نشرت جريدة البناء في التعليق السياسي:
حسناً فعل نواب حاكم مصرف لبنان بإيضاح خلفية موقفهم علناً خلال شهاداتهم أمام لجنة الإدارة والعدل النيابية، وبالرغم من أن هذا الإيضاح لا يعفيهم من المسؤوليات المترتبة على الصمت خلال السنوات التي مضت من ولايتهم، والاكتفاء بتسجيل التحفظات على قرارات الحاكم ومعارضته بصمت، بينما كانوا يعلمون بحجم النتائج الكارثية المترتبة عليها، فإن إعلانهم عن هذا الخلاف وتاريخه، يصحح الصورة لجهة أنهم ليسوا مجرد بيادق يستعملها الحاكم لتمديد ولايته بصورة مباشرة أو ملتوية، مع تأكيدهم أن التلويح بالاستقالة كان موجهاً للحكومة التي بات واضحاً أنها كانت شريك الحاكم، الذي كما قالوا، كان يستظل بالتفاهم مع الحكومة برئيسها ووزير ماليتها خصوصاً لعدم أخذ الاعتراضات التي يبديها النواب بعين الاعتبار.
– الذين يدافعون عن الحاكم بدأوا بشنّ الهجوم على النواب وانتفاضتهم، الى حد تحميلهم كل المسؤولية عن سياسات الحاكم، فيما هم يقدمون أنفسهم ومؤسساتهم متاريس لحمايته، كقول بعضهم عن التحقيق القضائي معه أمس، لقد كان الحاكم متفوّقاً في المسار القانوني، ولكن السؤال مَن يحكم بتفوّق الحاكم، ما دام التحقيق سرياً ونتائجه لم تظهر بعد، ولم يصدر القضاء أي موقف. وهل القضاء هو الذي ابلغكم بتفوقه، ام الحاكم؟
– الآن بات واضحاً أن النواب لن يستقيلوا، وأن النائب الأول سوف يتسلّم صلاحيات الحاكم وفقاً للقانون، فإلى أين؟
– الصورة التي يجري الترويج لها، تقول إن لبنان في وضع سيئ مالياً وعلى شفا انهيار، وان رحيل الحاكم سوف يعني تسريع الانهيار، الذي كانت عبقرية الحاكم والثقة به تحول دون وقوعه.
– هذه الصورة مخادعة وقد صنعها الحاكم وفريقه والمؤسسات الإعلامية الكثيرة المجندة للترويج والتسويق له لاعتبارات “فكرية” طبعاً، فحاشى هؤلاء أن يكونوا ممن يبيع ضميره لقاء المال!!!
– الصورة الحقيقية تقولها الأرقام، وهي كما تقول شهادات نواب الحاكم أمام لجنة الإدارة والعدل، إننا نخسر كدولة ومصرف مركزي بين 700 و800 مليون دولار شهريا على منصة صيرفة، سواء لتغطية تحويلات مصرفية تجارية وغير تجارية، أو لتمويل متطلبات الإنفاق العام، وهذا يعني بين ثمانية وعشرة مليارات دولار سنوياً، فهل من أحد يملك جواباً من أين يتم تمويل هذا المبلغ الضخم، الذي يعادل في سنة واحدة كل حجم احتياطي مصرف لبنان الإجمالي المصرح به، والذي لم يتزحزح منذ سنتين.
– الصورة الحقيقية هي أن لبنان يحقق فائضاً في ميزان المدفوعات، ناجم عن تراجع الاستيراد وتحسن التصدير رغم كذب التقارير المصرفية المتخصصة على هذا الصعيد، والعجز التجاري تقلص من 18 مليار دولار عام 2018 الى 6 مليارات دولار هذا العام، بعدما انخفض الاستيراد من 20 ملياراً الى 10 مليارات، وارتفعت الصادرات من 2 مليار الى 4 مليارات، وهذا العجز التجاري يقابله تدفق تحويلات تزيد عن 8 مليارات دولار سنوياً من اللبنانيين في الخارج، و4 مليارات دولار من عائدات موسم الصيف، و4 مليارات أخرى من عائدات مواسم الأعياد ما يعني فائضاً أولياً بـ 10 مليارات دولار. وهذا هو مصدر تمويل إنفاق مصرف لبنان في منصة صيرفة، وتمويله لإنفاق الدولة، والتحويلات الخارجية غير التجارية، من دون أن يتأثر سعر الصرف منذ مطلع العام، رغم محاولات التلاعب به تمهيداً لحملة ضغوط تسبق نهاية ولاية الحاكم للترويج للحاجة لبقائه.
– يمكن توفير نصف هذا الفائض على الأقل، وتوظيفه في خطة نهوض ومعالجة للأزمة، سواء ببرمجة إعادة أموال المودعين، أو بدء هيكلة القطاع المصرفي، ونقطة البداية كما قال نواب الحاكم إنهاء التلاعب بسعر الصرف الذي يشكل باباً سرياً للفساد والمحسوبية والزبائنية، حيث تفتح وتقفل أبواب حق شراء الدولار المدعوم في صيرفة بأمر من الحاكم لا بأمرنا.
– على نواب الحاكم أن يعلموا أن انتفاضتهم المتأخرة يمكن أن تكتب لهم، أو عليهم، وفقاً لأدائهم بعد نهاية ولاية الحاكم، وأن بين أيديهم القرار في أن تكتب أسماؤهم بأحرف من نور أو بأحرف من عار.
– الآن نقول لهم، أن تأتي متأخراً خير من أن لا تأتي أبداً، وللكلام تتمة في ضوء الأفعال.