سلطت دراسة حديثة أعدتها إدارة الدراسات الاقتصادية لمجموعة “Crédit Agricole France” الضوء على التحديات المتزايدة التي تواجه الاقتصاد الوطني، حيث كشفت عن تراجع في معدلات النمو من 4.3% خلال الفترة من 2004 إلى 2014 إلى 2.4% خلال الفترة من 2015 إلى 2023، بالإضافة إلى ارتفاع في معدلات البطالة.
وتوقعت الدراسة، أن يستمر هذا التباطؤ خلال العام المقبل، إذ من المتوقع أن ينخفض النمو الاقتصادي إلى حوالي 3%، مقارنة بـ 3.3% في عام 2023. وأشار التقرير، الذي تتوفر “العمق” على نسخة منه، إلى أن الاستقرار الاقتصادي الذي يتمتع به المغرب يُعد إنجازاً كبيراً، خاصة في ظل التحديات العالمية المتسارعة.
وأوضحت الوثيقة، أن المغرب حقق هذا الاستقرار بفضل قدرته على إدارة سياساته العامة بكفاءة، مما عزز ثقته في الأسواق الدولية وساعده في الحصول على تمويل بأسعار فائدة منخفضة، ما يسهم في تعزيز استدامة نموه على المدى الطويل.
تحديات متشابكة
رغم الإنجازات المحققة، سجل المصدر ذاته، أن المغرب يواجه تحديات اقتصادية وهيكلية متشابكة، بالإضافة إلى التقلبات الاقتصادية العالمية، يعاني البلد من تزايد المخاطر المناخية وتباطؤ في النمو الاقتصادي، فضلاً عن ارتفاع معدلات البطالة، مما يستدعي اتخاذ إجراءات عاجلة لمعالجة هذه التحديات.
وتترقب المؤسسة تحسن الأوضاع الاقتصادية، خاصة مع تراجع التضخم إلى مستويات قياسية عند 2.5% في 2024، مقارنة بـ 6.1% في العام السابق، مما سيشجع على زيادة الإنفاق الاستهلاكي.
وأوضحت الدراسة أن هذا الانخفاض مكن البنك المركزي من تخفيف القيود النقدية، بخفض أسعار الفائدة في يونيو من 3% إلى 2.75%، مما سيعطي دفعة إضافية للنشاط الاقتصادي.
وحسب التقرير ذاته، فإنه رغم التحديات التي يمثلها عدم اليقين في الطلب العالمي، تواصل قطاعات حيوية مثل السياحة والفوسفاط، بالإضافة إلى صناعات السيارات والمكونات الإلكترونية، تحقيق أداء قوي ودعم النمو الاقتصادي.
وأشار التقرير إلى أن تراجع إنتاج القطاع الزراعي بنسبة 5% خلال النصف الأول من العام، والذي يمثل 12% من الناتج المحلي الإجمالي ويوظف 38% من القوى العاملة، بما في ذلك 50% من التوظيف النسائي، يشكل جرس إنذار.
المغرب والإصلاح
وأضاف التقرير أن التقلبات المناخية المتزايدة تهدد الأمن الغذائي وتحد من فرص العمل، خاصة في المناطق الريفية، مما يستدعي تحولاً اقتصادياً عاجلاً نحو قطاعات أقل اعتماداً على الموارد الطبيعية، مع ضمان انتقال عادل للعمالة.
وأكدت الدراسة أن إطلاق المغرب لنموذج التنمية الجديد (NMD) في سنة 2021 يمثل رؤية شاملة للإصلاح تهدف إلى معالجة الاختلالات الهيكلية في الاقتصاد وتحفيز النمو المستدام. تركز الخطة على تنويع القاعدة الاقتصادية، وجذب الاستثمارات الخاصة، وتشجيع روح المبادرة.
ووفقاً لخبراء المجموعة المالية، فقد أظهر نموذج التنمية الجديد أن القطاع الخاص يعاني من بيئة غير مواتية بسبب التعقيدات الإدارية وغياب المنافسة، مما يحد من قدرة القطاع على المساهمة في النمو الاقتصادي وخلق فرص العمل، لذا فإن إصلاح البيئة الاقتصادية يعتبر ضرورة ملحة لتنشيط القطاع الخاص ودفع عجلة التنمية.
تشجيع الاستثمار
وحسب المعطيات المتوفرة، يهدف ميثاق الاستثمار الجديد، الذي تم إطلاقه في عام 2022، إلى جذب استثمارات ضخمة تقدر بـ 550 مليار درهم بحلول عام 2026، أي ما يعادل 51 مليار يورو، لتعزيز النمو الاقتصادي وخلق 500 ألف فرصة عمل جديدة (ما يعادل 4.7% من إجمالي الوظائف الحالية).
وأكدت مؤسسة “Crédit Agricole France” أن الميثاق يسعى إلى تنويع الاقتصاد من خلال تشجيع الاستثمارات في قطاعات جديدة، عبر إعادة هيكلة نظام الحوافز وتبسيط الإجراءات، ويهدف إلى زيادة حصة الاستثمار الخاص من الثلث الحالي إلى الثلثين.
واعتبر التقرير أن المغرب يربط بين التعليم والإدماج الاجتماعي، وعلى الرغم من التوسع في فرص التعليم، فإن جودة التعليم لا تزال تشكل عائقاً أمام تحقيق الإدماج الشامل، مشيراً إلى أن عدم تطابق الشهادات الجامعية مع متطلبات سوق العمل يزيد من حدة البطالة، خاصة بين الشباب.
وسجل التقرير رغبة المغرب في إصلاح النظام التعليمي لجعله أكثر فاعلية، وتوسيع مظلة الحماية الاجتماعية لتشمل جميع الفئات، بهدف بناء اقتصاد أكثر مرونة وقدرة على مواجهة التحديات.
وخلص التقرير إلى أن المملكة حددت بدقة التحديات التي تواجهها واقترحت مجموعة من الإصلاحات الشاملة، مشدداً على أن البوادر الأولية لتحسن الأوضاع الاقتصادية بدأت تظهر، خاصة في بعض القطاعات الصناعية، ومع ذلك، فإن تقييم الأثر الكامل لهذه الإصلاحات على النمو والتشغيل يتطلب مزيدًا من الوقت.
العمق المغربي