المفاجأة التي تمخضت عنها قمة العشرين في العاصمة الهندية، خلال الأيام الماضية، هي إقرار الطريق أو الممر الأميركي الجديد، يبدأ من الهند إلى الإمارات عبر المحيط الهندي والخليج العربي، ثم الأراضي الإماراتية والسعودية والأردنية، ثم إلى الكيان الصهيوني (إيلات) عبر أنابيب في خليج العقبة، بعد أن أصبحت جزيرتا “تيران وصنافير” تابعة أو تحت السيطرة السعودية – للأسف -، ثم إلى ميناء حيفا على البحر المتوسط، بعد أن يتمّ حفر الأنابيب داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948، ثم إلى موانئ أوروبا، إما نقلاً بالأنابيب أو بالناقلات البحرية!
الملاحظ من أوّل وهلة، أنّ الممر المسمّى “ممر بايدن”، نسبة إلى الرئيس الأميركي الحالي، ذلك الصمت السعودي/ الإماراتي/ المصري، ولم يرتفع صوتٌ للمنطقة العربية نهائياً، رفضاً لهذا المشروع الكارثيّ على المنطقة كلها، وستكون له تداعيات خطيرة حاضراً ومستقبلاً، ومع ذلك لم يدرك السادة الحاضرون، ذلك، وسط صمت مريب، وكأنهم – إن لم يكن ذلك واقعاً بالفعل – شركاء في هذه الجريمة الكارثية!!
وابتداء يمكن تحليل واقع هذا المشروع الكارثي، ثم أهدافه، وتداعياته.
أولاً: بيئة هذا المشروع: فإنها تصاحب الردّ على مؤتمر قمة البركس، الذي انعقد قبل قمة العشرين، بعدة أيام، وقبول 6 دول جديدة في عضويتها منها مصر والسعودية والإمارات، كما تصاحب الأزمة الداخلية في الكيان الصهيوني، والتحديات الإقليمية في مواجهة حزب الله وإيران، كما تصاحب الترنّح في الوجود الأميركي في الإقليم العربي والشرق أوسطي، ومن ثم هناك مساعٍ أميركية لاستمرار التمركز وتكثيفه، في مواجهة الضغوط المطالبة بالانسحاب الأميركي من سورية والعراق، وكل المنطقة. كما أنه يصاحب أيضاً مشروع الصين الكبير وهو طريق الحرير الذي يستهدف الربط بين الصين عبر شبه الجزيرة الهندية وإقليم الشرق الأوسط، والوصول إلى أوروبا، وهناك مساعٍ أميركية لضرب هذا المشروع تحقيقاً لمصالحها! فضلاً عن اهتزاز القارة الأفريقية بما يحدث فيها من انقلابات عسكرية موجهة ضدّ أوروبا وأميركا. وبطبيعة الحال فإنّ “المدّ والجزر” في السياسة الأميركية، يجب تنشيطه حفاظاً على المصالح الاستراتيجية الأميركية. وقد أطلّ “بايدن”، على العالم بهذا المشروع، وكأنه يلقي التعليمات والأوامر للأطراف المعنية، ويهدّد كلّ من يعوق التنفيذ، بكلمات مبطنة، في الوقت نفسه، يُفهم من كلماته، أنه يعلن هذا المشروع، ليتمّ تنفيذه، وبدون تشاور!
ثانياً: الأهداف المرجوة من هذا المشروع الكارثي: في ضوء البيئة المحيطة بالإعلان عن المشروع، يتأكد أن الأهداف هي:
1 ـ دمج الكيان الصهيوني في الإقليم، وحماية مكتسباته من التطبيع، والتمهيد لتأسيس علاقات سعودية/ صهيونية، وتأكيد العلاقات بين الإمارات والبحرين والكيان الصهيوني، وكذا الهند، وإضفاء الطابع الاستراتيجي على الدول الشريكة في هذا المحور (الهند/ الإمارات/ السعودية/ الأردن/ الكيان الصهيوني). ومن ثم ضمان مصالحه الاقتصادية ومستوى رفيع من الحياة للشعب الصهيوني!
2 ـ ضرب مشروع طريق الحرير، في قلب آسيا، بين الصين، وأوروبا، وما يترتب على ذلك من توجيه ضربة اقتصادية حاضرة ومستقبلية، لكلّ من روسيا والصين، ومحاصرتهما داخل حدودهما.
3 ـ توجيه ضربة استراتيجية إلى روسيا، بعد تدخلها في أوكرانيا، وإظهارها أمام العالم، أنّ أميركا قادرة على طرح بدائل لحصارها من كلّ جانب، في إطار تحولات الاستراتيجية الأميركية.
4 ـ التفرّغ بعد حصار روسيا والصين، بإنجاز هذا المشروع مستقبلاً، للتدخل بكلّ السبل الناعمة والصلبة، في أفريقيا بما يسهم في تحرّرها ظاهرياً في أوروبا، وإعادة استعمارها والسيطرة عليها أميركياً!
5 ـ محاصرة مصر، بعد التأثير السلبي لهذا المشروع على ممر قناة السويس، حيث يقدّر الخبراء، أنّ دخل قناة السويس سينخفض بمقدار الثلث (30%)، بما له من تأثير على استمرار الخضوع المصري والتبعية لأميركا، والحفاظ عليها في مربع الطاعة الأميركي والصهيوني، على خلفية “كامب وديفيد”، منذ عام 1978 وحتى الآن، والقضاء التامّ على فكرة الاستقلال، وممارسة دور قيادي في الإقليم، بمحاصرتها داخل حدودها. ولعلّ في قراءة ما يحدث على حدود مصر في ليبيا، والسودان، وفي الأراضي العربية المحتلة في فلسطين، خير تأكيد على عدم إتاحة الفرصة أمام مصر لممارسة دور قياديّ وفعال في الإقليم.
6 ـ تصعيد دور إقليمي للسعودية والإمارات والكيان الصهيوني، كثالوث جديد في الإقليم والمنطقة، بحيث تصبح الكلمة العليا في الإقليم لهذا المثلث الجديد.
7 ـ تأكيد الاستمرار الاستراتيجي لأميركا في الإقليم، وتأكيد الهيمنة، ولذلك فليس مستبعداً، استمرار بقاء أميركا في سورية والعراق، ومنع التواصل بينهما، وبالتنسيق مع تركيا، وضمنياً، ضرب الوجود السوري في الشمال العربي في سورية.
ثالثاً: التداعيات، في ضوء الأهداف السبعة، السابق توضيحها، فإنّ التداعيات كارثية على الإقليم، ولا يعلم أحد ما جرى في عملية التنسيق السابقة على الإعلان الأميركي عن هذا الخيار الجديد، الذي سيسهم في تمزيق المنطقة تماماً (عربياً وشرق أوسطياً وآسيوياً).
ويبقى السؤال وهو: هل لهذا الطريق أو الممرّ الاستراتيجي، الذي يظهر وكأنه ذو طبيعة اقتصادية فقط، إلا أننا نراه من أخطر الأطروحات الأميركية، رغم كلّ المعطيات أنّ أميركا في طريقها للزوال من الإقليم. وهنا تظهر فكرة المقاومة من الإقليم، لهذه الفكرة، فالمقاومة هي الحلّ الاستراتيجي لإفشال هذا المشروع، والحيلولة دون أن يكون له سبيل في التنفيذ أو الواقع العملي…
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، جامعة قناة السويس – مصر.