بداية مرحلة جديدة
إن إقرار الأردن لقانون تنظيم التعاملات بالأصول الافتراضية (القانون رقم 14 لسنة 2025) لا يمكن اعتباره مجرد تعديل تشريعي عابر، بل هو إعلان عن دخول المملكة مرحلة جديدة من الاقتصاد الرقمي، بعد سنوات كان فيها التعامل مع العملات والأصول الافتراضية في المنطقة بين الحظر والتحذير، بات اليوم هناك إطار قانوني واضح يوفّر الثقة للمستثمرين، ويمنح الأفراد مساحة آمنة للتعامل، ويؤسس لبنية اقتصادية مرنة قادرة على مواكبة التحولات العالمية.
فوائد تنعكس على السوق المحلي وتدعم الاقتصاد الوطني
أبرز ما يقدمه القانون هو الشرعية والتنظيم. لم يعد التعامل بالعملات المشفرة أو المحافظ الرقمية نشاطاً محفوفاً بالمخاطر القانونية، بل أصبح تحت إشراف الدولة، هذا يتيح للأفراد الاستثمار والتداول بثقة من خلال الشركات، ويوفر للشركات أساساً قانونياً لتقديم خدماتها دون خوف من عواقب قانونية.
القانون يعزز أيضاً حماية المستثمرين من خلال الترخيص الإلزامي لمزودي الخدمات، وفصل أموال العملاء عن أموال الشركات، واعتماد معايير صارمة لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، هذه الخطوات تحمي سمعة السوق الأردني وتزيد من جاذبيته أمام المستثمرين الدوليين، كما يسهم في تحفيز الابتكار وجذب الاستثمارات.
وجود إطار قانوني يمنح الشركات الناشئة فرصة لتطوير حلول في مجالات البلوك تشين، المحافظ الرقمية، والأصول الافتراضية. بالنسبة للأردن، الذي يمتلك طاقات شبابية مؤهلة، قد يكون هذا القانون الشرارة لإطلاق شركات ريادية قادرة على المنافسة إقليمياً.
وعلى المستوى الكلي، يمكن أن يخلق القانون وظائف جديدة في البرمجة، الأمن السيبراني، تحليل البيانات، وإدارة المخاطر، إلى جانب تسهيل التجارة الإلكترونية والتحويلات المالية عبر الحدود بكلفة أقل، كما قد تستفيد الدولة من إيرادات جديدة عبر الرسوم والضرائب، في وقت تسعى فيه لتنويع اقتصادها وتعزيزه.
التحديات: فرص لتحسين الإطار القانوني
رغم أهمية القانون، فإنه يبقى خطوة أولى في مسار طويل يحتاج إلى تطوير مستمر.
من أبرز الجوانب التي تحتاج إلى مزيد من التوضيح هو تصنيف فئات الأصول الافتراضية، فهذا المفهوم واسع ويشمل أشكالاً متعددة، من بينها:
* العملات المشفّرة التقليدية (Cryptocurrencies): مثل بيتكوين وإيثيريوم، التي تتسم بتقلبات عالية ومخاطر استثمارية كبيرة.
* الرموز المميزة للخدمات (Utility Tokens): تمنح أصحابها حق الوصول إلى منتجات أو خدمات داخل منصات رقمية.
* الرموز الأمنية ( Security Tokens): تمثل حصصاً استثمارية أو حقوق ملكية، وتستدعي ضوابط شبيهة بالأوراق المالية.
* الرموز المدعومة بأصول (Asset-Backed Tokens): ترتبط بالذهب أو العقار أو سلع أخرى، بهدف تقليل المخاطر عبر أصول حقيقية.
* العملات المستقرة (StableCoins) والرموز غير القابلة للاستبدال (NFTs): التي ما زالت تثير نقاشاً عالمياً حول كيفية وضع الأطر التنظيمية لها.
لكل فئة من هذه الأصول طبيعتها القانونية ومخاطرها التقنية والمالية، ما يستلزم معايير وضوابط خاصة، كما يبقى هناك سؤال جوهري: هل يخضع المتداول الفردي الذي يجري صفقات محدودة لمتطلبات الترخيص، أم أن التنظيم يقتصر على الشركات ومزودي الخدمات فقط؟
إضافة إلى ذلك، قد تشكّل التكاليف والمتطلبات المالية عبئاً على الشركات الناشئة، ما يستلزم إطاراً مرناً يوازن بين حماية السوق وتشجيع الابتكار، وهنا يبرز دور البنك المركزي الأردني وهيئة الأوراق المالية في الإشراف على التنفيذ بفاعلية، من خلال كوادر مؤهلة وأدوات تقنية متقدمة قادرة على مواكبة التطورات وبناء اطر تنظيمية تسيطر على المخاطر مشابهه لإطار الأمن السيبراني للقطاع المالي ولكن مختص للشركات التي تقدم خدمات العملات الرقمية المشفرة.
أما المخاطر فهي متعددة، على سبيل المثال لا الحصر:
- الاستغلال غير المشروع مثل غسل الأموال، تمويل الإرهاب أو التهرب الضريبي.
- الخصوصية والأمن السيبراني كما ذكر سابقاً مع تزايد الاعتماد على المحافظ والمنصات الرقمية.
كل هذه التحديات يجب أن تُنظر إليها كفرص لتطوير الإطار القانوني وتعزيز الثقة، بما يضمن حماية المستخدمين واستقرار السوق ودعم الاقتصاد الوطني.
وأخيراً، نحو مستقبل رقمي آمن ومستدام
إذا ما جرى استكمال القانون بلوائح تنفيذية واضحة، وتنظيم ضريبي شفاف، وأطر مرنة، فإن الأردن يمتلك فرصة حقيقية للتحول إلى مركز إقليمي للتكنولوجيا المالية. هذا التحول لن يكون اقتصادياً فقط، بل اجتماعياً أيضاً، عبر تعزيز الشمول المالي وتمكين غير المتعاملين مع البنوك من دخول النظام المالي.
المسؤولية الآن لا تقع على القانون وحده، بل على المؤسسات المنفّذة والشركات والمستثمرين وحتى الأفراد. فإذا اجتمع التنفيذ الشفاف مع الحوكمة القوية والتثقيف العام، فإن الأردن قادر على بناء بيئة رقمية آمنة تدعم الدينار الأردني وتفتح آفاقاً جديدة للاستثمار والابتكار، بما يمنح الاقتصاد الوطني دفعة يحتاجها في ظل التحولات الإقليمية والعالمية.
وكالة عمون