خليل إسماعيل رَّمال
غادر الصحافي اللامع سليم نصار، أحد كتاب “الحوادث” سابقاً لصاحبها المرحوم سليم اللوزي ومبتكر “رسالة هنري كيسنجر إلى ريمون إدِّه” الوهمية باعترافه هو نفسه، غادر تقاعده لكي يحط في جريدة “النهار”، من بين كل الصحف، ناشراً مقالةً له في عددها الصادر في ٩ أيلول ٢٠٢٣ بعنوان مستفِز هو “بعد مرور ٤٥ سنة…لماذا أمر بهشتي بتصفية الإمام الصدر؟”. وباعتباري أحد أبناء سماحة الإمام القائد العصي على النسيان حتى من قبل من لم يعاصره من الأجيال ولأني متبحِّر في تاريخ إمام الوطن والمقاومة والإنسانية، لا أريد لهذه الأجيال أن تنجرَّ لمغالطات وتشويه حقائق تتعلق بسماحة إلإمام المتنوِّر والناصع القلب والفكر والقيم والوجدان والتاريخ.
المهم في مقالة نصَّار الفقرة التي أوردها، ومن دون دليل أو برهان بأن “الحجة التي تلطَّى خلفها (آية الله بهشتي) لتسهيل تصفية الإمام موسى الصدر ورفيقيه تكمن في القناعة بأن الإمام الصدر- في حال تُرك حياً – يمكن أن تقلِب تعاليمه الوضع رأساً على عقب”. والأخطر من ذلك تساؤله عما إذا كان الإمام الخميني (قُدِّس سرُّه) قام بتغطية السيد بهشتي!
١- إن افتراض نصَّار لزعم “التصفية” ينمُّ عن مجرد إثارة وتشويق وعشوائية وقلِّة دراية وأذية لأحباء ومريدي وعائلة الإمام الصدر وتضليل للعدالة كما تفعل إحداهن تماماً لأنه لا يوجد دليل دامغ على هذه “التصفية”، بل بالعكس توجد أدلة كافية تنقضها كما بيَّن القاضي شامي وعائلة الإمام وحركة “أمل”. أنا أجزم بأن نصَّار استوحى مقالته من الكتب التي صدرت مؤخراً وهي تحاول إعادة كتابة التاريخ لكن خطأها أنها تستند بقدر كبير على وثائق كُشِفَت حديثاً من سجلَّات الإستخبارت الشاهنشاهية (الساڤاك) والتقارير السرِّية المنحازة لسفير الشاه في لبنان منصور قَدَر الذي كان يكنُّ العداء الشديد للإمام الصدر. من بين هذه الكتب كتاب “شاه إيران وأكراد العراق وشيعة لبنان” للمؤلف أراش رايسنزاد وفيه رسائل قَدَر التي ينقلها من دون نقض وكلها تنم عن حقد السفير الشاهنشاهي وتشويهه لحركة الإمام الصدر. هذه الكتب وغيرها أرادت الإيحاء بأن الإمام الصدر كان على صلةٍ ما مع الشاه المخلوع لكن الحقائق التالية تدحض هذه الأكاذيب التي شنَّتْها الطوابير الخامسة منذ أن وطأت قدما سماحة الإمام أرض أجداده وحتى بعد جريمة تغييبه!
٢- الإمام الصدر كان منحازاً للثورة الإسلامية في إيران بل كان أحد أكبر قيادييها ولسنا بحاجة للاستفاضة عن دوره بمساعدة كوادر المعارضة للشاه وإيوائهم في صور وكانت علاقاته ممتازة معهم جميعاً ومن بينهم السيد بهشتي لدرجة أنه حتى بعد تغييبه كان مرشحاً مرتين متتاليتين لرئاسة الجمهورية الإسلامية وبرضا ومعرفة بهشتي قبل اغتياله. نعم كان للإمام الصدر مبغِضُون وهم أعداء للثورة بسبب ارتباطهم الخارجي وأولهم الحاقد جلال الدين الفارسي ومحمد منتظري الذي كان ربيب القذَّافي وهؤلاء لفظتهم الثورة بعد تخريبهم المتعمّد لها خلال المخاض الأول بعد الانتصار.
٣- من المهازل الكبرى في مقالة نصَّار أن يتساءل ولو للحظة عن تغطية مزعومة من قبل الإمام الخميني “لتصفية الإمام الصدر”. وهو الذي قال في الإمام الصدر ما لم يقل عن غيره عندما أعلن بمناسبات عدة إنه إبنه وتلميذه والسيد الخميني لا يراوغ ويعرف تماماً قَدْر ودور الإمام الصدر. فالإمام الصدر أنقذ حياة الإمام الخميني مرتين، عندما هيأ له في البداية النفي السلمي للعراق من بطش الشاه ثم لباريس بعد ذلك بسبب نيات صدَّام التكريتي الدموية، المعروف بقاتل العلماء.
٤- تاريخ الإمام الصدر هو تاريخ أبيض مُشرِّف وسيبقى أبيض مُشرِّفَاً رغم مقالة مبتكر رسالة كيسينجر وغيرها ورغم كل الأضاليل ومحاولات درء الشُبهة عن المجرم مدمَّر القذَّافي ونظامه البائد المتواصِل بالحالي وعائلته المتورِّطة كابنيه سيف (على) الإسلام وهنيبعل، وكل من يتحالف معها ويتغاضى عنها والساكت عن الحق شيطان أخرس.