أظهر “مؤشر أجيليتي” للخدمات اللوجستية في الأسواق الناشئة لعام 2025، الذي يصنف أفضل 50 سوقاً في العالم بناءً على تقييم بنيتها التحتية اللوجستية وبيئة أعمالها وقدراتها الرقمية، تراجع قطاع الخدمات اللوجستية في مصر أربعة مراكز لتحتل المركز الرابع والعشرين عالمياً.
وكانت مصر قد تقدمت ثلاثة مراكز في “مؤشر أجيليتي” لعام 2024، حيث جاءت في المركز الثامن عشر من بين 50 دولة، مسجلة 5.04 نقاط، مقارنة بالمركز الحادي والعشرين عام 2023. كما جاءت في المركز السابع عربياً عام 2024، وفقاً لهيئة الاستعلامات المصرية.
وجاء هذا التراجع بعد أن حققت مصر إنجازاً في منظومة النقل والخدمات اللوجستية عام 2023، حيث قفزت عشر درجات على المستوى العالمي في “مؤشر الأداء اللوجستي” الصادر عن البنك الدولي. وحينها، احتلت مصر المرتبة السابعة عربياً، والثالثة أفريقياً، والسابعة والخمسين عالمياً في مؤشر الأداء اللوجستي لعام 2023، محققة 3.1 نقاط مقارنة بعام 2018 عندما احتلت المرتبة السابعة والستين عالمياً بعدد 2.82 نقطة فقط.
وفي بيان صادر عن “قطاع النقل البحري واللوجستيات” في مصر عام 2023، أُرجع التقدم الذي حققته البلاد إلى “التطورات الكبيرة التي شهدها القطاع اللوجستي المصري في السنوات الأخيرة بهدف التحول إلى مركز عالمي للتجارة واللوجستيات”.
ورغم تراجع مصر في “مؤشر أجيليتي” لعام 2025، فقد أظهر التصنيف تفوقها على الإمارات في بعض المؤشرات، إلا أن أبوظبي حافظت على مكانتها ثالثَ أكثر الأسواق جاذبية للعام الثاني على التوالي، فيما جاءت السعودية في المركز الرابع بعد أن تقدمت مركزين. وأرجع خبراء في مجال اللوجستيات لـ”العربي الجديد” تراجع مصر إلى عدة عوامل، أبرزها اضطراب التجارة العالمية، خاصة بسبب الحرب الإسرائيلية على غزة ولبنان، وعزوف السفن عن المرور في البحر الأحمر عبر قناة السويس، ما أدى إلى انخفاض مؤشرات حركة التجارة العالمية في الفترة الأخيرة.
وأشاروا إلى أن تباطؤ حركة التجارة عمّق الأزمة بشكل كبير عند تحليل المؤشرات، إضافة إلى استمرار تأخر الموانئ المصرية في اعتماد معايير العمل الاحترافية المطلوبة، رغم اتفاقات الشراكة مع التحالفات العالمية لتحقيق المعايير الدولية في الأداء. كما لفتوا إلى غياب الرؤية الاستراتيجية لإدارة المؤسسات اللوجستية في مصر، رغم المشاريع العديدة التي أُنجزت في هذا القطاع.
وأكد أحد الخبراء المصريين في مجال اللوجستيات لـ”العربي الجديد” أنّ التراجع في التصنيف العالمي للخدمات اللوجستية يعود إلى عدة عوامل؛ منها ضعف البنية التحتية التي لا تزال أقل تطوراً مقارنة بدول الخليج، ما يؤثر على كفاءة وسرعة نقل البضائع. كما أن التحديات الإدارية، مثل التعقيدات الجمركية والبيروقراطية، تعيق تحسين الخدمات اللوجستية، إضافة إلى الاستثمارات المحدودة في تطوير البنية التحتية.
ولفت إلى أن التحديات التكنولوجية تلعب دوراً أيضاً، حيث إن استخدام التكنولوجيا المتقدمة في إدارة اللوجستيات أكثر تطوراً في دول الخليج مقارنة بمصر، كما يؤثر الاستقرار السياسي والاقتصادي في قدرة مصر على تحسين خدماتها اللوجستية. ويرى الخبراء أن تحسين ترتيب مصر في التصنيف يتطلب تعزيز البنية التحتية، وتبسيط الإجراءات الإدارية، وزيادة الاستثمارات، وتبني التكنولوجيا الحديثة في إدارة اللوجستيات.
ويعتمد “مؤشر أجيليتي” في تقييمه الدولَ على استطلاع آراء 567 مسؤولاً تنفيذياً في قطاع الخدمات اللوجستية وسلاسل التوريد، بناءً على أربعة مؤشرات رئيسية، هي فرص الخدمات اللوجستية المحلية، وفرص الخدمات اللوجستية الدولية، وركائز ممارسة الأعمال، والجاهزية الرقمية. وأظهرت نتائج مصر في هذه المؤشرات تبايناً بين التقدم والتراجع، ففي ما يتعلق بالمؤشر الفرعي للفرص اللوجستية المحلية، تراجعت مصر سبعة مراكز، من المركز الثالث عشر إلى العشرين، وسط تحديات اقتصادية محلية وتباطؤ في النشاط الاقتصادي، بينما صعدت السعودية إلى المركز الرابع بدعم من صناعة النفط والغاز وارتفاع نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، واحتفظت الإمارات بالمركز الخامس.
أما في مؤشر فرص الخدمات اللوجستية الدولية، فقد تقدمت مصر خمسة مراكز، لتصل إلى المركز الثامن عشر، ما يشير إلى استمرار تمتعها بإمكانات قوية في التجارة العالمية. وتقدمت السعودية والإمارات مرتبة واحدة، لتحتلا المركزين الخامس والسادس على التوالي، مدعومتين بنمو سوق الشحن البحري وزيادة أحجام الصادرات والواردات.
وفي مؤشر ركائز ممارسة الأعمال، تراجعت مصر سبعة مراكز، إلى المرتبة الثالثة والعشرين، نتيجة التضخم وعدم الاستقرار الاقتصادي، ما جعلها أقل جاذبية للمستثمرين مقارنة بدول مجلس التعاون الخليجي.
وفي المقابل، احتلت الإمارات الصدارة في هذا المؤشر، بينما جاءت السعودية في المركز الثالث. أما في مؤشر الجاهزية الرقمية، فتقدمت مصر سبعة مراكز لتحتل المرتبة الثلاثين، بينما حافظت الإمارات على المركز الثاني، وتقدمت السعودية إلى المركز الخامس. وتخطط المملكة لتطوير 59 مركزاً لوجستياً في جميع أنحاء البلاد لتعزيز خدمات النقل والشحن البحري، وفقاً لتقرير “أجيليتي”.
وعلى عكس مصر التي تأثرت بالاضطرابات الجيوسياسية في الشرق الأوسط، استفادت دول الخليج من عدة أحداث مثل الحرب الإسرائيلية على غزة ولبنان، واضطرابات البحر الأحمر، وسقوط نظام الأسد في سورية. وأشار تقرير “أجيليتي” إلى أن دول الخليج استفادت من تحولات الشحن بسبب هجمات الحوثيين، حيث كانت الموانئ الخليجية من أبرز المستفيدين من عزوف ثلثي شركات الشحن عن المرور عبر البحر الأحمر.
وتحولت نسبة 17.2% من هذه الشركات إلى الشحن الجوي بديلاً، بينما اعتمدت 20% من الشركات على حلول الشحن متعدد الوسائط، مثل النقل البحري البري أو الجوي البحري.
وفي سياق أوسع، قلّل خبراء اللوجستيات من المخاطر المتعلقة بالصين في تصميم سلاسل التوريد والتعرفات الجمركية المتوقعة، وتوقعوا استمرار نمو التجارة الإلكترونية في جميع المناطق، إلى جانب تعزيز الاستثمارات في الخليج، مع نظرة تفاؤلية تجاه أفريقيا على المدى الطويل.
وتُعد “أجيليتي” شركة عالمية رائدة في مجال سلاسل الإمداد والخدمات اللوجستية، ويعمل لديها أكثر من 65 ألف موظف حول العالم. وفي عام 2023، أعلنت الشركة عن دخولها في مشروع مشترك مع شركة حسن علام يوتيليتيز، الذراع الاستثمارية لشركة حسن علام القابضة، لتطوير مستودعات ومجمعات لوجستية حديثة في مصر.
وافتتحت الشركة أول مجمع لوجستي لها في أغسطس/ آب 2023 على مساحة 270 ألف متر مربع على طريق القاهرة – السويس الجديد، باستثمار قيمته 100 مليون دولار، كما أطلقت المجمع اللوجستي الثاني لها في مصر عام 2024، وتبلغ قيمة الاستثمار في المجمع الأول حوالي 100 مليون دولار وجرى تمويل جزء منه من قبل شركاء المشروع، بينما جاء تمويل الجزء الآخر من التمويل في صورة قروض.