يحيى دايخ*
بناءً على تجميع وتحليل تصريحات إعلامية وصحافية منسوبة لمصادر مسؤولة في البيت الأبيض والخارجية الأمريكية، ومصادر دبلوماسية وفي الداخلية اللبنانية، وصحف ومواقع “إسرائيلية”. يُستنتج بتحليلها عدة المؤشرات يمكن استخلاصها برؤية ماكروية استراتيجية توضّح المشهد الإقليمي واللبناني في هذه المرحلة الدقيقة بحال أن هذه المصادر صدقت.
من خلال هذا التحليل الماكرو الذي يأخذ بالاعتبار البعد الجيوسياسي، والدبلوماسي، والعسكري، في سياق الصراع القائم يتبين التالي:
أولاً: التحليل العام
1. فشل المسار الدبلوماسي لنزع سلاح المقاومة:
– التصريح النسوب للرئيس الأميركي بأن المسار الدبلوماسي وصل إلى “طريق مسدود” يعكس إدراك واشنطن أن الضغط السياسي الداخلي (عبر حكومة نواف سلام وعملائها أو الوفد المدني) لم يحقق هدفه.
مما يترتب عليه إعادة وضع خيار التصعيد الأمني والعسكري على الطاولة، لكن ليس كخيار فوري بل كجزء من عملية ردع مركّبة وهجينة بانتظار نضوج التوقيت السياسي الإقليمي المناسب.
2. ماذا يعني تشكيل وفد مدني متعدد الطوائف:
بحسب مصادر دبلوماسية وفي وزارة الداخلية عن تطعيم شخصية شيعية وأخرى سنية بالوفد اللبناني في الميكانيزم، وعن تمديد الإنتخابات.
– إن إدخال شخصية شيعية وسنية للوفد، هو محاولة لإضفاء شرعية وطنية وتمثيل طائفي جامع على خيار التفاوض غير المباشر مع العدو، وقد يكون تمهيدًا لصيغة “ما بعد الحرب” أو تدويل الصراع الداخلي حول سلاح المقاومة.
3. تأجيل الانتخابات النيابية:
– مما لا شك فيه أن التأجيل المحتمل لسنة أو سنتين يعني وجود نية للاستثمار الطويل في الحكومة الحالية بصيغتها الحالية بهدف تحقيق أجندتها الوظائفية، وبالتالي الحفاظ على التوازن السياسي الذي يتيح للغرب الضغط على المقاومة من خلال الأدوات الداخلية.
4. دعم عسكري أميركي محدود للجيش اللبناني:
– إن الدعم المعلن عنه أمريكياً ليس هبة ولكن بيع بمبلغ (34.5 مليون $) هو هدف رمزي أكثر من كونه ميداني.
وبالتالي، هو رسالة دعم للجيش كبديل محتمل عن سلاح المقاومة (الواجب إتلافه كشرط أساسي) في المرحلة المقبلة، وتغذية خطاب “حصرية السلاح بيد الدولة”.
5. تأجيل العمليات الإسرائيلية حتى لقاء نتنياهو – ترامب:
في الموقع “الإسرائيلية” ورد خبر متقاطعة عن تأجيل العمليات الإسرائيلية لما بعد لقاء ترامب – نتنياهو ما يفيد:
– أن هذا يشير إلى أن الحسم العسكري أو التصعيد مرتبط بتوافق أميركي – إسرائيلي أعلى مستوى، خصوصًا في ضوء عودة ترامب المحتملة أو دور مستشاريه.
– يمكن أن يُفهم أن هناك قرارًا بالتريث حتى تثبيت معادلات إقليمية ودولية أكبر.
ثانياً: دلالات المشهد العام
1. تحضير لحرب أو لتسوية على نار هادئة:
– جميع المؤشرات تشير إلى أن المنطقة أمام احتمالين:
– إما تصعيد عسكري واسع النطاق بعد الفشل الدبلوماسي.
– أو طبخ تسوية مشروطة بفرض توازنات داخلية جديدة في لبنان، عبر وفد تفاوضي وشخصيات يُطلق عليهم صفة “معتدلة”.
2. البيئة الداخلية اللبنانية قيد إعادة التشكيل:
– تأجيل الانتخابات + إضعاف المقاومة سياسيًا + تحريك الأدوات الداخلية = *تهيئة الساحة اللبنانية لقبول حل دولي لا يشمل المقاومة كطرف شرعي او ذو وزن سياسي*.
3. تصعيد غير مباشر أو قاعدة “التجفيف التدريجي”:
– المقاربة الحالية هي أقرب شيئ لعملية “الاحتواء الناعم”: ليس عبر اجتياح، بل عبر تشديد الخناق الأمني والعسكري والاقتصادي والثقافي والإجتماعي والدولي والسياسي على المقاومة، ونقل معظم الصراع من الجبهة العسكرية بشكل كلي إلى البيئة الداخلية اللبنانية.
ثالثاً: التوقعات والمسارات القادمة
1. في المدى القريب:
– تثبيت جمود الوضع الميداني على ما هو عليه مع تصعيد إعلامي وسياسي حاد وقاسي وتبنٍ لسياسات العدو تديره السفارة عبر أدواتها.
بالتالي يصبح تحرك الوفد المدني في دوائر التفاوض كمقدمة لتدويل أكبر ومسار تسووي أوسع.
2. في المدى المتوسط:
– زيادة الضغوط الداخلية عبر خطوات حكومية جديدة ما يحتم تُصاعد المواجهة مع بيئة المقاومة.
وبالتالي يؤدي الى بروز انقسام وطني أوسع وحاد حول “التسوية” المحتملة.
3. في المدى البعيد:
يتركز المشهد العام في لبنان في إتجاهين:
– إما حرب واسعة إذا فشلت خيارات التدجين السياسي.
– أو فرض تسوية إقليمية ودولية تشترط تقليص وحصر نفوذ المقاومة السياسي بعد نزع سلاحها، مقابل إعمار ورفع العقوبات.
رابعاً: إذا أضفنا على المشهدية
– شدة التصريحات الإيرانية المتزايدة عن الجاهزية العالية ضد أي عدوان عليها.
– التقارب الأردني السعودي ففي كانون الاول 2025، ركزت العلاقات السعودية الأردنية بشكل كبير على تنسيق المواقف الإقليمية، خاصةً فيما يتعلق بـ:
– ملف القضية الفلسطينية والتحضير لمؤتمر حل الدولتين المرتقب في حزيران 2026.
– استمرار التعاون في دعم جهود السلام في السودان وحوارات جدة.
بشكل عام، شهد ديسمبر 2025 استمراراً للعلاقات القوية والتنسيق المستمر بين الرياض وعمان حول القضايا الإقليمية الرئيسية، مع تركيز خاص على الملف الفلسطيني واستقرار المنطقة.
– التصريحات الروسية بأن تدخل أوروبا في مفاوضات أوكرانيا سيُفشل التفاوض.
إن هذه الإضافات والتحركات السياسية تُعطي التحليل بعدًا أوسع وأكثر إستراتيجية، وتُنذر بأن المشهد الإقليمي والدولي يتجه نحو مزيد من التوتر البنيوي العميق لا على مستوى الملفات فقط، بل على مستوى بنية النظام العالمي نفسه. وبالتالي في القراءة المركّبة لما تضيفه هذه المؤشرات:
*الأولى: التصريحات الإيرانية المتزايدة عن الجاهزية العالية*
أ. هي دلالة واضحة على تزايد احتمال توسّع الحرب إلى إيران إذا قررت “إسرائيل” المجازفة بضربة شاملة بدعم أمريكي.
ب. إيران ترسل رسائل ردع معلنة ومباشرة مفادها أنها جزء من أي معادلة إقليمية للحرب أو الردع، وليس مجرد داعم خلفي.
ج. هذا يعقّد حسابات “تل أبيب” وواشنطن، ويجعل خيار الحرب الشاملة خطرًا عالي الكلفة وغير مضمون النتائج.
د. من الناحية السلبية قد يعزز خيار “حرب المناطق الرمادية” أو التصعيد المحدود في لبنان دون تجاوز الخطوط الحمراء الإيرانية.
*الثانية: التقارب الأردني–السعودي في هذا التوقيت وأمام إستحقاقات المنطقة*
الاجتماعات والتنسيقات لم تُعلن أهدافها رسميًا، لكنها حملت إشارات أمنية–عسكرية بناءً على عناوينها التي يشير إلى محاولة سعودية لإعادة التموضع وتحديد دور لها إزاء التحولات الجيوسياسية التي تشهدها المنطقة أمام منافسة الإمارات العربية وقطر، خاصة مع تحولات السياسة الأميركية لإدراة النفوذ بالوكالة.
الثالثة: الموقف الروسي من أوكرانيا – أوروبا
أ. هذا يُظهر أن روسيا تتجه لتصعيد سياسي ودبلوماسي، وربما عسكري، إذا حاولت أوروبا القفز فوق الدور الروسي-الأمريكي في أي تسوية محتملة.
ب. يُضاف إلى ذلك تزايد مؤشرات التوتر “شرق المتوسط”، مما يعني أن روسيا لن تترك الساحة اللبنانية أو السورية مفتوحة دون ضمان مصالحها على المياه الدافئة.
ج. تداخل الأزمات بين أوكرانيا – الشرق الأوسط حتماً لن تبقى الإدارة الصينية بعيدة عنه، ما يجعل أي تصعيد في لبنان أو إيران أو اليمن جزءًا من “بنك أهداف” سياسي عالمي.
*خامساً: خلاصة استراتيجية*
1. إن احتمال الحرب الشاملة لم يُلغَ، لكن تأخر بسبب تعقيدات دولية متشابكة.
2. “الشرق الأوسط” لم يعد “هامشياً” كما تدّعي بعض تقارير الأمن القومي الأميركي، بل هو ساحة اختبار التوازنات الكبرى.
3. أي تصعيد في لبنان أو على إيران أو على اليمن سيؤدي إلى تحرك روسي–صيني دبلوماسي وربما لوجستي مضاد، وقد يُغلق باب التسويات في أوكرانيا التي يسعى ترامب جاهداً لإنهاءها ولو على حساب أوكرانيا.
4. التحالفات العربية–الأمريكية تُبنى الآن على أساس كبح تمدد المحور المقاوم لا محاربته مباشرة اي على مبدأ (الإحتواء الناعم الذي تحدثت عنه)، خوفًا من فتح جبهات غير محسوبة.
بالتالي إن المشهد العام يُنذر بأن لبنان ليس على عتبة انفجار عسكري فقط، بل أمام معركة على الهوية والسيادة والقرار الوطني.
والمسار الأميركي – الإسرائيلي يسعى لتحويل سلاح المقاومة إلى ملف داخلي لبناني قابل للتفاوض، عبر أدوات ناعمة، وربما لاحقًا بأدوات صلبة، إذا لم تُفلح المقاربات الحالية.
وعليه فالرد الاستراتيجي من المقاومة وبيئتها يجب أن يكون تحصيناً داخلياً أكثر فعالية، وخطاباً سيادياً، وتوسيع التحالف الوطني، قبل أن يُفرض حل جاهز يراد له أن يُقبر لبنان المقاوم كما يُخطط له الآن.
بالاستنتاج النهائي:
نحن أمام تشابك دولي–إقليمي غير مسبوق:
ف”إسرائيل” لا تستطيع التصرف منفردة فهوامشها مقيدة بالتنسيق العالي مع الأمريكي.
وأمريكا تتريث بسبب غموض المواجهة المفتوحة مع روسيا والصين.
كما أن إيران تُظهر جهوزية عالية لاختبار القدرات وخطوط النار.
وأخيراً التحالفات الخليجية–العربية تترقب وتتجهز لتأخذ او لتبني لها أدواراً ضمن هذه التحولات.
بالتالي، كل ذلك يعني أن المنطقة حبلى بتحول كبير: إما توازن ردع طويل المدى، أو انفجار إقليمي يُعيد ترسيم المعادلات الدولية من “الشرق الأوسط”.
*كاتب ومحلل سياسي

















