هادي جلو مرعي
كاتب وصحافي من العراق
سألته عن حاله، وأعلم أنه يتقاضى راتباً متواضعاً، وأعلم أن ثيابه رثة، ويعيش في بيئة تخالفه في معتقده وعاداته، لكنه أجابني كما يجيب مخالفوه عادة: تحت رحمة (أبو خيمة الزرقة) ويعني السماء. والسماء التي هي فضاء لا حدود ولا نهايات له ولون. وربما طبعه السواد والبرد تبدو زرقاء اللون في النهار عادة.
وتعوّد الناس أن يرونها بلون الزرقة، وظنّها كثير منهم زرقاء، وهي ليست بزرقاء، وعاشوا تحتها، وتبادلوا الأدوار حتى مضت منهم أجيال، تلتها أجيال تعاقبت وبقيت تلك الزرقة الموهومة كما هي، وبقيت تلك الخيمة كما هي زرقة لم تبل كما تبلى خيم البدو والرحالة والمستكشفين والباحثين عن الجمال والمتعة في الطبيعة المترامية.
خيمة يستظل بها الجميع ويترنمون بها ويتوسلونها لأنهم يرونها ثابتة لم تزعزعها ريح ولا تخللها مطر ولا تكسرت أعمدتها، بل ظلت راسخة باللون ذاتها والقوة والهيبة ذاتهما وهي المعبرة عن عظمة الخالق وحضوره وجماله ورحمته.
تثير هذه الخيمة في الكثير من الأسئلة والتمنيات، وتتجلى لي منها أشكال من السمو والرفعة والهيبة والسعة التي تفسح للجميع أن يعيشوا في ظلها حتى يغادروها مكرهين في لحظة فارقة، وهي باقية الى الأبد مثيرة للأسئلة وللحزن وللتعجب وللحيرة وللخوف وللأمل وللاستسلام واليأس، ثم ترك الأمور لصاحب الخيمة ليفعل ما يشاء ويحكم بما يشاء ولتكون كل النهايات بأمره وكما هو أمره الذي لا رادّ له لأنه قضاء محتوم غير مبروم.
هذه الخيمة العجيبة تتسع للفقراء والأغنياء، يعيشون سوية في ظلها برغم أن هذا جائع، وذاك ممتلئ، وبرغم أن هذا معدم، وذاك يعيش في بحبوحة من الرزق، وبرغم أن ذاك يأكل ما يجد، وذاك يأكل حتى يمل من أصناف الأكل، وما تشتهيه النفس، وتطيب له.
ويعيش في ظلها القاتل والمقتول، ذاك يرحل، وهذا سيلحق به قتلاً، أو مرضاً، أو بآفة ما تطويه. ويعيش في ظلها السارق والمسروق، والمحتال والمغفل، والطيب والشرير، والقديس وإبليس، والظالم والمظلوم، والحاكم والمحكوم، العاقل والمجنون، والعالم والجاهل، والسيد والعبد، والحكيم والأحمق، والزاني واللص والمنافق والنمام والجلاد والمفتري والكذاب، ومعه وإلى جواره الصادق والأمين.
كلهم في ظلها وبرغم ذلك تجد نظاماً محكماً للحياة وللعيش والممات ونظاماً كأنه حاسوب حديث يتجدد ويحدث ذاته بذاته ويسجل الخطايا والذنوب والحسنات.
يا لها من خيمة فيها كل شيء، نظام للعيش، ونظام للموت، وكل إنسان يعلم ما هو، وما عليه وما له. ويعلم أنه راحل دون أن يمنعه ذلك من فعل كل شيء، قبيح وحسن، صالح وطالح.
والنهايات واحدة، لكن ما بعد النهايات بداية جديدة يكون فيها الوجود الأبدي، والصورة النهائية لكل فرد، لا تتبدّل ولا تتغيّر إلا بمشيئة الرب.
لإعلاناتكم في منصة حرمون يرجى الاتصال واتس:
0096176920208
وللانضمام:
مجموعة حرمون للتعليم والإعلام والتدريب:
https://chat.whatsapp.com/HQi7bkJTOGGLYmdqUsKYOB
مجموعة منصة حرمون وندوة حرمون الثقافية:
https://chat.whatsapp.com/HFNrMOLD5TKDxmZTTjYZi3
مجموعة حرمون بالتلغرام:
راديو حرمون:
https://onlineradiobox.com/lb/haramoon/?cs=lb.haramoon&played=1