دمشق – سانا
انطلاقاً من إيمان سورية بالأمة العربية وسعيها الإنساني الدائم للوقوف إلى جانب الشعوب العربية ومساندتها ومناصرتها بمواجهة الاحتلال والاستعمار والإرهاب، عملت الدراما التلفزيونية السورية على تجسيد وتكريس هذا الانتماء، وهذه المساندة من خلال الإنتاج، ومنذ تأسيس التلفزيون العربي السوري وحتى يومنا هذا.
من الأبيض والأسود..
كانت البداية مع أول تمثيلية درامية “الغريب” عام 1960 التي قُدِمَت على الهواء مباشرةً بالأبيض والأسود، وتحدثت عن الثورة الجزائرية وبطولاتها وأمجادها، تمثيل ياسر أبو الجبين، وبسام لطفي، وثراء دبسي، وإخراج سليم قطايا.
وتتالت الأعمال عن هذه القضية كمسلسل تمر حنة 2001 تأليف أحمد حامد، وإخراج محمد فردوس أتاسي الذي تعمّق بتفاصيل ثورة الجزائر، مبرزاً دور المرأة في الحياة الوطنية بصورة المناضلة جميلة بوحيرد، وأيضاً مسلسل ذاكرة الجسد 2010 المأخوذ عن رواية تحمل العنوان نفسه إعداد سيناريو وحوار ريم حنا، إخراج نجدة إسماعيل أنزور، حيث يتحدث العمل عن رسام اسمه خالد فقد ذراعه أثناء الحرب التحريرية الكبرى ضد الاستعمار الفرنسي، ويقع في غرام فتاة جميلة، هي ابنة مناضل جزائري.
القضية الفلسطينية
وبالنسبة للقضية الفلسطينية المركزية فهي دائمة الحضور في أذهان الكتّاب، والدراما السورية قدمت ولا تزال تقدم العديد من الأعمال، منها الباكورة التلفزيونية عز الدين القسّام 1981 تأليف أحمد دحبور بطولة القدير أسعد فضة، ونهارات الدفلي 1995 تأليف فواز عيد وإخراج محمد زاهر سليمان، والتغريبة الفلسطينية 2004. وفي العام نفسه مسلسل عائد إلى حيفا عن رواية الأديب الفلسطيني غسان كنفاني إعداد سيناريو وحوار غسان نزال وإخراج باسل الخطيب، ومسلسل الاجتياح 2007 إخراج شوقي الماجري، وسفر الحجارة 2009 تأليف هاني السعدي وإخراج يوسف رزق، وأنا القدس 2010 تأليف تليد وباسل الخطيب، وإخراج الأخير.
وضمن السيرة الذاتية “في حضرة الغياب” عن الشاعر الفلسطيني محمود درويش 2011 تأليف حسن م. يوسف وإخراج نجدة إسماعيل أنزور، و”حارس القدس” سيرة المطران السوري إيلاريون كبوجي 2020 تأليف حسن م يوسف أيضاً، وإخراج باسل الخطيب.
لبنان.. جرح الشقيقة
وتوجد أعمال تطرقت للمقاومة اللبنانية والفلسطينية منها رسائل الحب والحرب 2007 تأليف أمل حنا، إخراج باسل الخطيب، حيث يوضح العمل قسوة رسائل الحرب من الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982 وحصار بيروت ووحشية مجازر صبرا وشاتيلا وسقوط الضحايا الأبرياء، وصولاً للعدوان الصهيوني في تموز 2006، وأيضاً مسلسل البقعة السوداء 2010 تأليف خلدون قتلان، وإخراج رضوان المحاميد، وتطرق العمل للحياة الاجتماعية في دمشق أثناء حرب لبنان ومساعدة الجيش العربي السوري وانعكاس ذلك على الحياة الاجتماعية الدمشقية.
الجولان.. الموقف الحاسم
وهناك مسلسلات تحدثت عن الجولان السوري المحتل، من بينها “رجال الحسم” 2010 تأليف فايز بشير وإخراج نجدة إسماعيل أنزور، فتحدث عن نكسة حزيران 1967 وجرائم الاحتلال الإسرائيلي، ويحكي قصة المدرس فارس الذي شارك بالحرب دفاعاً عن الجولان وعاد لقريته ليكتشف استشهاد أمه وأخيه فقرّر الانتقام لهما بتنفيذ عملية فدائية في الأراضي المحتلة، حيث سافر لألمانيا وكشف وبحث عن أسرار تتعلق بالموساد ليفيد وطنه الأم.
العراق.. درامياً بعين الصحافة السورية
أما الملف العراقي فتناولته مسلسلات عدة منها خبر عاجل 2007 تأليف بسام جنيد، إخراج غزوان بريجان عن دور الصحافة والإعلام في مكافحة الفساد، واستشهاد العديد منهم أثناء الغزو الأميركي للعراق 2003، وأيضاً اللجوء العراقي إلى سورية من خلال مسلسل هدوء نسبي 2009، حيث تطرق لموضوع مشابه ورصد سفر مجموعة من الإعلاميين إلى العراق قبيل الغزو الأميركي بعشرة أيام ما يضطرهم للبقاء هناك لمدة شهر قبل العودة إلى بلادهم لينقل كل شخص منهم تفاصيل ما رآه.
الدراما.. وتاريخ سورية المشرف
ضمن مقاومة الاحتلال العثماني والاستعمار الفرنسي أنتجت مسلسلات مثل أبو كامل بجزءيه 1991، 1993 تأليف الدكتور فؤاد شربجي، إخراج الراحل علاء الدين كوكش، حيث طرحت فيهما فترة الاستعمار الفرنسي والبيئة الشامية وحكايات جانبية عن الوطنيين والمقاومة وطمع البعض بالمناصب.
وهناك أيضاً أعمال ملحمية تاريخية وطنية، من بينها أخوة التراب بجزأيه 1996، 1998 قصة وسيناريو وحوار حسن م. يوسف، إخراج الأول نجدة إسماعيل أنزور، والثاني شوقي الماجري، حيث تناولا أحداث الثورة العربية ضد الاحتلال العثماني لحين سقوطه وبدء الاستعمار الفرنسي لسورية، ومسلسل أيام الغضب 1997 تأليف الدكتور محمد قارصلي، وإخراج باسل الخطيب، تمحور حول مواجهة الشعب السوري للاستعمار الفرنسي بأسمى معاني الروح الوطنية والقيم الإنسانية، وذلك بنموذج شاب اسمه ضرغام يحشد كل أهالي قريته، بينما مسلسل الفراري 1997 تأليف وإخراج غسان باخوس طرح الاحتلال العثماني وأخذ الشباب إلى الخدمة العسكرية بالإجبار ما أدّى إلى فرار البعض كشخصية الشاب جميل المستي الذي كان نموذجاً جسّد دوره الفنان بسام كوسا.
البيئة الشامية..
لاحقاً أغلب مسلسلات البيئة الشامية تطرقت لموضوع مواجهة الاحتلال العثماني والاستعمار الفرنسي بإبراز دور أهالي الحارات وتعاونهم مع رجال الثورة، لكنها وقعت في التشابه والتكرار للمضامين ذاتها والنجوم ذاتهم واتباع أسلوب الأجزاء ما أفقدها بريقها، وأبرزها سلسلة باب الحارة.
ما بعد الاستقلال كان منها أعمال مسلسل الدوامة 2009 سيناريو وحوار الراحل ممدوح عدوان، إخراج المثنى صبح، تناول العمل البنى الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية للمجتمع السوري خلال السنوات الأولى لفترة ما بعد الاستقلال (1949_1951)، وكشف المحاولات الخارجية للسيطرة على ثروات البلاد العربية، وخاصة النفط، وتصدّي الدول العربية مجتمعة لهذه المحاولات.
الوحدة.. بعين الدراما
على صعيد الوحدة العربية تعمّقت الكثير من الأعمال في طرح ذلك من بينها خان الحرير بجزءيه 1996، 1998 تأليف نهاد سيريس، حيث دارت أحداث العمل في سوق حلبي وتطرقت إلى رغبة الشعب بالوحدة في فترة الخمسينيات وتحقيقها، ثم الصعوبات التي جرت وأدت للانفصال.
وأيضاً مسلسل حمام القيشاني أول مسلسل طويل آنذاك بخمسة أجزاء من (1994 حتى 2003)، تأليف دياب عيد وإخراج الراحل هاني الروماني، تعمق العمل بفترة الاستعمار الفرنسي وقصف البرلمان مروراً بعيد الجلاء وحرب فلسطين وأفول أحزاب وولادة أخرى جديدة، ثم الوحدة السورية المصرية، أيضاً مسلسل ملح الحياة 2011 تأليف حسن م. يوسف، إخراج أيمن زيدان، وإنتاج المؤسسة العامة للإنتاج الإذاعي والتلفزيوني، فرصد المظاهرات ضد الاستعمار الفرنسي مروراً بالاستقلال وما بعده حتى 1958.
ونتيجة للمعاناة اضطر العرب للهجرة واللجوء وأغلبهم استقرّ في دمشق فطرح مسلسل سحابة صيف 2009 موضوع المهجّرين من الأخوة الفلسطينيين والعراقيين والسوريين الجولانيين وعيشهم المشترك.
طرح قضايا الإرهاب ومواجهته
ومن الأعمال التي حملت طابع الجرأة في الطرح حور العين 2005، تأليف هالة دياب وإخراج نجدة إسماعيل أنزور، تناول ظاهرة الإرهاب وانخراط الشباب الجاهل فيه تحت مسمّى الجهاد، والمارقون 2006 الذي تعمق بعشر ثلاثيات عن الإرهاب في عدة دول بالوطن العربي، الكتابة لعدة كتاب عرب، والتمثيل لنجوم عرب، والإخراج لنجدة إسماعيل أنزور، وضمن المجال نفسه جاء عمل “ما ملكت أيمانكم” 2010 للكاتبة والمخرج نفسيهما، سلط الضوء على شريحة الطبقة الوسطى، مشاكلها وهمومها، وعلى قضايا مثل التطرف الديني والفساد والإرهاب.
الانخراط بهموم الشعب..
وخلال الحرب الإرهابية على سورية مطلع 2011 أنتجت العديد من المسلسلات حول خطورة وإجرام التنظيمات الإرهابية سواء بكامل الحلقات أو بعضها من بينها مسلسل تحت سماء الوطن 2013 من خلال ثلاثية “عزيزة على بابا عمر” تناول فتاوى الشيوخ حول ما يسمّى زواج السترة وفرضه على النساء السوريات في المخيمات، وضمن مسلسل الحب كله 2014 قدّم المخرج غسان جبري خماسية عن خطف صحافي من قبل مجموعة إرهابية.
المخرج الليث حجو في مسلسل ضبو الشناتي تحدث عن مجريات الحرب والهواجس المجتمعية بقالب كوميدي، كما تطرقت سلسلة بقعة ضوء للحديث عن الإرهاب كوميدياً ببعض اللوحات.
في مجال التراجيديا ذهب المخرج أحمد إبراهيم أحمد في عناية مشددة 2015 لإظهار وحشية قاسية باختطاف البشر وقتلهم بعنف والمتاجرة بأعضائهم، وانتشار العصابات الإرهابية، في حين توجهت المخرجة رشا شربتجي في مسلسل شوق 2017 لمعاناة النساء في الحروب وممارسات الإرهاب المتطرف تجاههن كسبايا.
الدراما التاريخية
ضمن الدراما التاريخية هناك الكثير من الأعمال الغنية بالتاريخ العربي القديم، وتوثيق نشأة وتوسيع الدولة الإسلامية، ودخول الأندلس وتأسيس الخلافة الأموية وانهيارها ونشوء الدولة العباسية ومجدها وانهيارها، إضافة لعرض السير الذاتية لأهم الشخصيات العربية والقادة، وذلك ساهم في نشر اللغة العربية الفصحى، وخاصة بعد تراجع التكلم بها بالأوساط العامة، ومن الأعمال (انتقام الزباء 1974 للمخرج غسان جبري، السيرة العربية 1992 للمخرج غسان جبري، العبابيد 1997 للأديب الراحل رياض سفلو والمخرج الراحل بسام الملا).
ومع بداية الألفية الثانية الزير سالم، صلاح الدين الأيوبي 2001، ثلاثية الأندلس للكاتب الدكتور وليد سيف، وللمخرج الراحل حاتم علي وصقر قريش 2002، ربيع قرطبة 2003، ملوك الطوائف 2005، هولاكو 2002، الحجاج 2003، الظاهر بيبرس 2005، خالد بن الوليد بجزءيه 2006، 2007، القعقاع بن عمرو التميمي 2010، رايات الحق 2010، كليو باترا 2010، عُمر 2012، هارون الرشيد 2018، والعديد من المسلسلات التي تعيد إحياء التاريخ والتذكير به على الدوام أهمها السيرة النبوية “قمر بني هاشم” 2008 للكاتب محمود عبد الكريم والمخرج الراحل محمد الشيخ نجيب.
صانعة النجوم
لم تكتفِ الدراما السورية بطرح القضايا العربية ومعالجتها كمضامين، بل أيضاً احتضنت مساهمات النجوم العرب في صناعتها من شركات إنتاج عربية ومخرجين وممثلين من الوطن العربي، ليس في الدراما التاريخية والبدوية لتطلبهما ذلك، وإنما في المضامين الاجتماعية والكوميدية أيضاً، واستمروا فيها عبر الزمن.
من لبنان كان نجومها أحمد الزين، بيير داغر، رفيق علي أحمد، ماغي بوغصن وآخرون، ومن الأردن نضال ووائل نجم، صبا مبارك، منذر رياحنة، الراحل ياسر المصري، وكثيرون، ومن فلسطين الراحل عبد الرحمن أبو القاسم، حسن عويتي، تيسير إدريس، أحمد رافع وابنه الشهيد محمد رافع، شكران مرتجى، عبد المنعم عمايري، الراحل يوسف حنا وأولاده الممثل المخرج رامي حنا، الكاتبة ريم حنا، السيناريست تليد الخطيب وشقيقه المخرج باسل الخطيب الكاتب هاني السعدي وبناته روعة وريم، ومن العراق أيمن رضا، ومن السودان الراحل ياسر عبد اللطيف، ومن المغرب محمد مفتاح، ومن تونس المخرج الراحل شوقي الماجري، ومن الجزائر أمل بشوشة.
ويمكن القول إن إصرار الدراما السورية على المحتويات الهادفة وغنى الكادر البشري جعلها تتربع على عرش الدراما العربية وتنافس غيرها من عدة نواحي وتحصد جماهيرية عالية، وتبقى دائمة العرض على القنوات الفضائية العربية ليتسنى لجميع الأجيال مشاهدتها، وأيضاً منها تُرجمت إلى لغات