تتجه سلطات تونس نحو تعديل النظام الضريبي مجدداً ضمن قانون الموازنة لعام 2026 في إطار خطة تحقيق العدالة الجبائية، والحد من الفوارق بين مختلف الشرائح الاجتماعية ودعم القدرة الإنفاقية للمواطنين.
وأظهرت ملامح مشروع الموازنة للعام المقبل أن السلطات تنوي تطبيق حزمة إجراءات اجتماعية جديدة، من ضمنها تخفيف العبء الضريبي على الأفراد، وتنويع مصادر تمويل الصناديق الاجتماعية بهدف إرساء نظام تغطية شامل وتدعيم الصحة العمومية والوقاية والأمن الصحي.
وتضمنت حزمة الإجراءات الاجتماعية إحداث وظائف وتشجيع الناشطين في القطاع غير المنظم والموازي على الانخراط في الاقتصاد الرسمي، وفتح التوظيف في القطاع الحكومي، مع مقاومة التشغيل الهش ومنع المناولة ودعم العمل اللائق وضمان الحماية الاجتماعية.
والعام الماضي أقرت تونس ضمن قانون الموازنة تعديلاً على السلم الضريبي في إطار خطة تحقيق العدالة الجبائية بين المواطنين، حيث جرى الترفيع في الضريبة على الدخل إلى 40% ممن يفوق دخلهم السنوي 50 ألف دينار، مقابل خفض الضريبة على الشرائح التي يقل دخلها السنوي عن 20 ألف دينار. كذلك اعتمدت السلطات الضريبة التصاعدية في مادة الضريبة على الدخل في ما يخص الأفراد والضريبة على الشركات.
ومن المتوقع أن تحيل الحكومة يوم 15 أكتوبر/تشرين الأول القادم مشروع قانون الموازنة للعام 2026 على البرلمان من أجل مناقشته، وقال مقرر لجنة المالية في البرلمان عصام شوشان إن الحكومة أحالت على مجلس نواب الشعب وثيقة تضمنت التوجهات الكبرى لمشروع الموازنة، وفيه جملة من الإجراءات الاجتماعية، من بينها تحسين العدالة الضريبية بين طبقات المجتمع والقضاء على مختلف أشكال التشغيل الهش، إلى جانب توفير مزيد من مواطن الشغل لفائدة حاملي الشهادات الجامعية.
وأكد شوشان في تصريح لـ”العربي الجديد” أن الحكومة اعتمدت في إعداد قانون الموازنة للعام القادم على جملة من المؤشرات العالمية المتعلقة بنسبة النمو والتضخم وسعر برميل النفط. وأضاف: “تساعد مؤشرات الاقتصاد العالمي على تحديد ملامح مؤشرات الاقتصاد المحلي، حيث يتوقع أن يحقق الاقتصاد العالمي العام القادم نسبة نمو تصل إلى 3% مقابل 2.8% هذا العام، كما يُرجَّح أن تنخفض نسبة التضخم العالمي من 4.3% عام 2025 إلى 3.6% بنهاية سنة 2026 مع استقرار سعر برميل النفط عند 63 دولاراً”.
ورجّح مقرر لجنة المالية أن تكون أهداف مؤشرات الاقتصاد التونسي، التي سيتم تضمينها في مشروع قانون الموازنة للعام القادم، متقاربة مع المؤشرات العالمية. واعتبر أن حزمة الإجراءات الاجتماعية المعلَنة ستكون مهمة لمزيد تحسين الوضع المعيشي للمواطنين.
وواجهت موازنة العام الحالي انتقادات شديدة بسبب زيادة الضغط الضريبي على شرائح الأجراء. ووفق بيانات هيئة الخبراء المحاسبين تصل نسبة الضغط الجبائي العامة في تونس إلى 25.1% خلال العام الحالي، مسجلة ارتفاعاً مقارنة بسنة 2023، ما يجعل نسبة الاقتطاعات العمومية الإجبارية تتجاوز 34%، وهي الأعلى في أفريقيا، كذلك كشفت دراسة تحليلية للمعهد التونسي للقدرة التنافسية والدراسات الكمية (حكومي) ارتفاع العبء الضريبي على العمل بأجر في تونس ليبلغ 34.85%.
وأوصت الدراسة بمراجعة المنح المقدمة للأسر والمكملة للرواتب التي تصبح بمرور الزمن غير مواكبة للتحولات ولا تلبي تطلعات الموظفين، إلى جانب الدعوة إلى مراجعة الإنفاق الضريبي والاجتماعي الممنوحة بعنوان حوافز الاستثمار، وسط مطالبات بإيجاد مصادر جديدة لتمويل الموازنة، حيث إن تصعيد الضغط الجبائي على الموظفين والمهن المنظمة سيزيد من إرهاقها، مقابل توسع الأنشطة الموازية التي باتت تستحوذ على أكثر من 50% من اقتصاد البلاد.