمال المتورطين في قضايا نهب المال العام، ويقتصر على تسوية مع الشركات والمؤسسات، بهدف إعادة المال العام إلى الخزينة العمومية من جهة، والنظر في إمكانية استمرار عمل الشركات والمؤسسات، حفاظًا على الوظائف والجانب الاجتماعي من جهة أخرى.
جدير بالذكر أن هذه التدابير الاستثنائية، التي تتيح إحداث مصالحة وتفاهمات بين السلطات والشركات المعنية بقضايا الفساد، تخصّ الأشخاص المعنويين، ويُقصد بها الشركات والمؤسسات، ولا تشمل الأفراد، أو ما يُعبَّر عنه في المصطلح القانوني بـ”الأطراف الطبيعيين”، المتورطين في قضايا الفساد أو تحويل الأموال إلى الخارج.
وكان مقترحٌ مماثل قد تم طرحه منتصف عام 2023، وقد أثار حينها جدلًا كبيرًا في البرلمان والمجتمع السياسي، ورفضه الرئيس عبد المجيد تبون
، لكنه عاد وطرحه ضمن قانون العقوبات الذي طُرح على البرلمان في أغسطس/آب الماضي.
وشدَّد وزير العدل على الهيئات القضائية بشأن التطبيق السليم والموحَّد لقرار منع تحريك الدعوى العمومية ضد مسيّري المؤسسات العمومية الاقتصادية، والمؤسسات العمومية ذات الطابع الصناعي والتجاري، في حال ارتكاب أخطاء في التسيير لا تكون لها صلة بالفساد المالي أو الإداري، مشيرًا إلى أن التشريعات الجديدة في قانون العقوبات تضمنت إدراج أحكام تُجرِّم وتعاقب بشدة كل فعل من شأنه عرقلة الاستثمار أو المساس به.
وفي نفس السياق، قال رئيس الحكومة الجزائرية، سيفي غريب، إن الحكومة بصدد إصلاحات تشريعية من خلال مراجعة عميقة للقانون التجاري، ليتلاءم مع التحولات التي يشهدها الاقتصاد الوطني ومراعاةً لخصوصيات الفعل الاقتصادي، ومراجعة التشريعات التي تحكم سير المؤسسات الاقتصادية والتجارية، لرفع التجريم عن الأخطاء المتعلقة بالتسيير والمبادرات التي يقوم بها المسؤولون عن هذه المؤسسات لتطويرها، والتي لا صلة لها بالفساد، بهدف تحرير المبادرة وتشجيع المسؤولين على تنفيذ أفكار جريئة لصالح المؤسسات.
وأكد غريب أن التشريعات الجديدة ستعزِّز التدابير التي تضمنها قانون الإجراءات الجزائية الجديد الصادر في شهر أغسطس/آب الماضي، والذي أقرّ عدم تحريك الدعوى العمومية والملاحقة القضائية ضد مسيّري المؤسسات العمومية الاقتصادية، إلا بناءً على شكوى مسبقة من الهيئات الاجتماعية لهذه المؤسسات، “بهدف حماية المسيّرين في حالة ارتكاب أخطاء في التسيير ومن كل الممارسات التي قد يتعرضون لها والمؤدية لعرقلة مبادراتهم الاستثمارية”، مشيرًا إلى الانتقال من تجريم أخطاء التسيير إلى تأمين فعل التسيير بشكل دقيق وواضح يمنح المسيّر كل الضمانات ويسمح بتحريره من كل المخاوف.
وكان الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، قد تعهّد قبل فترة بالعمل على رفع التجريم عن فعل التسيير لحماية إطارات الدولة النزهاء الممارسين لفعل التسيير الذي لا صلة له بالفساد، ومنع تحريك الدعاوى القضائية أو فتح تحقيقات بناءً على تقارير غير مؤسسة ورسائل مجهولة، وتوفير ما وصفه رئيس الحكومة بـ”الأمن القانوني”.
العربي الجديد


















