برعاية الرابطة الثقافية في طرابلس، وعدد من الهيئات الثقافية الفلسطينية والعربية، أُقيمت ندوة فكرية وأدبية مميزة حول كتاب «دموع على عتبات الفجر» للكاتب والإعلامي عماد أحمد العيسى، والصادر عن مركز الوفاق الثقافي للصحافة والطباعة والنشر والتوزيع وذلك في قاعة المؤتمرات بالرابطة الثقافية (طرابلس)، تزامنًا مع يوم التضامن العالمي مع الشعب الفلسطيني.
وشارك في رعاية وتنظيم الندوة كل من الملتقى الأدبي الثقافي الفلسطيني، جمعية الشبكة الثقافية الدولية من أجل فلسطين، المؤتمر الوطني الفلسطيني، البيت الفلسطيني في لندن وجمعية الوفاق الثقافية.
البداية كانت بالوقوف دقيقة صمت على أرواح الشهداء، إلى كلمة رئيس الرابطة الثقافية الصحافي د. رامز الفري والتي جاء فيها: “نجتمع اليوم في يوم التضامن مع الشعب الفلسطيني، هذا اليوم الذي لا نراه مجرد تاريخٍ على الروزنامة، بل نراه نداءً أخلاقيًا وإنسانيًا يذكّر العالم بأنّ فلسطين ليست قضية شعبٍ واحد، بل قضية كل إنسان يؤمن بالحرية والعدالة وكرامة الإنسان.
يسرّنا في الرابطة الثقافية أن نحتضن هذه الندوة حول كتاب «دموع على عتبات الفجر»، هذا العمل الذي لا يقدّم مجرد سردٍ للأحداث، بل يقدّم وجع وطن، وملحمة شعب، وصمودًا يصنع الفجر من قلب الدموع، نرحّب بمؤلف الكتاب الإعلامي الأستاذ عماد العيسى، الذي حمل قلمه كما يحمل المُقاومُ بندقيته، ليكتب بصدقٍ وشغف عن فلسطين… عن الناس، عن الأرض، عن الحلم الذي لا يموت.
كما نرحّب بالشاعر الصديق مروان الخطيب، الذي يعرف كيف يُلبس الكلمات ثوبًا من نارٍ ونور، ويحوّل الألم إلى قصيدة، والوجع إلى وعدٍ بالنصر”.
وأضاف: “لقد أراد الكاتب بهذا الكتاب أن يقول لنا: إن فلسطين ليست خبراً عابراً، وليست صورة تُنشر ثم تُنسى، فلسطين نبضُ أمٍ تبحث عن ابنها، وصوتُ طفلٍ يتعلّم الأمل رغم الركام، وشيخٌ يرفع مفاتيح بيته أمام العالم كي لا ينسى أحد أنّ هناك حقًا لن يسقط بالتقادم، وإذا كان الجرح الفلسطيني كبيرًا، فإنّ إرادة الفلسطيني أكبر، وإذا كانت الدموع تنزل عند عتبات الفجر، فإن الفجر آتٍ لا محالة”.
وختم: “في هذا اليوم نؤكد في الرابطة الثقافية أن ثقافتنا كانت وستبقى منحازة للإنسان… للحق… وللقضية التي وحدّت ضمائر الأحرار ونعلن أنّ منبرنا سيظل مفتوحًا لكل كلمة تحمل نورًا إلى فلسطين، ولكل قلمٍ يسهم في كتابة الوعي والمقاومة”.
شكرًا لكل مَن شارك في هذا اللقاء، وللهيئات الداعمة والمنظمات المشاركة، وشكرًا لكم جميعًا على حضوركم الذي يشبه رسالة دعم، نرسلها اليوم من طرابلس… إلى القدس، إلى غزة، إلى كل فلسطين”.
بعد ذلك كانت كلمة للأستاذ الشاعر مروان محمد الخطيب، والتي جاء فيها: “دموعٌ على عَتَبَاتِ الفَجر” لعماد العيسى: سَرديَّةُ النَّشيدِ لأَبجديَّةِ الانتصار…!
أن تكونَ أديباً، شاعراً، قاصَّاً، روائيَّاً، مسرحيَّاً، وسارداً لأَثرِ الخَفْقِ والكفاحِ مُنْدَغِمَينِ في نياطِ القلبِ وعلى أرضِ الواقعِ كأثرِ الفراشةِ في النَّبضِ والمُشتهى، معنى ذلك أنْ تكونَ عَتَبَةً مُشرَعَةً على نشيدِ الشَّمسِ في زمنِ العَتمةِ وحُلكةِ الظَّلام!
أمَّا لماذا استرجاعُكَ الذَّاكريُّ لِـ “رجالٌ في الشَّمس”، روايةِ غسَّان كنفاني الأولى التي صدرتْ في العام 1963م، ولِـ “آهٍ يا بيروت”، مُؤلَّفِ رشاد أبو شاور المُدَوِّنِ خواطرَه ويوميَّاتِه في حصارِ مدينةِ بيروت سنة 1982م وأنتَ تقرأ “دموعٌ على عَتَبَاتِ الفجر”… أَلأَنَّكَ مُشْرِفٌ في مُتُونِ الأعمالِ الأدبيَّةِ المذكورةِ على رابطٍ مشتركٍ بينَ وجعِ اللَّاجئ في أثرِ كنفاني، وإرادةِ المُقاوِم والصَّامد في سِفر أبي شاور، وهِمَّةِ وصبرِ الفينيقِ الغزَّاويِّ وهو يواجهُ آلةَ ومجازرَ التَّوحُّشِ والدَّمارِ التي يمارسُها الصَّهاينةُ المجرمون في غزةَ قتلاً وتخريباً وتجويعا، كما أظهرَ وأبانَ عمادُنا في سِفرهِ النَّبُوضِ بالوجعِ والصَّبرِ والأملِ بالانتصار!”.
وأضاف: “ويلفتُ قارئ (دموعٌ على عتباتِ الفجر)، تذكيرُ كاتبها ومبدعها بِفلسفةٍ دلاليَّةٍ لواقعِ الثَّقافة، والتي ترتقي إلى حقيقةِ وفحوى الهُويَّةِ، والحضارة التي تعني بدورها “مجموع المفاهيم عن الحياة”، فيذكرُ العمادُ في الفصل الثاني والثلاثين جملةً من المقولات في الثقافةِ وحيثياتها، ومنها: “الثقافةُ هي السِّلاحُ الأقوى في زمن الحرب. إذا فقدنا هُويَّتنا، نفقدُ كلَّ شيء”، “إنَّ الثقافةَ ليستْ ترفاً أو رفاهيةً، إنَّها قوَّةٌ تُغَيِّر، ووعيٌ يزرعُ البذورَ في نفوسنا كي لا ننسى مَنْ نحن” و”المقاومة ليستْ فقط بالجسد، بل بالعقلِ والقلب. ولو تراجعنا، ما عادت الأرضُ لنا”.
إنَّ المراميَ البليغةَ التي تحتملها دلالةُ الثَّقافة، هي التي حدتْ بصاحبنا إلى التَّأكيد على لزوميَّتها في السَّبيل المؤديةِ إلى بلوغ الفجرِ وتشييد الأمان والاطمئنان وراحة البال. فالثَّقافة في أبعادها المعنويَّةِ تتضمنُ دلالةَ الحضارةِ التي هي “مجموع المفاهيم عن الحياة”، لذا يحملنا العمادُ في مُبْدَعِهِ الأدبيِّ إلى سَرْدٍ رُؤيويٍّ يؤكِّدُ على توافرِ لزوميَّاتٍ قيميَّةٍ يصعدُ إلى أعلاها الصَّبرُ معانقاً الأملَ بالظُّهورِ والظَّفرِ”.
وكانت كلمة المؤلف الأستاذ عماد أحمد العيسى حيث قدّم تفاصيلَ تناول فيها الأساس السياسي والقانوني للقضية الفلسطينية، متوقفًا عند القرار 181 (قرار التقسيم) وظروف صدوره عام 1947، وما حمله من ظلم تاريخي للشعب الفلسطيني، قبل أن ينتقل إلى القرار 194 الذي يُعدّ المرجعية القانونية لحق العودة.
وأشار العيسى إلى أنّ قبول عضوية الكيان الصهيوني في الأمم المتحدة عام 1949 كان مشروطًا بالتزامه بالقرارين 181 و194، وهو شرط لم يُحترم، بل جرى تجاهله بالكامل، لتستمرّ عمليات الاحتلال والتهجير والاستيطان، ودعا المؤلف المثقفين والأكاديميين والباحثين إلى تكثيف الجهود لإنتاج الرواية الفلسطينية الأصيلة، باعتبارها الرواية الحقيقية في مواجهة الرواية الصهيونية عالميًا، مؤكدًا أن الكلمة لا تقلّ أهمية عن الفعل المقاوم، وأن الوعي هو خط الدفاع الأول .
وختم العيسى بالإشارة إلى كتابه «دموع على عتبات الفجر»، معتبرًا أنه عمل يجمع بين الوجع الإنساني والسرد الأدبي، وأنه محاولة لتوثيق صمود الشعب الفلسطيني، وإبقاء الذاكرة حيّة في وجه محاولات الطمس والتزييف .
وفي الختام وقّع الكاتب إصداره الجديد للحضور.
















