منهال الشوفي*
لم تكن الثورة السورية الكبرى بقيادة سلطان باشا الأطرش ردة فعل مباشرة على حادثة المجاهد العربي أدهم خنجر المعروفة، كما يحلو للبعض أن يصوّرها، بل نتيجة لوعي قومي وطني مهدت إليه الجمعيات العربية وقادة الفكر القومي، وفي مقدمتها الجمعية العربية الفتاة، إذ وجدت في جبل العرب التربة المناسبة لغرس الفكر النهضوي التحرري إذ ليس مصادفة أن يوجّه العثمانيّون الحملات العسكرية المتتالية لإخماد جذوة الثورة.
فعندما دخل العثمانيون ثار أهل الجبل ضدهم وصار المحتلون يجردون الحملات لقمع هذه الثورات إلى أن قدم إبراهيم باشا عام 1838م بحملة قوامها 20 الف جندي وكانت ثورة اللجاة أشدّها.. ثم جاءت حملة سامي باشا الفاروقي عام 1910م وألقي القبض على 120 شخصاً من قادة النضال في الجبل وحكم عليهم بالإعدام، وكان من بينهم سماحة الشيخ المرحوم أحمد الهجري، ونظراً لما كان يتمتع به من صفة دينية مرموقة (شيخ العقل) أعفي من الشنق وطلبت منه الحكومة العثمانية ممثلة بتوفيق باشا رئيس المحكمة وسامي باشا حضور تنفيذ الإعدام وسماع وصاياهم.
في 13 آذار 1911م تمّ تنفيذ حكم الإعدام شنقاً بستة أشخاص وهم المرحومون :
ذوقان الأطرش – يحيى عامر – أبو هلال هزاع عز الدين – مزيد عامر – محمد القلعاني – حمد المغوش – ثم سيق ما تبقى منهم إلى غياهب السجون بعد تخفيف الحكم..
أعلنت الثورة العربية الكبرى في الحجاز عام 1916م فانضوى تحت لوائها المجاهدون من جبل العرب ودخلت كتيبتهم إلى دمشق في 30 أيلول عام 1918م بعد معركة حامية مع القوة العثمانية المتمركزة في سفوح تل المانع وتمّ رفع العلم العربي على سارية دار الحكومة بالقرب من ساحة المرجة بعد أن أنزل عنها العلم التركي وراحوا ينشدون:
عرش المظــالم انهــدم والعز طيب بلادنا
حنا حمــاتـك يــــا علم بأرواحنـا وكبــادنا
من العثمانيين إلى الفرنسيين
بعد نزول المحتل الفرنسي في الساحل السوري عمّ الكفاح الوطني كل بقعة من بقاع سورية، فتواصلت وكانت ثورة إبراهيم هنانو في جبل الزاوية والشيخ صالح العلي في جبال العلويين والساحل بين عامي 1919 – 1921 وكانت معركة ميسلون 1920 التي استشهد فيها يوسف العظمة وزير الحربية في حكومة فيصل بعد معركة غير متكافئة مع الغزاة الفرنسيين. ثم جاءت الثورة السورية الكبرى 1925 بقيادة “سلطان باشا الأطرش” لتكون التعبير الأنصع عن وحدة شعبنا ورفضه مشاريع الاستعمار التي بدأت بتجزئة سورية إلى دويلات طائفيّة، بهدف السيطرة على مقدرات البلاد التي لم تكن قد تخلّصت بعد من رواسب العهد العثماني البغيض، ومهّدت الطريق لنيل الحرية والاستقلال
ضرب الأماني القومية وتجزئة البلاد
كان على فرنسا أن تضرب الأماني القومية، فلجأت إلى سياسة التجزئة بهدف إحكام قبضتها على البلاد وعمد الجنرال “غورو” إلى تقسيم سورية إلى دويلات وفي الرابع من آذار من العام 1921 تمّ تشكيل حكومة جبل “الدروز”، وكان عدد سكان الجبل آنذاك لا يتجاوز 52 ألف نسمة. وقد لقي هذا القرار رفضاً ومعارضة من معظم أبناء الجبل وفي مقدمتهم “سلطان باشا الأطرش”، وقد علقت جريدة “ألف باء الدمشقية” على تأسيس حكومة الجبل في عددها رقم (93) ما يلي: «يؤسس جبل الدروز حكومة خاصة وتشكل دوائر وإدارات. ويسير في الطريق المؤدي للرقي والعمران. لأن إخواننا الدروز قد سلموا من داء الأكثرية والأقلية على قاعدة الديانات. يجمعهم جبل واحد وهذا ما حفظ لهم استقلالهم في الأدوار التي مرّت على سورية، وجعل جبلهم منيعاً لا يُرام حتى في أيام “جمال باشا السفاح”، وكفى شاهداً أن الثورة العربية منه كانت تستمدّ نجدتها وإليه يلتجئ رجالها، ومتى دخله الهارب من فضائع تلك الأيام يصبح في مأمن.. الخ”.
ويروي الباحث “فارس الحناوي”: أنه بتاريخ 25 حزيران من نفس العام، دخلت قوات البعثة الفرنسية السويداء بموجب اتفاقية سرية وقعها بعض المقربين من فرنسا. وعندما لاحظ الفرنسيون رفض أبناء الجبل واستنكارهم مواقف المقرّبين من فرنسا، فأخذت أسراب الطائرات وعددها ثلاثون طائرة تحلق في سماء الجبل ثم قامت بإلقاء مناشير مفادها: أن حملة فرنسية ستقوم بزيارة ودية للجبل ما دعا “الأمير سليم” حاكم الجبل لعقد اجتماع بداره في “عرى” حضره جمع غفير من زعماء ووجهاء الجبل كما حضره الكومندان الفرنسي “ادلميوس” ممثل فرنسا بالجبل. وانتهى الاجتماع إلى رفع احتجاج رسميّ صارخ إلى السلطة الفرنسية، ولكن الشرارة الأولى اندلعت عندما اعتقل الفرنسيّون “أدهم خنجر”، الذي كان لجأ مع “شكيب وهاب” إلى منزل سلطان الأطرش في بلدة “القريا” على أثر ملاحقة الحملة الفرنسيّة له في أعقاب محاولة اغتيال “غورو”، حيث ألقي القبض عليه، قبل وصوله إلى منزل سلطان، ثم سيق إلى السويداء، وعندما علم سلطان الأطرش الذي كان يقوم بزيارة صديقه المجاهد “حمد البربور” في بلدة “أم الرمان” بالحادث، حاول جاهداً إنقاذ الدخيل بالطرق الدبلوماسية وحقوق العشائر، إلا أن الضابط الفرنسي “ترانكا” رفض كل المحاولات مهدّداً متوعداً، عندها قرّر سلطان ورفاقه اللجوء إلى السلاح فقطعوا طريق السويداء – دمشق وكانت السلطة الفرنسيّة استدعت ثلاث مصفحات لنقل السجين إلى دمشق، ومن هناك إلى بيروت فكمن لها الثوار وهاجموها في موقع “تل الحديد”، وتمكّنوا من تعطيل المصفحتين، وقتل الضابط “بوكسان” إلا أن الثالثة تمكنت من الوصول إلى دمشق هاربة لتنقل أخبار الثورة. وقد وقعت هذه المعارك أيام 21-22-23/7/1922 وكانت أقواها موقعة “برد”، بعد ذلك وجهت السلطة الفرنسية حملة عسكرية بقيادة “اليوتنان كولونيل هوغ” إلى “القريا”، بينما قامت الطائرات بقصف وتدمير دار سلطان، ما اضطره مع عائلته وبعض أنصاره إلى مغادرة الجبل في 25/7/1922، إلى الأردن واللجوء إلى أسلوب حرب العصابات، وفي الخامس من شهر نيسان 1923 أصدر “المسيو شيفلر” عفواً عن سلطان ورفاقه، وكان ذلك في يوم عيد استقلال الجبل المزعوم، بعد ذلك توفي الأمير “سليم الأطرش” مسموماً بدمشق فتولى “كاربيه” الحاكم الفرنسي للجبل الحاكمية، وقد سرعت ممارسات كاربيه وتعريضه الأهالي للسجن وأعمال السخرة والنهب وملاحقة المجاهدين في اندلاع الثورة السورية الكبرى في 24 تموز1925، فقد بدأت في 4 تموز على شكل مظاهرة عارمة احتجاجاً على ممارسات السلطة الفرنسية وفي 12 منه، فاستغلّ المجاهد المعروف “حسين مرشد رضوان” المناسبة بإطلاق الرصاص على أحد المسؤولين الفرنسيين في 25 تموز، تلا ذلك من استدعاء زعماء الجبل إلى دمشق وبيروت وغدر الفرنسيين بهم ونفيهم، ومن ثم توجيه حملة بقيادة الكابتن “نورمان” إلى “القريا” لإلقاء القبض على سلطان الأطرش، الذي كان قد توجّه إلى القرى الجنوبيّة في السابع عشر من تموز ومعه خمسة عشر فارساً، حيث وصلوا “بكا – أم الرمان – عنز – المشقوق” في 18 منه، وفي 19 و20 منه إلى “امتان وملح وعرمان” وقد استقبل سلطان ورفاقه بالأهازيج والنخوات وإطلاق الرصاص. وهناك قامت طائرتان فرنسيتان بالتحليق فأسقط المجاهدون إحداها وأسروا طيّاريها. ومن عرمان تمّ توجيه الرسائل إلى القرى للاجتماع على سهل “العيْن” شمال “صلخد”. وفي 21 تموز وفي طريقهم هاجم الثوار صلخد واحتلوا قلعتها وأحرقوا دار البعثة ثم توجّهوا لتجميع قواهم في سهل العين وبعد وصول بيرق “ملح” سار الفرسان والمشاة إلى موقعة “الكفر” ليلتحموا بالجنود في معركة دامت ساعتين، تمكّن الثوار بعدها من الاستيلاء على المخيم كاملاً بعد أن قتلوا “اليوتنان والكابتن نورمان” ولم ينجُ من الحملة سوى سبعة أنفار أرسلوا إلى السويداء لينقلوا خبر المعركة، وقد سقط من الثوار 44 شهيداً. وتعتبر معركة الكفر مثلاً حياً للإغارة الناجحة التي توافر لها التحضير الجيد والسرعة في التنفيذ، وساهمت في رفع معنويات الثوار وزادت عزمهم على متابعة القتال ووفرت لهم السلاح والعتاد لمتابعة المعارك. بعد اندحار حملة “نورمان” توجّه سلطان ورجاله إلى قرية “قنوات” ومكثوا هناك ثلاثة أيام، كان الثوار خلالها يتوافدون من قرى الجبل ومناطقه، فقرّر الثوار تطويق قلعة السويداء واحتلال المدينة. وفي 26 تموز دخل الثوار السويداء فأحرقوا سرايا الحكومة ودمروا متحف “كاربيه” وحاصروا قلعة السويداء وكان “الكومندان تومي مارتان” وأنصاره وجميع الموظفين الفرنسيين وعائلاتهم قد التجؤوا إلى القلعة للاحتماء بها حيث كانت تضم كتيبة من الرماة الأفارقة ورعيلاً من الخيالة إضافة إلى الموظفين. فسمح قائد الثورة لعائلات الفرنسيين بمغادرتها، قائلاً: إننا لا نحارب النساء والأطفال والشيوخ. وبعد مغادرة العائلات أحكم الثوار حصارهم على القلعة، وحول أصداء هذه المعارك في سورية والبلدان العربية – يتابع “الحناوي”- امتدت معارك الجبل بعد حصار قلعة السويداء إلى “دمشق والغوطتين والإقليم ووادي التيم ولبنان”، فكانت الوقفة المشرفة للصحافة المصرية ونقلها الدقيق لأخبار الثورة والدعوة لتقديم المساعدات المادية اللازمة لها. وفي دمشق عقد اجتماع عاجل في معلقة “آل بكري” في القابون حضره عدد كبير من الوطنيين والمخلصين لعروبتهم. ومن ثم انتقل الاجتماع إلى منزل “عثمان الشراباتي”، وقد حضره كل من “فوزي ونسيب القاوقجي” و”أسعد البكري”، “عبد الرحمن الشهبندر”، “حسن الحكيم”، “جميل مردم بك”، “نبيه العظمه”، “حسن حيدر”، “توفيق الحلبي”، حيث أقرّ المجتمعون البنود الأربعة التالية: أولاً: نزع الفوارق الحزبية واتحادها باسم الثورة الوطنية العامة، ثانياً: جلاء الفرنسيين من جميع الأراضي السورية، ثالثاً: الاشتراك فعلياً بالثورة والالتحاق بـ”جبل الدروز”، رابعاً: إرسال وفد مكلف ومستعجل باسمهم للحضور إلى الجبل لتبليغهم قرار الوطنيين، ووقف أي مفاوضات منفردة بين حكومة الانتداب والجبل وأن تكون المفاوضات باسم عموم سورية. وصل الوفد إلى بلدة قنوات، ولقي موافقة وتجاوب القوى الثورية في عموم سورية، وفي حماة عقد اجتماع باسم “الجمعية السرية” وأناطت هذه الجمعية التي زاد عدد أعضائها على 200 مجاهد قيادة الثورة بالضابط “فوزي القاوقجي” وكانت وضعت مشروعاً، يُعدّ وثيقة هامة في تاريخ الثورة السورية، حمله اثنان من أعضائها، هما “منير الريس” و”مظهر السباعي”: جاء فيه: “يتعهد الحمويون بإشعال نار الثورة ضد الفرنسيين في حماة في أوائل تشرين الأول من العام 1925”.
المعركة التي أذهلت العالم
وفي الأيام الثلاثة الأولى من شهر آب 1925 كانت معركة المزرعة، تلك المعركة التي تناقلت أخبارها صحف العالم وكتب عنها العدو ذاته في أمهات الصحف في فرنسا والمهاجر وكتب التاريخ، حيث أذهلت أخبار الانتصارات التي حققها الثوار العالم، وسحقت الحملة الفرنسيّة بقيادة الجنرال “ميشو” الضابط المعروف إبان الحرب العالمية الأولى. وعلى أثر الانتصار الباهر، تمّ توحيد كلمة الثورة وإسناد قيادتها إلى “سلطان باشا الأطرش”. وفي وصف هذه الملحمة الخالدة، يقول: “قبل بزوغ فجر الثالث من آب 1925 كان الثوار المجاهدون ينقضون على حملة “ميشو” من الشرق والشمال والجنوب وكان المجاهدون يهزجون ويكبرون: الله أكبر الله أكبر… بين أزيز الرصاص وقصف المدافع وهدير الطائرات وزئير الدبابات حتى تحوّلت ساحة “المزرعة” إلى مراجل تغلي فكانت أشلاء طائرة ودماء فائرة وعزائم خائرة وقوة قاهرة وهجوم مباغت ودفاع مستميت، وقوة إيمان. وكان المجاهدون الأبطال يهزجون ويهجمون على الدبابات، ويقلبونها بمناكبهم ويحرقونها، فكانت ملحمة كبيرة وعظيمة هزم بها الجيش الفرنسي شرّ هزيمة، ففرّ مَن نجا هارباً لا يلوي على شيء، ورغم تعقب الثوار الجنرال “ميشو” حتى شرقي “بصر الحرير”، إلا أنه تمكن من النجاة بنفسه.
وتغلّبت قوة المجاهدين القلائل على قوة طاغية جبارة تدعمها الطيارات وتحرسها الدبابات والمصفحات والمدافع الثقيلة يقابلها البارود العربي، والدبابة والمصفّحة تقابلها الأجسام المؤمنة والحجارة والبلطة والسيف.
انهزم “ميشو” بعد أن غنم منه الثوار العتاد والسلاح والمدافع والذخيرة والأسرى من الجنود والضباط مثل اليوتنان “غاسكيه” مع سدنة خمس مصفحات، ثلاث منها تابعة للكوكبة الثامنة عشرة، والاثنتان للكوكبة الثامنة والعشرين، بعد أن تركوا وراءهم أكوام الأسلحة والذخائر والمدافع والمصفحات المعطلة وآلاف القتلى.
يقول الدكتور عبد الرحمن الشهبندر في مذكراته :
(زرت ساحة هذه الملحمة…… وحسبي أن أقول: إنني مشيت من عين المزرعة غرباً نحو ساعتين على الجثث والعتاد الملقى على الأرض).
بعد معركة المزرعة: تمت الدعوة للثورة السورية العامة. وصول وفود دمشق. حماة بهدف الانضمام للثورة – اجتماعات مكثفة للمجلس الوطني.
وقد غادر دمشق في العشر الأول من شهر آب بعد معركة المزرعة وفد ويضمّ: “عبد الرحمن الشهبندر – نزيه المؤيد العظم – سعد الدين المؤيد العظم – فوزي ونسيب وأسعد البكري – يحيى حياتي – سرحان أبو تركي – سعيد حيدر – حسن الحكيم – شكري القوتلي – عبد القادر قواص – إبراهيم صدقي – جميل البك أبو صلاح الوجا – سعيد اليمني – خليل بصلة – سعيد الآظن – سليم الشويري”.
إعلان الثورة السورية العامة
بعد دحر حملة “ميشو” وانضمام كل من ثوار دمشق وأبطالها إلى الثورة. وبناء على طلب مجاهدي حماة تقرّر إعلان الثورة باسم الثورة السورية العامة وبعد المناقشات وإبداء وجهة النظر أقرّ المجتمعون على تشكيل لجان الثورة كما يلي:
“سلطان باشا الأطرش” قائداً عاماً للثورة
الأمير “عادل أرسلان” منظماً للثورة
الدكتور “عبد الرحمن الشهبندر” رئيساً سياسياً.
وأعضاء مجلس الثورة: “نسيب البكري – نزيه المؤيد العظم – فؤاد سليم – سعيد العاص – حسين صخر – رشيد باشا طليع”.
لجنة دعاية واتصال خارجي: “شكري القوتلي – ميشال لطف الله – حسن الحكيم”. وتوزّعت المسؤوليّات والمنشورات الحربية وبيانات الثورة. كما وجهت القيادة العامة نداءً حاراً إلى كافة الأمة السورية بواسطة الصحف اللبنانية وأخصّ منها جريدة الصفاء الغراء، وجريدة المقطم المصرية.
ويقول “منير الريس” فيقول: لقد كان النصر في معركة المزرعة مؤزراً وحاسماً وكافياً لطرد فرنسا من سورية لو أن الثورة كانت عامة تسود سورية كلها.
تلا ذلك معركة “العادلية” عند أبواب دمشق التي ذهب ضحيتها عدد وافر من الشهداء. وقد لام “الشهبندر” بخصوص ما تم أعضاء الوفد الدمشقي الذي كلف لمفاوضة الدروز من أجل نقل الثورة إلى دمشق، قائلاً: “الأنكا” من ذلك أنهم اتفقوا مع سلطان باشا على أن يزحف الدروز على جهات الكسوة في صباح يوم الثالث والعشرين من أغسطس (آب). بحيث نهبّ لملاقاتهم مع عدد من المجاهدين الشوام لا يقلّ عن المئتين فنهجم مشتركين على عاصمة الأمويين الخالدة. لقد تم الاتفاق. وبلغ الوطنيين خبره في العشرين.
معركة المسيفرة: 16 – 17 أيلول 1925م. التي اشترك فيها مجاهدو حوران من السهل والجبل وقد قادها من الفرنسيين الكولونيل اندريا قوامها 1500 مقاتل…. فقد المجاهدون فيها عنصر المباغتة عندما أطلق الفرنسيون الأضواء الكاشفة فوق السهول الفسيحة للبلدة وفتح نيرانهم دفعة واحدة، عند سماعهم صوت طلق ناري صادر من جهة الفرنسيين..! ؟ لم يستطع المتقدمون اتخاذ إجراءات وقائية فكان لا بد من الهجوم المكشوف وبشجاعة نادرة سقط على أثرها أكثر من مئتي شهيد…. وتمكنت القوة المتبقية من اختراق صفوف العدو وإنزال الخسائر بصفوفه فقتل ضابطين وأكثر من 60 جندياً وجرح أربعة ضباط و100 جندي.
معارك السويداء متعددة، وفي أكثر من موقع..
معارك اللجاة كثيرة ومنها :
– معركة لاهثة: وهي أطول المعارك مع الفرنسيين الذين زحفوا على وادي اللوا وهاجموا قرية لاهثة وباقي قرى اللجاة ولم يستطع الجيش الدخول اليها… بقي الثوار باللجاة 43 يوماً إلى أن نفدت منهم الذخيرة غادروا بعدها اللجاة الى الصفاة…
كما جرت معارك أخرى متعدّدة في معظم نواحي الجبل ولا يمكن في هذه العجالة التوقف عند كل منها..
انتقل عدد من المجاهدين إلى الغوطة وحاصبيا وراشيا للقتال مع مجاهديها، واختلطت دماء الثوار التي روت ثرى هذا الوطن بقيادة “زيد الأطرش” شقيق سلطان، وانضم إليهم مجاهدو إقليم البلان وراشيا تمكنوا بمشاركة الثوار الأبطال من أبناء المنطقة من طرد الفرنسيين من “مجدل شمس” ومن “حاصبيا” و”مرجعيون” وحاصروا قلعة راشيا وفتكوا بحاميتها واحتلوها لبعض الوقت، قبل أن يجبر الثوار على الانسحاب من لبنان خوفاً من نشوب حرب أهلية لا تبقي ولا تذر.
واستمرّت معارك الثورة متخذة أسلوب حرب عصابات تنطلق من شرقي الأردن لمهاجمة خطوط العدو قبل أن يغادروا لقيام الإنكليز بحصارهم وقطع المياه والإمدادات عنهم بموجب اتفاقية وقعوها مع الفرنسيين لإخراجهم من الأردن، حيث غادروها إلى السعودية واستقروا في الصحراء في منطقة وادي السرحان عشر سنوات لم تلن عزائمهم ولم يفرطوا بمبادئ الثورة وقيمها وأهدافها المقدسة وليستمر نضال الثورة السياسي بالتنسيق مع الحركة الوطنية بدمشق إلى أن انتزعوا اعتراف فرنسا باستقلال سورية بموجب اتفاقية 1936 وإلى حين عودتهم عام 1937، الاستقلال الذي عُمّد بدم الثوار والمناضلين في معارك الثورة على امتداد التراب السوري واللبناني ومن جميع مناطقها وقد تُوّج في معركة البرلمان في دمشق نهاية أيار عام 1945 إلى حين تحقق الاستقلال في 17 نيسان عام 1946.