سجّل قطاع العقارات التركية خلال الأعوام الماضية، حضوراً عراقياً واضحاً من جهة حجم المواطنين والمستثمرين العراقيين فيه، غير أنه تراجع قبيل الانتخابات الأخيرة في تركيا وانخفاض قيمة الليرة. لكن خلال الشهرين الماضيين، عاودت الأرقام مجدداً للارتفاع بالنسبة للمُشترين العراقيين، بقطاع العقارات، لا سيما الشقق السكنية والأراضي، التي يُمكن من خلالها الحصول على الجنسية التركية أو الإقامة، وآخرين في مناطق تُعتبر استثمارية واعدة بمحيط إسطنبول مثل مشروع القناة البحرية وغيرها.
ويعزو مختصون العودة بقوة مجدداً للمشتري العراقي في قطاع العقارات التركية إلى جملة من الأسباب أبرزها، التطورات العسكرية التي تشهدها المنطقة، خاصة بعد العدوان الإسرائيلي على لبنان، ونذر الحرب الواسعة التي قد يكون العراق في دائرتها، وهو ما أدى إلى انتقال الأموال التي كانت تُستثمر في لبنان وإيران وحتى داخل العراق، للتوجه مرة أخرى إلى تركيا التي تُعتبر الأكثر أمناً مقارنة بالدول المجاورة.
العراقيون في المرتبة الثالثة بسوق العقارات التركية
والأسبوع الفائت، أعلنت هيئه الإحصاء التركية، أن العراقيين تقدموا إلى المرتبة الثالثة بين أكثر الأجانب المقيمين في شراء العقارات التركية خلال شهر أيلول/ سبتمبر الماضي، بعدما كانوا في المرتبة الخامسة في شهر أغسطس/آب الماضي. وقالت الهيئة في تقرير لها، إنه فيما يتعلق بمبيعات المساكن للأجانب كانت إسطنبول الأعلى من بين المحافظات التي سجلت أعلى عدد من مبيعات المنازل للأجانب بواقع 783 منزلاً، وأنطاليا بـ 548 منزلاً، ومرسين بـ 210 منازل.
وأشارت الهيئة إلى أن الروس تصدروا قائمة الأجانب الأكثر شراء للعقارات في تركيا خلال شهر سبتمبر/أيلول الماضي بـ346 منزلاً، وجاء الإيرانيون بالمرتبة الثانية بـ163 منزلاً، والعراقيون ثالثاً بـ139 منزلاً، ثم الألمان بالمرتبة الرابعة 113 منزلاً، والأوكرانيون بالمرتبة الخامسة بـ97 منزلاً، والأذربيجانيون بالمرتبة السادسة بـ87 منزلاً، وجاء الكازاخستانيون بالمرتبة السابعة بـ87 منزلاً، وجاء الكويتيون بالمرتبة الثامنة بـ73 منزلاً.
ولطالما تصدر العراقيون قائمة شراء المنازل في تركيا منذ عام 2015، إلا أن ترتيبهم تراجع للمركز الثاني والثالث بعد روسيا وإيران مع بداية عام 2021، قبل أن يتراجع للمركز الثالث منذ شهر إبريل/نيسان 2022 بعد هيمنة روسيا على العقارات التركية.
هروب من التوترات الجيوسياسية
في ظل الارتفاع الكبير للعقارات والقلق من مسألة الاستقرار الأمني والسياسي والاقتصادي داخل العراق، والعدوان الإسرائيلي على غزة ومن ثم لبنان، اتجهت معظم الجهات المتنفذة في العراق للبحث عن ملاذ آمن لها ولأموالها. وقال الباحث الاقتصادي، عمر الحلبوسي، إن “تركيا تعتبر ملاذاً آمنا، ليس للمواطنين العراقيين العاديين القلقين على مدخراتهم، إنما لجهات غسل الأموال المرتبطة بالأحزاب التي استغلت الوضع الاقتصادي التركي، فضلاً عن أن تركيا في المجال العقاري تعد فرصة مهمة للاستثمار وضمان الحفاظ على الأموال كونها بلداً مستقراً ولا توجد فيه صراعات أمنية وسياسية”، بحسب تعبيره.
وأوضح الحلبوسي، لـ”العربي الجديد”، أن “الاستقرار في تركيا والتسهيلات المقدمة لجذب رؤوس الأموال دفع الكثيرين إلى شراء العقارات فيها”، مشيراً إلى أن ” الحرب الصهيونية على لبنان وجّهت جزءاً من هذه الأموال صوب تركيا أيضاً”. وأكد أن “العراقيين عادوا إلى مقدمة مشتري العقارات التركية، خصوصاً بعدما ازدادت المخاطر في العراق، والمخاوف من امتداد الحرب إليه، أو احتمالية وقوع انهيار مالي واقتصادي في العراق”.
وأشار إلى أن ما دعم اتجاه العراقيين إلى تركيا هو أن “سوق العقارات في العراق يعيش فقاعة سعرية، وقد تنفجر في أية لحظة، وهذا ما شكل عامل خوف كبير لدى المتنفذين ليقوموا بتهريب أموالهم إلى خارج العراق. واستثمار معظمها في شراء العقارات” بحسب وصفه.
تسهيلات للمستثمرين في العقارات التركية
في المقابل، أكد المختص بالتسويق العقاري، حسين النجفي، أن “الحكومة التركية أصدرت سنة 2012، قانوناً يمنح العراقيين حق تملك الأراضي والعقارات وفتح الشركات في مختلف الولايات التركية، مما دفع الكثير من العراقيين ممن يبحثون عن الملاذ الآمن والبيئة المستقرة للانتقال والعيش في تركيا”. وأوضح النجفي، أن “تركيا تعد الخيار الأمثل للانتقال، بسبب قربها الجغرافي، والتقارب الثقافي والتعليمي والاجتماعي، والاستقرار الأمني والسياسي الذي تشهده في السنوات الماضية، فضلاً عن عروض الأسعار المناسبة، وجودة البناء فيها”.
وأشار إلى أن “الحكومة التركية تقدم العروض والتسهيلات المناسبة المتعلقة بالحوافز الضريبية والتسهيلات الإدارية وتوفير المعلومات بشكل شفاف يتيح للمستثمر أو المشتري الحصول على المعلومة الدقيقة بكل ثقة وسهولة”. وكشف النجفي عن أن “الفترة الأخيرة شهدت انتعاشاً في شراء العقارات وخاصة من العراقيين بعد الأحداث الدائرة في المنطقة وتوتر الأوضاع في لبنان، حيث اتجه معظم التجار وأصحاب النفوذ للبحث عن أماكن آمنة لنقل عائلاتهم خوفاً من استهداف مصالحهم في العراق”.
وبيّن أن “الشهرين الأخيرين شهدا تحولاً نسبياً في أعداد العقارات المُباعة في تركيا بالنسبة للمواطنين العراقيين، بهدف الحصول على الجنسية التركية من خلال الاستثمار في شراء العقارات المتمثلة بالشقق السكنية الفاخرة والفلل المستقلة في مناطق متفرقة من تركيا”. وتوقع النجفي “استمرار إقبال العراقيين على العقارات التركية، في ظل فتح فرص الاستثمار العقاري، ووجود العقارات التي تحدد ارتفاع المعروض منها في السوق للبيع، في ظل الأسعار الجيدة بالنسبة للمشترين قياساً بالسنتين الماضيتين اللتين شهدتا ركوداً في سوق العقارات”.