تفيد معلومات متطابقة حصل عليها “العربي الجديد” بأن الحكومة السورية تعتزم إصدار أوراق نقدية بديلة وحذف صفرين من أوراق البنكنوت المتداولة، وذلك بهدف تسهيل التعاملات النقدية وتحسين السيولة المالية، وتعاني الليرة السورية منذ سنوات تدهوراً حادّاً في قيمتها مقابل الدولار الأميركي، ما أدى إلى صعوبة المعاملات اليومية وارتفاع الأسعار بشكل كبير في الأسواق المحلية.
وقال مصدر مسؤول من مصرف سورية المركزي، لـ”العربي الجديد”، إن الحكومة أبرمت عقداً مع شركة غوزناك الروسية لطباعة الأوراق النقدية البديلة، ضمن خطة إصلاح العملة الوطنية وحذف صفرين منها.
وأوضح المسؤول أن العقد وُقع خلال زيارة وفد سوري رفيع المستوى إلى موسكو في أواخر تموز/ يوليو 2025، حيث جرى الاتفاق على طباعة الأوراق التي ستدخل حيز التنفيذ في 8 كانون الأول / ديسمبر 2025.
وأضاف المسؤول أن شركة غوزناك، وهي شركة روسية حكومية متخصصة في طباعة الأوراق النقدية والعملات المعدنية، سبق لها طباعة العملة السورية في عهد الحكومة السابقة، مما يجعلها شريكاً مألوفاً ويعكس استمرار العلاقات الاقتصادية بين البلدين. كما أشار إلى أن غوزناك نفذت عقوداً سابقة مع الحكومة السورية، منها طباعة مئات الملايين من الأوراق النقدية من فئة 1000 ليرة سورية في عام 2014، لصالح البنك المركزي السوري، حيث تم استيراد شحنة من الأوراق النقدية بقيمة 60 تريليون ليرة سورية، بتكلفة طباعة تقدر بحوالي 6 ملايين دولار أميركي، أي ما يعادل أكثر من 10% من قيمة الشحنة بالدولار الأميركي.
وأكّد المسؤول أن الحكومة السورية كانت قد أنهت بعض الاتفاقيات السابقة مع غوزناك في أيار/ مايو 2025، وتوجهت إلى طباعة العملة في دول أخرى مثل الإمارات وألمانيا بعد رفع بعض العقوبات الأوروبية، إلا أن العودة إلى التعاون مع غوزناك جاءت لضمان تنفيذ خطة الإصلاح النقدي بشكل سريع وآمن.
وقال الخبير الاقتصادي عامر شهدا لـ”العربي الجديد” إن حذف الأصفار من العملة “خطوة شكلية تهدف أساساً إلى تسهيل التعاملات النقدية اليومية، لكنها ليست حلاً لمشكلة التضخم”، وأوضح أن “العملية قد تساعد المواطنين على حمل الأموال بشكل أكثر سهولة، وتقليل حجم المعاملات النقدية الكبيرة، لكنها لا تعالج الأسباب الاقتصادية الجوهرية لضعف الليرة مثل انخفاض الإنتاج المحلي، وتراجع الصادرات، وانتشار سوق الدولار الموازي”.
وأضاف شهدا أن العملية ستساهم في تحسين الرقابة على النقد المتداول، خصوصًا مع وجود نحو 40 تريليون ليرة سورية خارج النظام المالي الرسمي، وهو ما يمنح الحكومة قدرة أكبر على تتبع التدفقات المالية وتقليل عمليات التهريب والضياع النقدي، لكنه حذر من أن الأموال المهربة قد تتم معالجتها من قبل أصحابها عبر شراء الدولار وتهريبه، مما قد يؤدي إلى زيادة عرض الليرة بشكل فعلي ويؤثر على السيولة والاستقرار المالي.
وأكد الخبير أن العملية لها “أبعاد رمزية وسياسية أيضاً، إذ تشير إلى قدرة الحكومة على تنفيذ إصلاحات نقدية وتنظيمية بعد سنوات من الانهيار المالي، لكنها تحتاج إلى تكامل مع سياسات اقتصادية أوسع، تشمل دعم الإنتاج المحلي، والسيطرة على الأسعار، وإعادة إطلاق النشاط التصديري، وضبط سوق الصرف غير الرسمي، لضمان أن تكون هذه الخطوة فعّالة على أرض الواقع”.
من المتوقع أن تبدأ البنوك السورية باستبدال الأوراق النقدية القديمة بالجديدة اعتبارًا من منتصف تشرين الأول/ أكتوبر 2025، مع فترة انتقالية تمتد حتى 8 كانون الأول/ ديسمبر 2026، حيث سيتم التعامل بالعملتين القديمة والجديدة بالتوازي، وتهدف هذه المرحلة إلى تمكين المواطنين من استبدال أموالهم القديمة تدريجياً، وتسهل عليهم إجراء معاملاتهم المالية اليومية من دون اضطراب كبير.
ويرى خبراء أن هذه الخطوة، رغم أهميتها في تحسين السيولة وتسهيل التعاملات، قد لا تؤثر على القدرة الشرائية للمواطنين إذا لم يصاحبها إصلاحات اقتصادية أوسع، بما في ذلك دعم الإنتاج المحلي، وضبط الأسعار، والسيطرة على سوق الدولار الموازي، الذي يهيمن على الاقتصاد السوري منذ سنوات.
من المتوقع أن تكون تكلفة طباعة الأوراق النقدية الجديدة في روسيا مشابهة للتكاليف السابقة، إذ كانت تكلفة طباعة الأوراق النقدية في روسيا تراوح بين 0.25 و0.30 دولار أميركي لكل ورقة من فئة 5000 ليرة سورية، على سبيل المثال، في عام 2012، جرت طباعة أوراق نقدية جديدة في روسيا وضخها في النظام المصرفي السوري بهدف تمويل العجز المالي، مما رفع معدل التضخم.