كشفت “المؤشرات الشهرية الرئيسية للمبادلات الخارجية” للاقتصاد المغربي عن دينامية واعدة تغذيها “مداخيل الأسفار” وتحويلات متنامية يضخها مغاربة العالم الذين يحلون هذا الصيف لقضاء عطلهم السنوية بوطنهم الأم.
حسب وثيقة المؤشرات الرئيسية للمبادلات الخارجية للمغرب الصادرة حديثا عن مكتب الصرف برسم شهر يونيو الماضي، فإن “فائض ميزان الخدمات انخفض بنسبة 5,8 في المائة إلى 58,45 مليار درهم”.
نتج هذا أساسا، حسب البيانات الرسمية، من “تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج حيث بلغت 56,72 مليار درهم متم يونيو مقابل 55,69 مليار درهم خلال الفترة ذاتها قبل سنة؛ أما إيرادات/ مداخيل الأسفار فقد تجاوزت 49 مليار درهم، بقليل، مقابل 47,91 مليار درهم عاما قبل ذلك”.
قاطرات تجر الاقتصاد
معلقا على الأرقام والمؤشرات الجديدة نصف السنوية، قال بدر الزاهر الأزرق، أستاذ باحث في علوم الاقتصاد بجامعة الحسن الثاني الدار البيضاء، إن “مؤشرات ومعطيات مكتب الصرف تؤكد أن القاطرة التي تجر وراءها اقتصاد المملكة المغربية هي ثلاثة قطاعات أساسية؛ الأول هو قطاع صناعة السيارات ثم القطاع السياحي وكذلك تحويلات المغاربة في الخارج، مع شيء من قطاع الصناعة الاستخراجية التي عرفت تذبذبا في الأداء بين السنة الماضية وهذه السنة”، مستدركا: “ولكن عموما هذه القطاعات، خاصة السياحة وتحويلات مغاربة الخارج، لعبتْ ولا تزال دورا كبيرا على مستوى ضمان الاستقرار النقدي”.
وتابع الأزرق، مفصلا ضمن تصريح لجريدة هسبريس، بأن “المملكة المغربية تتوفر، اليوم، على احتياطي مريح من العملة الصعبة مكنها من سد حاجياتها على مستوى الواردات لمدة تفوق الستة أشهر؛ وهذا أمر جيد بالنسبة لبلادنا”.
وحسب الخبير الاقتصادي ذاته، فإن “جزءا من هذه التحويلات التي ترد على خزينة المغرب هي ليست فقط تحويلات التضامن، كما نعتقد؛ فجزء منها كان عبارة عن استثمارات التي تجعلنا نتحدث عن تحويلات منتجة للجالية المغربية في الخارج”.
وعرج المتحدث، ضمن تصريحه، على “الدينامية التي خلقها القطاع الصناعي، وإنْ كان القطاع الصناعي والقطاع السياحي من المعول عليهما يعني بشكل كبير امتصاص جزء من العطالة التي أفرزها موسم فلاحي مضطرب، والتي أفرزها أيضا تعثر القطاع العقاري بعد أزمة تضخمية، ورفع أسعار الفائدة، وتراجع استثمارات القطاع وغلاء مواد البناء”، مسجلا بالتعليق: “للأسف، لم يستطع هذا القطاع، بالرغم من الدينامية والأداء الجيد الذي قد يستوعبه، يبقى القطاع السياحي الذي يتطلب مؤهلات كبيرة والذي بإمكانه أن يمتص جزء منه من هذه العطالة؛ ولكن لم تكن كافية”.
“تفسير مرجح”
في المقابل، تابع الأزرق متسائلا: “لماذا لا نحقق، رغم أن هناك دينامية ونموا على مستوى القطاعات، نسب نمو لا تتجاوز 4 أو 5 في المائة؟” قبل أن يبسط بعض عناصر الإجابة: “لأن هذا الأمر هو مرتبط أيضا بأداء مجموعة من القطاعات الأخرى التي ما زالت تؤثر بشكل كبير على النشاط الاقتصادي؛ في مقدمتها القطاع الفلاحي”.
ورصد أستاذ قانون الأعمال بجامعة الدار البيضاء أن “ارتفاع مداخيل الأسفار مرتبط، حسب تفسير مرجح، بارتفاع الوافدين على المملكة”، مستدركا أنه “على ما يبدو فهي تستدمج أيضا ضمن تركيبة السياح المغاربة المقيمين بالخارج المتميزين أيضا كباقي السياح بمدة إقامة قصيرة إلى متوسطة، وجزء منهم يذهب إلى الفنادق”.
وسجل بأن “تطور الإنفاق السياحي على الأسفار لا يمكن الحكم عليه بالمطلق؛ لأن ليالي المبيت لم تتطور بعد بالشكل المنتظر، وسط ضعف عروض محفزة على الإنفاق السياحي-الترفيهي، مع تبعات آثار الصدمة التضخمية”.
“ارتفاع مفيد”
من حيث الأثر على إنعاش الميزانية وموارد الدولة بهذه المداخيل، قال وديع الشحواطي، أستاذ التعليم العالي بجامعة عبد المالك السعدي بتطوان، أن “قراءة مقتضبة لمؤشرات ارتفاع، ولو طفيف، في تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج وارتفاع كذلك لعائدات للسفر يمكن أن نرصده بملاحظة في سياق استعداد المغرب لمشاريع كبرى تتطلب موارد مالية ضخمة”.
ويرى الشحواطي، ضمن تعليق لـ هسبريس، أن “المملكة مقبلة على مشاريع كبرى عديدة، خصوصا مع تنظيم كأس العالم المقبلة وكذا مشاريع البنيات التحتية التي تتطلب موارد مهمة كما هو معلوم”، مشددا على أنها “تتطلب خصوصا عملة صعبة من أجل تنفيذها؛ وهذا يكون لصالح الميزانية العامة للبلاد، ولو أن الارتفاع كان طفيفا”، وفق وصفه.
نقطة ثانية أشار إليها أستاذ الاقتصاد أن “هذه المسألة تخدم القدرة الشرائية، ويمكن بصفة عامة أن تساعد المواطن المغربي على مواجهة الموجة التضخمية”؛ ما يجعلها “عائدات ذات تأثير إيجابي من أجل مواجهة موجة الغلاء”.
ونبه وديع الشحواطي إلى معطى تضمنته نشرة مكتب الصرف حول “ارتفاع نفقات السياح المغاربة الذين يقضون عطلهم خارج التراب الوطني؛ ما يستدعي الاستفادة منها داخليا”؛ وهو ما يتأتى بـ”العمل على تقوية بنيات تحتية ووسائل ترفيه وتجهيزات أساسية أخرى، ثم توسيع عرض السياحة الداخلية وتيسير وسائل قضائها في مختلف الجهات”.