قدّرت دراسة أصدرها المعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية (حكومي) حجم العائدات الجبائية غير المستخلصة في تونس بنحو 5.2 مليارات دينار (1.8 مليار دولار)، أي ما يعادل 4.2% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، نتيجة استمرار نزيف التهرّب الضريبي، والتصاريح المنقوصة، وضعف نجاعة المراقبة، في منظومة ما تزال تعتمد بدرجة كبيرة على الإجراءات الورقية.
وقالت الدراسة، التي نشرها المعهد قبل أمس الخميس على موقعه الرسمي، إن المنظومة الضريبية في تونس بصدد التحوّل إلى منظومة تراجعية، بسبب التعويل المتصاعد على الضرائب غير المباشرة، ولا سيما الضرائب على الدخل التي تشكّل 57% من الإيرادات المستخلصة.
وأكدت الوثيقة ذاتها أن الطبقات المتوسطة من الأجراء تتحمّل العبء الأكبر من الضرائب، في حين تبقى بعض الفئات ذات الدخل المرتفع ضعيفة الخضوع للضريبة، واقترح المعهد حزمة إصلاحات ضريبية، من بينها مراجعة سلّم الضريبة على الدخل عبر الترفيع في عتبة الإعفاء من ضريبة الدخل من 5 آلاف دينار (1.6 ألف دولار) إلى 10 آلاف دينار سنويًا (3.1 آلاف دولار)، وإحداث شرائح إضافية للدخول المرتفعة جدًا، مع تطبيق النسبة الهامشية القصوى (40%) فقط على من يفوق دخلهم السنوي 527 ألف دينار (181 ألف دولار).
واعتبر المعهد أن إصلاح التدرّج الضريبي على الدخل من شأنه أن يفضي إلى إعادة توازن العبء الجبائي، من دون المساس بالقدرة الشرائية للأسر محدودة الدخل، وكانت تونس قد عدّلت، العام الماضي، مقاييس الضريبة على الدخل في إطار مشروع العدالة الجبائية، عبر الترفيع في نسبة الضرائب إلى مستوى يصل إلى 40% لمن تجاوز دخلهم السنوي 70 ألف دينار (24 ألف دولار)، ووفق موقع “Trading Economics”، يبلغ معدل ضريبة الدخل الشخصي في تونس 35% منذ عام 2004 وحتى عام 2025. ويُقصد بضريبة الدخل الشخصي الضريبة المفروضة على الأفراد وعلى مصادر دخل مختلفة، مثل الأجور، والتقاعد، والفوائد، والأرباح.
كذلك قالت دراسة المعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية إن الامتيازات الضريبية تكبّد الدولة خسارة تعادل 2.8% من الناتج المحلي الإجمالي، حيث تستفيد من هذه الإجراءات الجبائية الاستثنائية غالبًا قطاعات معيّنة دون تقييم منتظم لنجاعتها الاقتصادية.
وأوصت الدراسة بمراجعة شاملة للامتيازات الضريبية، مع الإلغاء التدريجي لتلك التي لم يُثبت أثرها على الاستثمار والتشغيل، مؤكدة ضرورة توسيع الوعاء الجبائي بدل الترفيع في النِّسَب على الملتزمين بالتصريح.
كما اقترح المعهد تغيير معايير الجباية البيئية عبر إدخال ضريبة كربون تصاعدية لتعويض عدد من الضرائب البيئية ضعيفة المردودية.
ويأتي ذلك في سياق تجاوز دعم الطاقة 7 مليارات دينار في سنة 2023، ما يخلق تناقضًا بين السياسة الميزانية والأهداف المناخية، وبحسب المعهد، فإن جباية بيئية مُحكمة التصميم يمكن أن توفّر موارد جديدة وتوجّه السلوكيات الاقتصادية، مع إعادة توزيع جزء من العائدات على الأسر للحفاظ على القبول الاجتماعي.
ويمثّل الاقتصاد الرقمي، بحسب الدراسة ذاتها، مصدرًا مهمًا للضرائب المهدورة في تونس، إذ أقرت البلاد منذ عام 2019 ضريبة على الخدمات الرقمية دون أن تُطبّق فعليًا، وبالمقارنة، أقرّ السنغال سنة 2024 أداءً على القيمة المضافة بنسبة 18% على الخدمات الرقمية، محققًا أكثر من 1.7 مليون دولار في أقل من عام، وعليه، أوصى المعهد بالتنفيذ الفعلي لجباية المنصّات الأجنبية الناشطة في السوق التونسية، لالتقاط جزء من القيمة المضافة المتولّدة محليًا.
كذلك تضمّنت التوصيات ضرورة الرقمنة الشاملة للإدارة الجبائية، عبر الربط الآلي بين الإدارة العامة للأداءات، والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، والجمارك، والسجل الوطني للمؤسسات.
وحثّ المعهد على اعتماد تقاطع منهجي للمعطيات لتوجيه عمليات المراقبة والحدّ من التهرّب، دون زيادة الضغط الجبائي الإجمالي، مع القطع النهائي مع الإصلاحات الجزئية السابقة، وفي المقابل، اقترح إصلاحًا متدرّجًا محدّد الكلفة، مدعومًا بمؤشرات أداء وآلية قيادة مؤسسية مخصّصة، من خلال التركيز على توسيع الوعاء الجبائي، وتحسين الأداة الإدارية، وتعزيز الحوكمة، قبل أي ترفيع في النِّسَب.
وتؤكد منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، في تقرير لها، أن تونس تمتلك أعلى نسبة عائدات جبائية في أفريقيا بعنوان الاقتطاعات لفائدة التغطية الاجتماعية، بنسبة 25.7%، مقابل 7.4% كمعدل عام للقارة الأفريقية، و24.8% في الدول الغنية التابعة للمنظمة.
وتتوقع تونس خلال العام المقبل تحصيل ضرائب بقيمة 47.7 مليار دينار (16.4 مليار دولار)، أي ما يفوق 89% من مجموع مداخيل الدولة لسنة 2026، المقدّرة بنحو 52.5 مليار دينار (18 مليار دولار).
العربي الجديد


















