أصدر منتدى الاستراتيجيات الأردني ورقة سياسات حول دور التمويل في الأردن، من خلال دراسة أثر “الائتمان المصرفي” و”بورصة عمان” على النمو الاقتصادي الحقيقي، وعلى “السلوك الاستثماري”، وتقديم بعض التوصيات المستندة إلى نتائج التحليل.
واستعرضت الورقة الدور الفعال والحيوي للبنوك في الاقتصاد الأردني؛ حيث ارتفع ائتمان البنوك إلى الناتج المحلي الإجمالي من 14.5% عام 1964، إلى 96.6% عام 2023. وعلى مستوى التسهيلات الائتمانية الممنوحة للقطاعات خلال الفترة 2010-2023، جاء قطاع الإنشاءات كأكبر القطاعات المقترضة من البنوك بالمتوسط، يليه “قطاع الأفراد”. في حين يلاحظ تراجع حصة قطاع التجارة العامة مما نسبته 24.9% من التسهيلات الائتمانية المباشرة عام 2010، إلى 14.5% عام 2023. وكذلك الحال بالنسبة لقطاع الصناعة، والسياحة، والنقل فقد انخفضت التسهيلات الائتمانية لهذه القطاعات الهامة، والتي يعول عليها في تعزيز النمو الاقتصادي وفق رؤية التحديث الاقتصادي.
وفيما يتعلق بنتائج تحليل أداء بورصة عمان ودورها في تعزيز النمو الاقتصادي، فقد أشارت الورقة إلى تواضع أداء البورصة خلال العقود القليلة الماضية؛ حيث تراجع عدد الشركات المدرجة في البورصة من 277 شركة عام 2010، إلى 166 شركة عام 2023، حيث اتسمت القيمة السوقية للبورصة (كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي) خلال السنوات الماضية، بالثبات النسبي. في حين تجاوزت تلك النسبة حاجز المئة في المئة خلال الفترة 2003 – 2010. ويلاحظ أنه منذ العام 2005، بدأت تلك النسبة بالانخفاض المستمر لتصل إلى 48.8% عام 2023.
كما أوضحت الورقة نتائج قياس أثر كل من الائتمان المصرفي وبورصة عمّان على النمو الاقتصادي؛ حيث بينت نتائج التحليل وجود علاقة توازن إيجابية وطويلة الأجل ما بين إجمالي الائتمان الحقيقي والنمو الاقتصادي الحقيقي. حيث أشارت الورقة إلى أنه عند ارتفاع إجمالي الائتمان بمعدل 10% (على سبيل المثال)، يزداد الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بمعدل 2.6%.
كما أشار التحليل إلى أن هناك علاقة توازن إيجابية طويلة الأجل، بين الائتمان الحقيقي لكل من قطاعي الانشاءات والصناعة، والنمو الاقتصادي الحقيقي. في حين لا توجد علاقة توازن طويلة الأجل بين كل من الائتمان الحقيقي للأفراد أو لقطاع التجارة العامة، والنمو الاقتصادي الحقيقي.
وبينت الورقة أيضًا، وجود علاقة توازن طويلة الأجل بين القيمة السوقية لبورصة عمان والنمو الاقتصادي الحقيقي. فعند زيادة القيمة السوقية للبورصة بنسبة 10% (على سبيل المثال)، فإن الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي يزداد بنسبة 3.62%.
وفي سياق متصل، حلل المنتدى في ورقته البيانات المالية ذات الصلة على المستوى الجزئي لـ 71 شركة غير مالية مدرجة في بورصة عمان (34 شركة صناعية، و37 شركة خدمية)، بأن الأداء المحاسبي (صافي الربح/ إجمالي الموجودات أو العائد على الموجودات) للشركات (غير المالية) المدرجة في البورصة كان إيجابياً. حيث بلغ متوسط القيمة الإجمالية للعائد على موجودات الشركات الصناعية والخدمية 1.8%، و2.3% على الترتيب.
وعلى الرغم من الأداء المحاسبي الإيجابي للشركات الصناعية والخدمية، إلا أن صورة الأداء الاقتصادي للشركات- أي العائد على موجودات الشركة مطروحاً منه تكلفة تمويل رأس المال – كانت مختلفة تماما. فقد بينت نتائج التحليل بان مثل هذه العوائد على الموجودات (الصناعية 1.8%، والخدمية 2.3%)، أقل بكثير من تكلفة الاقتراض، والتي بلغت بالمتوسط خلال الفترة 2011 – 2022 حوالي 8%، علاوة على تكلفة حقوق الملكية (وهي الأعلى عادةً). وتشير هذه النتيجة إلى أن عينة الشركات (المتضمنة في الدراسة) تحقق بالمتوسط خسائر اقتصادية كبيرة، رغم الأرباح المحاسبية المتواضعة.
وقد عزى المنتدى سبب ضعف توسع استثمارات العديد من الشركات التي شملتها الدراسة، إلى تواضع الأرباح المحاسبية والخسائر الاقتصادية الكبيرة. فقد بلغ المتوسط العام لنسب التغير السنوي في صافي الموجودات الثابتة للشركات الصناعية، والخدمية (-1.6%)، و(-2.4%) على التوالي؛ أي أن قيم صافي الأصول الثابتة في تناقص خلال الفترة 2010 – 2022.
وفيما يتعلق بتحليل تأثير بورصة عمان والائتمان المصرفي على السلوك الاستثماري للشركات الصناعية والخدمية الأردنية المدرجة، بينت نتائج تحليل المنتدى وجود تأثير إيجابي لسوق الأسهم على استثمارات الشركات. حيث تميل الشركات التي تتسم بـ (ارتفاع القيمة السوقية لأسهمها نسبة إلى إجمالي الموجودات) بالمتوسط، إلى الاستثمار أكثر من الشركات الأخرى. بعبارة أخرى، من السهل على الشركات التي تتمتع بقيمة سوقية مرتفعة، أن تستثمر في الموجودات الحقيقية من خلال إصدار الأسهم، خلافا للشركات الأخرى ذات القيمة السوقية المنخفضة.
كما أشارت النتائج إلى وجود تأثير إيجابي لإجمالي مطلوبات الشركات على استثماراتها. حيث تميل الشركات ذات المستويات الأعلى من المطلوبات بالمتوسط، إلى الاستثمار أكثر من الشركات الأخرى. علاوة على وجود تأثير إيجابي للتسهيلات طويلة الأجل على استثمارات الشركات. حيث تميل الشركات ذات المستويات الأعلى من التسهيلات طويلة الأجل بالمتوسط، إلى الاستثمار أكثر من الشركات الأخرى.
وخلصت نتائج الورقة إلى أن البنوك تلعب دورًا أكبر من بورصة عمان في تعزيز استثمارات الشركات في الموجودات الحقيقية (الثابتة). وهذا هو الواقع بالنظر إلى تأثير التسهيلات الائتمانية طويلة الأجل على السلوك الاستثماري لعينة الدراسة من الشركات غير المالية المدرجة في البورصة.
وأوصى المنتدى بضرورة تشجيع الشركات المدرجة في البورصة على الاعتماد بشكل أكبر على المطلوبات إلى حقوق الملكية في تمويل عملياتها، خاصة وأن تكلفة الدين أقل من تكلفة حقوق الملكية. حيث تشير الأرقام إلى أن الشركات التي تزيد من نسبة المطلوبات إلى حقوق الملكية تقلل من تكلفة تمويل موجوداتها، وبالتالي تزيد من حجم استثماراتها، وعوائدها الاقتصادية.
وأضاف المنتدى، لا بد من النظر في الأسباب الكامنة وراء عدم وجود تسهيلات طويلة الأجل في دفاتر العديد من الشركات الصناعية والخدمية المدرجة في البورصة، لتحديد ما إذا كان السبب هو من جانب العرض (البنوك لا تقدم تسهيلات)، أم من جانب الطلب (الشركات لا تسعى للحصول على تسهيلات طويلة الأجل).
ولفت المنتدى الى أهمية تفعيل سوق سندات الشركات بشقيه الأولي والثانوي، لتوفير بديل آخر لتمويل الشركات، والذي قد يشكل مصدرا إضافيا ومنافسا للتسهيلات المصرفية.
كما وشدد المنتدى على أهمية تشجيع النظام المصرفي على زيادة حجم تسهيلاته الائتمانية الممنوحة للقطاع الصناعي. خاصة وأن التسهيلات الائتمانية من قبل البنوك المرخصة تركزت في عام 2023 بشكل كبير في عدد محدود من القطاعات. فقد شكل حجم الائتمان الممنوح لأربعة قطاعات، وهي “الأفراد”، و”الانشاءات”، و”الخدمات والمرافق العامة”، و”التجارة العامة” ما نسبته 80.1% من إجمالي الائتمان. في حين بلغت حصة القطاع الصناعي من إجمالي تلك التسهيلات (11.6%) فقط.
ونوه المنتدى الى ضرورة تحسين وضع المالية العامة، حيث إن نسبة “الديون على القطاع العام” من “الموجودات المحلية للبنوك المرخصة” قد ارتفعت من 11.9% عام 2005، إلى 27.1% عام 2023. وبمعنى آخر، نتيجة للعجز المستمر في الميزانية، فإن هذه النسب في تزايد على حساب الزيادة في إقراض القطاع الخاص
واختتم المنتدى توصياته بضرورة الإسراع في تنفيذ تعليمات “صناع السوق”. حيث نشرت بورصة عمان مؤخرا مسودة التعليمات لإدخال “صناع السوق” إلى نظام البورصة، من أجل تعزيز نشاط السوق وزيادة السيولة، وتقليل مخاطر الاستثمار في الأوراق المالية المدرجة. وهذا بدوره سيشجع أيضا الشركات العائلية على الإدراج في البورصة.
وخلصت الدراسة الى أن تنفيذ هذه التوصيات سيعمل على المساعدة في تحقيق الهدفين الاستراتيجيين لرؤية التحديث الاقتصادي؛ “الاستمرار في نمو القطاع المصرفي المرن في الأردن لتعزيز التنمية”، و”تطوير سوق رأس المال لدعم الاستثمار والتمويل”.
وكالة عمون