مأمون ملاعب
كتب انطوان سلمون على موقع القوات اللبنانية مقالة تحت باب: خاص بعنوان “حزب سعادة ضائع”، لذلك وجب الرد عليها وعلى كاتبها.
تعتبر زاوية النظر في الفلسفة نقطة أساسية في التقييم وكاتب المقال جلس في زاوية ضيقة وشاهد لم يحظ برؤية شاملة واضحة، وهو أيضاً يراقب الآخرين ولا يستطيع رؤية ما تحويه الزاوية من حيث ينظر، فلا بد من التدليل في أشياء والإيضاح في أشياء أخرى.
بداية في الجمع بين المتناقضات لا بد من إيضاح أن العلاقات بين الدول أو المؤسسات لا تبنى على الأيديولوجيا بل على المصالح. اجتمعت الشيوعية مع النازية في احتلال بولندا واقتسامها ثم تحالفت الشيوعية مع الليبرالية ضد النازية. وكي لا نسترسل في الأمثلة عن الدول لا بدّ من تذكير الكاتب عن العلاقة التي جمعت الجبهة اللبنانية مع الدولة السورية عام 1976 وتأييد الأخيرة لدخول الجيش العربي السوري إلى لبنان بل واستغلال هذا الدخول في ارتكاب مجازر بشعة بحق أبناء وطنهم اللبنانيّ في صليما وعينطورة. وللتدليل أيضاً لا بد من تذكير الكاتب بانقلاب قائده المؤسس للقوات اللبنانية على حلفاء الصف وأبناء المذهب والفتك بهم في الصفرا من أجل توحيد القيادة في شخصه والانقلاب على أحد زعماء الموارنة، رئيس الجمهورية ورئيس الجبهة اللبنانية والهجوم على عقر داره في إهدن وقتل ابنه وعائلته غدراً وليس من الضرورة أن نستحضر صحف تلك الحقبة لنجلي ما قيل أو ما كتب. أورد هذه الأحداث من قبيل المقابلة في إمكانية الجمع بين المتضادّات أو الفصل ضمن الحسم الايدولوجي الواحد وليس من قبيل تبرير أو شرح نهج الحزب السوري القومي الاجتماعي.
يذكر الكاتب تعريفاً للأمة نقلاً عن سعاده. وهنا لا بد من الإيضاح أن تعريف الأمة عند سعاده هو تعريف جديد في علم الاجتماع ويخص سعاده، إذ يعتبر أن الأمة تقوم على عوامل الإنسان (الجماعات) والبيئة والتفاعل في ما بين الجماعات وبين البيئة. اما كلمة أمة في اللغة العربية فهي تعني مجموع من الناس بصفة ما فيصح قول الأمة الإسلامية اي مجموع المسلمين والأمة العربية وغيرها، وبما أن سعاده حدد معاني المفردات فإن أدبيات الحزب السوري القومي الاجتماعي ملتزمة هذه المفردات وتستعمل في هذا السياق. فقول الكاتب إن الأمة السورية جمعت عدة أوطان والتي ربما يقصد فيها عدة دول يعني عدم تمييزه بين الأمة والدولة والوطن. وبما أن سعاده يقول إن الوطن (الأرض والبيئة) هو سورية فلا بد أن نحيل الكاتب إلى جبران خليل جبران إبن بلدة بشري في مقالة الأضراس المسوسة من كتابه العواصف، أو إلى الريحاني، في تأسيسه الجمعية السورية في الاغتراب أو إلى المعلم بطرس البستاني في كتابه نفير سورية أو إلى المؤتمر السوري العام 1919 بحضور ممثلي الإكليروس الماروني وإعلانه عن مملكة سورية، علَّ في ذلك يرى أن الوطن السوري ليس بدعة من سعاده بل حالة طبيعية عند الشعب السوري آنذاك.
يبقى أن نشير أن الكاتب لم يميز بين كلمة أمة وكلمة ملة فاتهم سعاده بالتناقض بينما الحقيقة أنه وقع في عدم الفهم.
إن الواقع السياسي الحالي للشعب السوري والوطن السوري والتجزئة إلى دول عدة وسلخ مقاطعات وضمها إلى دول أخرى قد تمّ تحت الاحتلال الأوروبي الغربي (الحلفاء) وتضمن الغدر والخديعة. وكانت الغاية من هذا التقسيم تهيئة المناخ لإقامة دولة لليهود على أرض فلسطين، بحسب وعد بلفور الذي سبق التقسيم الفعلي، وفي تلك الحقبة لم تكن الإرادة فيها للأمة السورية بل للمحتل الذي فرض علينا أمراً مفعولاً فأصبحنا دولاً صغيرة ضعيفة وقدم فلسطين لليهود الذين يعتقدون بإيمان ديني أن الأرض بين النيل والفرات هي أرض وطنهم المزعوم، أي معظم الوطن السوري. من هذا المنطلق فإن الحرب مع اليهود هي حرب وجود، الأرض نفسها، وهي حق الشعب السوري الموجود عليها من ما قبل التاريخ، هي موقع خلاف وصراع وكل مَن يقاتل الوجود اليهودي على أرضنا يكون في صفنا، أي يخدم الغاية الأساسية وهي الانتصار في الصراع على العدو وتحت هذه الغاية تلتقي المقاومات (جبهة الممانعة) وبصرف النظر عن أي اختلاف أيدولوجي.
في العلاقة بين الحزب السوري القومي الاجتماعي وحزب الله والتي يرى فيها الكاتب تبعية رغم تناقض العقائد، فإن الكاتب تجاهل أموراً ووقائع عدة اذكر بعضها على سبيل المثال:
* كان حزب الله حريصاً جداً على درء الفتنة والحرب الأهلية حتى لو تنازل لخصومه السياسيين. وهو ما حصل في الانتخابات مع الحلف الرباعي ووجود مرشح القوات مع مرشح الحزب على نفس اللائحة. بينما كان مرشح الحزب السوري القومي الاجتماعي على لائحة مقابلة وهذا لم يشكل خلافاً بين الحزبين ولا تحالفاً مع القوات.
* كان حزب الله حريصاً وبشكل دائم على إظهار لبنانيته وعلى استقلاليته وإيضاح أن علاقته مع إيران تشمل الاحترام والتقدير ومصلحة لبنان. ويبدو أن الكاتب أخذ فكرة الولاء الفكري والعقاىدي لولاية الفقيه في قصد تشويه العلاقة وحرم حزب الله من لبنانيّته واعتباره إيرانياً انسجاماً مع رأي القوات والقول بالاحتلال الإيراني.
* مع أن عقيدة حزب الله دينيّة مذهبيّة لكنه يشجب الطائفيّة السياسيّة ويقول بإلغائها.
* كان الحزب السوري القومي الاجتماعي إلى جانب حزب الله في الشام مع الدولة السورية وجيشها في مواجهة الإرهابيين التكفيريين الذين يخدمون مخططاً صهيونياً وكانا حريصين على حماية الوجود المسيحي في سورية، بينما كانت القوات اللبنانية في المقلب الآخر حليفة الإرهابيين ولو على دم المسيحيين.
تدل هذه النقاط على مساحة التلاقي ومتانة التحالف بعكس ما أراده صاحب المقال من إبراز التناقضات، وبحكم مساندة إيران المادي لحزب الله وبحكم انتشاره الواسع حصل على قوة بشرية وعسكرية ومادية أضعاف ما يستطيعه الحزب القومي. فيبدو للناظر من بعيد حالة تبعية لكنها غير موجودة.
أخيراً إن الواقع السياسي الحالي نشأ بفعل الحرب العالمية الأولى وأن حرباً قد تحصل ستغير هذا الواقع كلياً ودولة لليهود ستزول وتزول معها كل مخلفاتها.