مأمون ملاعب
الناس بشكل عام تريد حالة السلام والاستقرار. يخطط الإنسان، فرداً أو جماعة أو دولة، للمستقبل من خلال الحاضر، والتخطيط يتطلب رؤية واضحة للغد البعيد تكون معدومة في الحرب، هذا عدا الخوف من تداعيات الحروب وآثارها السيئة من موت ودمار وتشرد وغيرها.
من هذا المنطلق نتفهم كلياً حاجة الناس للسلام ورفضهم للحرب.
من ناحية ثانية، فإن معظم الناس لا يميزون بين السلام وحالة اللاحرب. وهناك فرق كبير بينهما. فحالة اللاحرب تتوفر بين أعداء أو متخاصمين، وبالتالي قد تنقلب إلى حالة الحرب في أي لحظة، فهي حالة معيقة للاستقرار ومن ثم الاستثمار وعادة ما تسخّر الاقتصاد لخدمة الناحية العسكرية. تختلف حالة اللاحرب عن الحرب في ويلاتها وتختلف أيضاً عن حالة السلام في استقرارها.
نحن في منطقتنا نعيش حالة لا حرب متقطّعة مع حروب ولا تعرف دول المنطقة حالة السلام منذ نشأتها. مطالبة البعض بالسلام وترداد الكلمة يندرج في خانة الجهالة أو التواطؤ. السلام يعني إنهاء حالة اللاحرب، وهذا يعني إما اندحاراً كلياً لإحدى القوتين أو توافقاً كلياً.
وفي حالتنا يشكل الاعتراف بكيان العدو دولة والتطبيع معه أمراً عادياً عند أصحاب مقولة السلام في لبنان أو في أي دولة حتى ولو لم تعلن ذلك، خصوصاً أن دولاً عربية أخرى منها مصر والاردن قامت به، ولذلك تجاهر تلك الدول بالحياد وموافقة على التطبيع ضمناً.
ما المشكلة في الحياد وفي التطبيع؟
بعيداً عن الأيديولوجيات وانطلاقاً من مصلحة لبنان الكيان والدولة يمكن الإضاءة على هذه النقاط:
أولاً: الاستمرار في حالة اللاحرب مع تأكيد الحياد بمعنى التخلّي عن مسألة فلسطين وهذا يؤدي إلى:
- إبقاء السيادة اللبنانية منقوصة عبر استباحة سماء لبنان بطائرات العدو وكذلك مياهه بقطعه البحرية ومدمراته، فضلاً عن نقاط الخلاف في البر.
- لا قدرة للبنان باستثمار موارده من الغاز. ما جرى سابقاً كان واضحاً وما يريده ويعلمه العدو أوضح.
- استمرار أزمة اللاجئين الفلسطينيين وانعكاساتها السلبية على اللاجئين كما على لبنان.
- إبقاء لبنان بحالة لا استقرار بنتيجة العوامل الخارجية والداخليه المعروفة.
ثانياً: في حال التطبيع والسلام المزعوم
- السلام أو بالأحرى التطبيع يشترط الاعتراف بدولة العدو على أرض فلسطين وبصرف النظر عن اعتبار الأمر خيانة، فإن لبنان في هذه الحالة معنيّ منفرداً بحل أزمة اللاجئين الفلسطينيين على أرضه وبالتالي قبوله التوطين.
- يقوم السلام بين فريقين كلاهما يريده وعلى قاعدة الاحترام المتبادل وفي عودة إلى الماضي القريب واتفاقات السلام السابقة نرى :
- أن العدو لم يحترم أي بند من اتفاقية أوسلو وكانت منظمة التحرير الفلسطينية ومن خلفها الشعب الفلسطيني ضحية قبول الاتفاقية.
- خلال حرب غزة الجارية احتلت “إسرائيل” معبر رفح ومحور فيلادلفيا مخالفة لاتفاقية كامب ديفيد ولم تستطع مصر الاعتراض.
- من المفترض أن الاردن جزء من الجبهة العربية، لكنه اختار السلام لا ليصبح محايداً بل شريكاً للاحتلال، وهو لم يعترض مرة على خرق أجوائه من قبل العدو لكنه التزم الدفاع عن العدو ضد الهجمات اليمنية والإيرانية.
تقودنا هذه الوقائع إلى فهم واضح على أن تلك الاتفاقيات المشؤومة وقعت بين طرفين غير متكافئين ومن دون ضمانات. في حديث مع د. مصطفى؟؟ البرغوتي قال إن الفلسطينيين وقعوا في وهمين، الأول اعتقادهم أن أوسلو تشكل معاهدة سلام قد تؤدي إلى دولة فلسطينية، والثاني اعتبارهم أن الولايات المتحدة ممكن أن تلعب دور الوسيط. وفي حالة لبنان هو الحلقة الأضعف ولا يستطيع فرض أي من شروطه أو بالأحرى لا يستطيع تأمين أي من طلباته وطبعاً لا توجد ضمانات.
ويأتي طرح فكرة السلام من بعض اللبنانيين وبغض النظر إذا كان العدو يريد ذلك، وقبل الاتفاق على الحدود حتى. وإني أدرك أن هذا الفريق مستعد للتنازل عن كل نقاط الخلاف مع العدو، لكنه هو لا يدري أن كان مستعداً للتنازل للعدو مجدداً لإشباع أطماعه المقبلة.
النقطة الأخطر تقع في تركيبة المجتمع اللبناني، إن صحّت التسمية، يوجد فريق كبير من اللبنانيين يفهم ماهية الوجود الاستيطاني اليهودي وأطماعه ووهمه التوراتي ويفهم أطماع حلفاء الصهيونية الغربيين ولا يقبل بالاستسلام لهم. من هنا فإن طرح الحياد أو السلام يندرج في خدمة تفكيك التركيبة اللبنانية خدمة للعدو بقصد أو بغيره وفي كل الأحوال يبقى السلام المنشود سراباً ليس إلا.