يدور جدل واسع حول القواعد التنظيمية في الكويت لتملك الأجانب العقارات، وتأثيرها المحتمل على المواطنين، خاصة الأجيال الشابة التي تطمح لامتلاك مساكنها الخاصة، إضافة إلى التساؤل حول ما إذا كانت هذه الخطوات ستشكل عائقاً أمام الاستثمار الأجنبي أم سترسخ منظومة أكثر توازناً بين جذب رأس المال الخارجي وحماية النسيج الاجتماعي المحلي. ويشير الخبير في مركز استشارات اقتصادية في لندن، علي متولي، لـ”العربي الجديد”، إلى أن مشروع الكويت لتنظيم تمليك الأجانب للعقارات يأتي بوصفه خطوة استراتيجية تهدف إلى تحقيق توازن دقيق بين فتح المجال أمام الاستثمار الخارجي وحماية السوق المحلية من التقلبات غير المبررة، في سياق يسعى إلى تعزيز الاستقرار الاقتصادي وتنويع مصادر الدخل.
ولا يقتصر الهدف على حماية المواطنين من ارتفاعات الأسعار المفرطة، حسب ما يرى متولي، بل يمتد إلى بناء بيئة عقارية منضبطة ومستدامة تسهم في جذب رؤوس الأموال دون التفريط في السيطرة على القطاع العقاري، معتبراً أن التعديل الأخير في قانون تمليك العقارات يمثل خطوة عملية في هذا الاتجاه، إذ يسمح للشركات المسجلة في بورصة الكويت، وشركات الرخص العقارية، وصناديق الاستثمار المرخصة، بامتلاك عقارات سكنية أو تجارية بهدف التشغيل أو سكن الموظفين، ضمن ضوابط صارمة تضمن الشفافية والالتزام. ويلفت متولي إلى تمديد مهلة تسوية الإرث من سنة إلى سنتين بالنسبة للورثة العرب، مع إمكانية الإعفاءات الوراثية في حال كانت الأم كويتية، ما يعكس مرونة قانونية تراعي البعد الاجتماعي، حسب رأيه.
وعلى صعيد الأجانب من خارج دول مجلس التعاون، يشترط المشروع الجديد أن يكون المستثمر مقيماً في الكويت لمدة عشر سنوات على الأقل، ويُسمح له بتملك وحدة سكنية واحدة بمساحة لا تتجاوز ألف متر مربع، وبموافقة حكومية مسبقة، وهي القيود التي يعزوها متولي إلى رغبة الدولة في منع المضاربة العقارية واحتكار الوحدات السكنية، والتي قد تؤدي إلى ارتفاع الأسعار بشكل يفوق قدرة الشريحة المتوسطة من المواطنين.
ويشدد متولي إلى أن هكذا شروط لا تستدعي بالضرورة إغلاق الباب أمام الاستثمار، بل تنظيمه بطرق تحفظ مصلحة السوق والمجتمع معاً، لافتاً إلى أن أهم التداعيات المباشرة لهذا المشروع تتمثل في تأثيره على الشباب الكويتي، إذ إن زيادة الطلب على العقارات في المناطق المرغوبة قد يؤدي إلى ارتفاع الأسعار، ما يُبطئ من قدرة الفئة الشابة على امتلاك المسكن الأول.
لكن في المقابل، إذا رافقت هذه السياسة خطوات فعالة لتوسيع المعروض السكني وتشجيع الاستثمار في الإسكان المتوسط. كما قد تُسهم في تنشيط الاقتصاد المحلي وتقليل الضغط على الميزانية العامة، بحسب متولي، مشيراً إلى أن النتائج الإيجابية يمكن أن تظهر من خلال عوائد ضريبية ورسوم ترخيص، بالإضافة إلى تحفيز نشاطات اقتصادية مرتبطة بالبناء والتشييد.
أما على مستوى جذب الاستثمار الخارجي، فإن النظام الجديد في الكويت يُظهر تحولاً ملحوظاً من سياسة الانغلاق إلى نهج أكثر انفتاحاً وشفافية، مع الحفاظ على ضوابط محسوبة تضمن السيطرة على السوق، ورغم وجود حد أدنى من الأصول المطلوبة وتعقيد طفيف في الإجراءات، فإن هذه العوامل لا تشكل عائقاً حقيقياً أمام المستثمرين، بل تُسهم في تعزيز ثقتهم ببيئة الاستثمار في الكويت، بحسب تقدير متولي.
ويخلص الخبير الاقتصادي إلى أن التوجه الجديد بشأن تملك الأجانب للعقارات في الكويت مرشح لنتائج إيجابية، مشيراً إلى أن الدولة الخليجية سجلت في عام 2024 نمواً بنسبة 34% في قيمة الصفقات العقارية مقارنة بالعام السابق، نتيجة لعوامل متعددة منها ارتفاع الدخل المحلي، وتسهيل إجراءات التأشيرات، وانخفاض أسعار الفائدة، ما يعكس ديناميكية السوق وقدرتها على التجاوب مع التغيرات الإيجابية.
وفي السياق، يشير الخبير الاقتصادي، محمد رمضان، لـ”العربي الجديد”، إلى أن السماح للأجانب بتملك العقارات في الكويت يأتي في سياق حالتين رئيسيتين: الأولى إنسانية، تتعلق بتملك أبناء الكويتيات لآباء غير كويتيين، والثانية اقتصادية، تهدف إلى جذب المستثمرين الأجانب وتشجيعهم على الدخول إلى السوق العقاري المحلي، لافتاً إلى أن هذه الخطوة تمثل توجهاً إيجابياً، خاصة في ظل بقاء الاستثمارات الأجنبية في الكويت عند مستويات ضعيفة نسبياً مقارنة بدول المنطقة، ما يستدعي اتخاذ إجراءات تحفيزية لتحسين بيئة الاستثمار.
ويرى رمضان أن أثر هذه السياسة على سوق الإسكان المحلية سيكون محدوداً، و”لا يذكر” بالنسبة لانعكاسه المباشر على أسعار المنازل للمواطنين، لأن طبيعة استثمارات الأجانب ستكون مركزة على وحدات سكنية محددة، وغالباً ما تكون مرتبطة بمشروعات تجارية أو استثمارية وليس بالسكن العائلي المباشر، ما يعني أن خطوة تملك الأجانب لا تمثل تهديداً للتوازن الاجتماعي أو السكاني، بل تفتح مجالاً لتنويع المعروض العقاري بطرق منظمة. ويضيف رمضان أن السماح للمستثمرين الأجانب بتملك عقارات في الكويت يعد عاملاً محتملاً لجذب رؤوس أموال جديدة، خاصة إذا صاحبته سياسات داعمة، مثل تسهيل الإجراءات وشفافية التداول، لكنه يشدد على أن التأثير الفعلي لتشريعات كهذه لا يمكن قياسه في الوقت الحالي، لأن التجربة لا تزال في مراحلها الأولى، وتحتاج إلى مزيد من الوقت للتطبيق على أرض الواقع واختبار آلياتها، ومن ثم تقييم نتائجها.
وهنا يلفت رمضان إلى أن إجراء تعديلات مستقبلية على القانون أمر طبيعي، سواء كانت لتصحيح مسار التجربة أو لتعزيز جاذبيتها، خاصة إذا أظهرت المؤشرات أن الأثر محدود أو أن هناك مخاطر غير متوقعة.
ففي حال أثبتت التجربة نجاحها فستعزز السياسات الداعمة لها، أما إذا كانت الفوائد محدودة، فسيكون من الضروري إعادة النظر في الشروط والضوابط لجعلها أكثر جذباً للمستثمرين، بحسب رمضان، الذي يخلص إلى أن الكويت تمر حالياً بمرحلة تجريبية، لا تزال معالمها غير واضحة بالكامل، والهدف الأساسي للحكومة هو تحقيق نجاح هذه التجربة، وفي النهاية فإن تطور التشريعات وفقاً للاحتياجات الفعلية على الأرض سيكون مفتاحاً لتحويل خطوة تملك الأجانب إلى أداة فعالة في بناء اقتصاد أكثر انفتاحاً واستدامة. وتسعى الحكومة الكويتية من خلال رفع مشروع مرسوم جديد إلى إدارة الفتوى والتشريع، إلى فتح باب تملك العقارات أمام الأجانب عن طريق الشركات المدرجة في بورصة الكويت وصناديق الاستثمار العقاري، وذلك ضمن أطر رقابية صارمة تهدف لمنع المضاربات العقارية وحصر التملك للأغراض التشغيلية أو السكنية وليس للمضاربة قصيرة الأجل.
وبحسب وزير العدل الكويتي، ناصر السميط، فإن “المشروع يستند إلى أحكام المرسوم بقانون رقم 7 لسنة 2025، ويهدف إلى إرساء قواعد تنظيمية واضحة تحكم نشاط الكيانات الاستثمارية في القطاع العقاري، بما يعزز الشفافية ويحمي السوق من الممارسات غير المنضبطة”، وفقاً لما أوردته صحيفة “القبس” المحلية. وتأتي هذه الخطوة في إطار تعديل جذري لمنظومة التملك التي لطالما اقتصرت قانونياً على المواطنين الكويتيين ومواطني دول مجلس التعاون الخليجي والكيانات الدبلوماسية، بحسب تقرير نشره موقع Investment Policy Monitor.
ويلفت التقرير ذاته إلى أن أحد أهم دوافع هذا المشروع هو إيجاد معادلة دقيقة بين تحفيز الاستثمارات الأجنبية وتنمية السوق العقاري، وبين الحفاظ على التوازن السكاني ومنع الأثر السلبي على فرص المواطن الشاب في تملك السكن، فالعقود الماضية شهدت ارتفاع الطلب المحلي مع معدلات نمو سكاني شابة وارتفاع أسعار الأراضي، ما جعل أزمة الإسكان الشبابي إحدى القضايا الشائكة في الكويت. وتؤكد الحكومة ومصادر اقتصادية أن القانون يتضمن تدابير لمنع تحويل السوق العقارية إلى ساحة مضاربة خارجية، إذ فرضت قيوداً على توزيع الأرباح العقارية بحيث لا تُمنح للأجانب بوصفها أصولاً عينية بل نقد فقط، وأُلزمت الشركات الأجنبية بإثبات أن العقارات المملوكة تخدم النشاط التشغيلي أو سكن الموظفين، مع إخضاعها لرقابة الهيئات التنظيمية.
أما بالنسبة للأجيال الشابة من المواطنين، فيشير تحليل أورده موقع “غلوبال إيكونوميكس” إلى أن القانون الجديد يحتمل أن يكون محايداً نسبياً بالنسبة لطموحات الشباب نحو تملك السكن، إذا جرى تطبيق القيود الرقابية بصرامة، إذ إن التملك الأجنبي سيحصر غالباً في المشاريع أو العقارات الكبرى ولن يزاحم الأفراد على الوحدات السكنية ذات الطلب المحلي المرتفع. وفي حال نجح القانون بتحقيق التوازن، قد تسهم التدفقات الاستثمارية في تحريك قطاع الإنشاء وتوسيع العرض مستقبلاً، وبالتالي مساعدة الشريحة الشبابية في الحصول على مساكن بأسعار معقولة، بحسب تقدير أورده موقع مجلة RPRealtyPlus المتخصصة في قطاع العقارات.
ومن الناحية الاستثمارية الأوسع، ترى مصادر اقتصادية أوروبية وأميركية أن الخطوة الكويتية تمهد لبيئة واعدة ما دامت الإصلاحات تضمن الشفافية وتبسيط الإجراءات وتضع ضوابط تحول دون المضاربة غير المنضبطة، بحسب تقرير “جلوبال إيكونوميست”، مشيراً إلى أن مشروع القانون يمثل اختباراً لقدرة الكويت على تحقيق التوازن بين جاذبية السوق لرأس المال الخارجي وحماية مصالح مواطنيها، خاصة في ظل تجارب خليجية مشابهة حققت نجاحاً في السعودية والإمارات.