ميخائيل عوض
ركب نتنياهو رأسه ورفض الرجاءات والتوسلات الأميركية والخليجية والقطرية والأردوغانية وكسر الهدنة ويتعنتر على سكان وابنية غزة بالقصف التدميري. ويتفنن في التهويل عليهم، وإرهاق العزل بالقتل والتجويع والترحيل من الشمال الى الجنوب ثم ينذر أهل الجنوب بالنزوح. ومازال يتوهم بإمكانية ترحيل غزة الى سيناء بل وطوّر أوهامه وبات يتحدث عن ترحيلهم الى كندا واستراليا وبلاد الله الواسعة. ففي عقله الصهيوني التلمودي فلسطين لا تتسع لأصحابها وأن المستوطنين ومجاميع شذاذ الآفاق من جهات الارض الاربع أحق بالوطن من اهله واصحابه والمدافعبن عنه وعن حقهم حتى الموت. ومهما كان الدمار وقسوة الحرب وتخلي ذوي القربى وحالة العمى التي أصابت من صاغ شرعة حقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي وقوانين وقواعد الحروب والإبادة الإنسانية وجرائم الحرب.
وقد نبش أيضاً من بقايا ذاكرته لعجزه وعجز كيانه عن ابتداع الجديد وقد ضربته الشيخوخة والزهايمر، وصفة الحزام الأمني في غلاف غزة وأصر على تشبيهه بلبنان، والحق ان الشريط والحزام الامني برغم تجنيد لبنانيين لحماية “إسرائيل” وقبول جيش لحد ان يكون اكياس رمل ودشم لحماية دبابات وجنود الاحتلال الا انه لم يُفد وانهار بلمحة بصر ككومة ملح في أيار ٢٠٠٠، وخرجت “اسرائيل” ورأسها بين فخذيها، بحسب توصيف “يديعوت احرنوت” تجرجر أذيال الهزيمة وتركت عملاها اللحديين في العراء. وكانت يومها “اسرائيل” أقوى بألف مرة مما هي عليه الآن وكذلك حلفها.
والوصفة ذاتها اقترحها نتنياهو في سورية وتبخرت كحلم في ليلة صيف.
ماذا بقي عند نتنياهو؟ وماذا اعد للجولة الثانية؟ وهل لديه سوى العار والخزي، وحتمية الهزيمة وطائرات وقذائف تدمير سلمته إياها أميركا بصفتها الشريك والقائد للكيان وحربه؟؟
لماذا عاد نتنياهو لأوهامه ولسياسته لتدمير غزة وإبادتها؟
في المعطيات والواقع وأحداثه لا شيء جديداً عنده، ولا عناصر قوة مكتسبة، ولا إمكانيات استجدت لحسم الحرب بل على العكس، فالأيام السبعة للهدنة والاسرى الذين اطلق سراحهم كشفت “إسرائيل” على العجز والخزي وارتكاب المجازر وجرائم الحرب الموصوفة والجرائم ضد الإنسانية بينما كسبت حماس جولة في الرأي العام والعدالة الدولية وحقوق الإنسان وتفوّقت كما تفوّقت في عملية طوفان الأقصى العجائبية وفي الصمود الأسطوري وفي الحرب البرية التي كلفت “إسرائيل” أكثر من ٣٣٠ دبابة ومدرعة وآلية وما يربو عن آلاف القتلى والجرحى دون ان يحقق جيشها مكسباً يُعتدّ به.
في الايام السبعة للهدنة تراجعت جدياً شعبية نتنياهو وحزبه وحكومته وتراجع تأييده في حرب العجز التي يخوضها وخسر كثيراً في الرأي العام الأميركي والأوروبي والإسلامي والعربي.
حتى بلينكن الصهيوني لم يوافق مجلس الحرب الاسرائيلي على الأشهر وقال لديكم أسابيع لا أكثر… وبأفعاله التي لا يبررها الا انه وكيانه اصبحوا في زمن الشيخوخة والترهل والزهايمر وافتقاد الأفكار والأدوات والقوة لفرض ما يتوهمون واجترار ما كان وفشل. وقد بات الكيان لشدّة عجزه وتخلفه أسير عقول وقادة مقامرين لا هم لهم الا حماية انفسهم ومكانتهم ولو على حساب الكيان ومصالح الغرب في الإقليم. ولشدة عقم الكيان وعجزه عن توليد جنرالات وقادة بدل العجزة والمقامرين، باتت أميركا نفسها تعجز عن تطويعه وإعادة هيكلته، خاصة وانها هي باتت في زمن العقم والحاجة لإعادة هيكلة.
هكذا يقامر نتنياهو بـ”إسرائيل” ويستعجل زمن هزيمتها المدوية وزوالها وقد قرر انها في حرب وجودية يستحيل عليها انتزاع النصر فيها ويسوق الحكومات والنخب الحاكمة الموالية لـ”إسرائيل” وأميركا الى مزيد من الخسائر والانحسار.
اما على الضفة الاخرى، فقد رصدت حماس وغزة مكاسب جلى في الرأي العام وفي تقديم نفسها وحربها كحرب عادلة وإنسانية وقيمية، ومحقة، واستفادت من الانفراجات بتموين غزة بما توفر وإعادة تنظيم جهدها العسكري واحتياجاتها واعلنت كتائب القسام والفصائل جاهزيتها للقتال لأشهر وسنوات وأكدت قولها بالفعل فتمكنت وأثخنت الجيش الإسرائيلي بالقتلى والجرحى وتدمير الآليات وضربت بصليات الصواريخ عمق الكيان.
واعلن الحوثيون والمقاومة العراقية وجبهة الجنوب اللبناني الجاهزية والعودة الى الاشتباك وهددت فصائل وجبهات المحور بالأعظم والأهم فهل تملك القدرة؟ وهل أمنت جديداً نوعياً لحماية غزة وافشال العدوان وتحقيق نصر عظيم وعزيز في هذه الحرب وفي جولتها الثانية؟
المنطقي الجزم بأن المحور وفصائله جددوا التزاماتهم بانهم سينصرون غزة وحماس في هذه الحرب مهما كانت الأثمان والاكلاف، ومازالوا على وعدهم وعهدهم. والمؤكد ان قوتهم وعدتهم وعتادهم وعددهم الذي اعد للحرب الكبرى ما زال سليماً وتتراكم عناصر القوة وتزيد فرصتهم وإمكاناتهم ودورهم ويسجلون مكاسب ونقاط في حرب غزة ويزيدون من عناصر القوة والحضور. والهدنة وما تحقق منها من مكاسب وفرت المزيد، واظهرت “إسرائيل” قاصرة ومهزومة وعاجزة عن تحقيق أي مكسب في الحرب واضطرت صاغرة لقبول شروط كتائب القسام في التبادل، والمنطقي انهم درسوا وأعدوا واستعدوا لكل الاحتمالات في الجولة الثانية وعندما تطلب غزة وفصائلها، وليس مستبعداً ان تشدد فصائل المقاومة الضربات المؤلمة للقواعد الأميركية في سورية والعراق، وغير المستبعد ان تقود تظاهرات عارمة وتقتحم المنطقة الخضراء والسفارة الأميركية لإلزام أميركا بتفكيك قواعدها والانسحاب والهزيمة من سورية والعراق وهذه تحقق وعد السيد حسن نصرالله ثأراً لقاسم سليماني.
والفرص والامكانات والظروف كلها مؤاتية واعمال من هذا القبيل تتضامن مع غزة وتنصرها وتستعجل وقف العدوان الاسرائيلي عليها.
والحوثي اعلن ونفذ وصعّد من التهديدات وليس ما يمنعه من توسيع الاشتباك والتصعيد الناري ضد السفن والاساطيل الأميركية والاطلسية وليس ما يمنعه من ادخال انواع من الصواريخ والمسيرات القادرة على الوصول الى أهدافها وضربها بقوة وحزم. وهذا أيضاً من الادوات التي تنصر غزة وتدفع لوقف حرب تدميرها.
ومن الجنوب تفيد كل المعطيات والتسريبات وتؤكد قدرة المقاومة على توسيع مشاركتها كماً ونوعاً وبالأسلحة الجديدة وبالعمل المباشر بتطوير التكتيكات والشروع بعمليات الإغارة وتدمير المواقع الاسرائيلية وزرع العبوات والكمائن بما في ذلك تحرير مستوطنات والانسحاب منها، ومن غير المستبعَد أن تفعّل خططها لتحرير الجليل ودفع الحرب و”إسرائيل” وحلفها الى منسوب اعلى من المخاطر والتطورات التي تصادق على تكرار قول السيد نصرالله اننا في زمن الحرب الكبرى حرب تحرير فلسطين من البحر الى النهر، وقوله بحزم شديد لقد أكملنا الاستعدادات لخوضها.
والحق يقال؛ انه بينما بذلت “اسرائيل” واستخدمت كل طاقاتها وما لديها من عناصر قوة ودخلت أميركا الحرب وتقود “اسرائيل” وحربها وحشدت الاساطيل واستخدمت أدواتها وحلفائها ونفذت حملاتها الاستعراضية والتهويلية ونفوذها ودبلوماسيتها ولم يبقى في جعبتها الا تحذير “اسرائيل” من ان لديها اسابيع وليس اشهر فيما يشبه الإنذار والتحذير بان أميركا نفسها ستنشغل وتخضع للضغوط في بنيتها والرأي العالم، وتترك “اسرائيل” لمصيرها المحتوم بخسارة حربها ووجودها.
أما محور المقاومة فلم يستخدم من أوراقه وعناصر قوته إلا غزة وصمودها وفصائلها وبعض ما عنده في الجنوب والحدود السورية العراقية وفي البحر الأحمر وبحر العرب، وهذا جزء هامشي وقليل جداً مما يملك من سلاح وقدرات وجغرافيا وإمكانات بشرية ومادية هائلة، لم يوظفها في الحرب ويدخرها لتأمين انتصار غزة وحماس ولتحرير فلسطين كلها.
ما تقدم قد يفسر لماذا عاد نتنياهو وحكومته وقيادته القاصرة الى الحرب وكسر الهدنة برغم أن كل المعطيات والوقائع والتحليلات تؤكد ان لا جديد عند “اسرائيل”، ولا قدرة لها على حسم الحرب وتسجيل اي انتصار يرصد لها.
يبقى احتمال ان نتنياهو عاد الى الحرب للتهويل واستعراض عضلاته الصوتية ولأنه عاجز عن فرض الهدنة في حكومته التي يهددها الانهيار فوراً وانهيارها سيأخذه الى السجن وارذل المواقع، فليس لديه الا ان يرتكب الحماقات بانتظار تطور ما او تدخلات تعينه على وزرائه وتكتلات اليمين المتدين الذي بات يحكم ويقود “اسرائيل”، فيعود ليقبل شروط غزة لوقف النار والتبادل.
وربما هي محاولة للتهويل والضغط على المفاوض لتحسين شروط “اسرائيل” فيها وبالرهان على دور لقطر وتركيا وأميركا في ممارسة الضغوط على كتائب القسام لدفعها للتنازل ومنح نتنياهو جائزة ترضية تعينه على تطويع حكومته وأركانه، الهدف البعيد المنال والمساوي لأمل ابليس بالجنة.
وهناك احتمال قد يكون راجحاً، ان “اسرائيل” وقيادتها اصبحتا في زمن تفتقد فيه للمبادرة والعقل، وتعجز عن اتخاذ القرار وتأمين عناصر تحققه.
حالة العجز عن اتخاذ القرار موصوفة بانها الشروط والبيئات المناسبة للانهيار كما في المؤسسات والشركات كذلك في الدول والإمبراطوريات فاين “اسرائيل” الكيان المصنع والزرع الغريب من هذه وتلك.
لأي سبب كان عادت “اسرائيل” الى الحرب وكسرت الهدنة وتتحول الجولة الى حرب استنزاف قد تصير مديدة وواجب محور المقاومة ان يطور ويزيد من افعاله ودوره ومن عمليات استنزاف وارهاق “اسرائيل” وتكبيدها مع أميركا وحلفائها الخسائر التي لا تحتملها فتضطرها لوقف العدوان والدخول في حقبة التأزم والتفكك فالأرض وفلسطين لم تعد تقبل وجود شذاذ الافاق والمتطرفين واعداء الانسانية فوقها.
وكل المؤشرات والوقائع تقطع بأن زمن التحرير جار والموعد مع القدس ازف.
فإن أوقفت “اسرائيل” عدوانها وعادت صاغرة للتفاوض والهدنة ستكون حكمت على نفسها بالانفجار والزوال واذا اكملت حربها التدميرية فهي تستعجل زوالها ايضا ولا امل لها بالنجاة او بنصر في هذه الحرب.
بيروت ٢/١٢/٢٠٢٣
لإعلاناتكم في منصة حرمون يرجى الاتصال واتس:
0096176920208
وللانضمام:
مجموعة حرمون للتعليم والإعلام والتدريب:
https://chat.whatsapp.com/HQi7bkJTOGGLYmdqUsKYOB
مجموعة منصة حرمون وندوة حرمون الثقافية:
https://chat.whatsapp.com/HFNrMOLD5TKDxmZTTjYZi3
مجموعة حرمون بالتلغرام:
رادي وحرمون:
https://onlineradiobox.com/lb/haramoon/?cs=lb.haramoon&played=1