امتد مفهوم الرعاية الصحية ليشمل بالإضافة إلى تقديم الخدمات التشخيصية والعلاجية والتأهيلية، مفهوم الحفاظ على الصحة العامة ضمن إطار التنمية البشرية للمجتمع. وتعتمد الرعاية الصحية على أسس محدده أهمها: توافرها للمواطن بالقرب من مكان معيشته وعمله، وتوافرها بجوده معينة، وقدرة المواطن على الحصول عليها وقدرته على تحمل تكاليفها بالنسبة لدخله.
يجب أن يعتمد حق المواطنين في الحصول على الرعاية الصحية المناسبة على احتياجاتهم وليس على قدرتهم على تسديد تكاليف هذه الرعاية، وبالتالي لا بد من وضع استراتيجيات مستقبلية، تأخذ في الاعتبار النمو السكاني وقدرات المواطن والدولة لتحقيق أهداف لا يمكن التنازل عنها للمواطن بغض النظر عن قدرته المالية.
تهدف هذه الورقة إلى التعرف على السياسة الصحية في مصر واستراتيجيات تطبيقها ومؤشرات القطاع الصحي وجهود الدولة في مجال الرعاية الصحية، وأخيرا تقديم مجموعة من المقترحات لتفعيل الاستراتيجيات الصحية في مصر، وذلك من خلال النقاط التالية:-
أولا: ملامح السياسة الصحية في مصر
ثانيا: مؤشرات عن القطاع الصحي في مصر
ثالثا: جهود الدولة في مجال الرعاية الصحية
رابعا: مقترحات لتفعيل الاستراتيجيات الصحية في مصر
توصلت الورقة إلى بعض النتائج تتمثل فيما يلي:-
بلغ إجمــــالي قيمــــة الإنفــــاق العــــام علــــى قطــــاع الصحة بموازنة العام المالي 2021/2022 حوالي 108.8 مليار جنيه، بمعدل زيادة بلغ 15.3 مليار جنيه (أي حوالي 16%) عن مخصصات القطاع الصحي فى العام المالي 2020/2021 الذى بلغ حوالي 93.5 مليـار جنيـه.
وصل إجمالي عدد المستفيدين مـن التـأمين الصـحي 57 مليون مواطن حتى عام 2020. وقُدرت عــــدد المنشــآت الصــــحية التابعـــة للقطــاع الحكومي والخاص في مصر حوالي 2034 منشــأة عام 2020، وبلغت تكلفـــــة تطــــوير البنيــة التحتيــة والتجهيـــزات الطبيـة بعـدد 18 مستشــفى جامعي نموذجي شاملة أقسام ومستشفيات الطوارئ 7 مليار جنيه.
تُقدر تكلفـــة عـــلاج 2.9 مليـــون مـــريض علـــى نفقـــة الدولة في الداخل خلال عام 2020 بحوالي 8.9 مليار جنيه. وبلغت التكلفة الإجمالية المُنصرفة للمبادرة الرئاسية للقضــاء علــى فيــروس “ســي” والأمــراض غيــر السارية 3.8 مليار جنيه.
ويتم تناول ذلك بالتفصيل من خلال النقاط التالية:-
أولا: ملامح السياسة الصحية في مصر
يتناول دستور 2014 الصحة بمنظور شامل ولا ينحصر على نطاق القطاع الصحي بمفرده، بل يتناول في الكثير من مواده الأخرى أدوار مختلف القطاعات من خارج القطاع الصحي في تعزيز صحة السكان. كما يوضح ضرورة تناول القضايا الصحية بمنهجية تعدد القطاعات باعتبارها المحرِّك الرئيسي في عملية إعداد السياسة الصحية في مصر.
ترتكز السياسة الصحية في مصر على:
١. تنسيق السياسات بين مؤسسات وأجهزة القطاع الصحي والقطاعات الأخرى التي ترتبط وظائفها وأنشطتها بالصحة العامة.
٢. تدعيم خدمات الرعاية الصحية الأساسية وتوفيرها بالمناطق المحرومة لمواجهة الاحتياجات الأساسية لجميع فئات المجتمع خاصة الأم والطفل.
٣. توسيع قاعدة المشاركة في التكاليف المتزايدة للرعاية الطبية.
٤. تشجيع الإنتاج المحلى لتلبية احتياجات المواطنين من الدواء والأمصال ووسائل تنظيم الأسرة والمستلزمات الطبية والمعملية.
٥. تطوير نظم المعلومات بما يدعم أسلوب اتخاذ القرارات وإعداد الخطط والبرامج الصحية ومتابعة تنفيذها وتوزيع الموارد المتاحة على المحافظات طبقا لاحتياجاتها.
٦. تنمية الموارد البشرية الصحية بجميع فئاتها كماً وكيفاً وتأكيد حسن استخدامها وعدالة توزيعها لمواكبة التطورات العلمية والتقنية المتلاحقة وضمان جودة الأداء
وتعتمد استراتيجيات الصحة في مصر على عدة محاور أساسية، أهمها:
١. التأكيد على حق المواطن المصري في الرعاية الصحية والاجتماعية كحق كفله له الدستور.
٢. الالتزام بالمواثيق الوطنية والدولية في إطار من التعاون الإنساني بما يخدم الطفل والمرأة والأسرة والمجتمع.
٣. المشاركة الإيجابية في تحقيق أهداف خطة التنمية الاجتماعية والاقتصادية للدولة.
٤. التأكيد على مفهوم أن الإنفاق الصحي هو استثمار ذو عائد كبير بكل المقاييس، وأنه من الضروري زيادة نصيب القطاع الصحي في الموازنة العامة للدولة للوفاء بالاحتياجات الصحية الأساسية للمواطن المصري.
٥. التأكيد على عدالة الخدمات الصحية العلاجية المتخصصة على أقاليم الجمهورية، وتوفير الخدمات الصحية الأساسية للمناطق المحرومة، وذلك تيسيرا على المواطن وتنفيذا لتوجهات الدولة في المرحلة القادمة.
تتمثل الاستراتيجية العامة للقطاع الصحي:
١. العمل على التنسيق والتكامل بين الوزارات التي ترتبط أنشطتها بالصحة العامة لضمان رفع المستوى الصحي للمجتمع.
٢. الارتقاء بمستوى خدمات الرعاية الصحية الأولية وقائياً، علاجياً، وتثقيفياً، والتوسع الأفقي في تقديم الخدمات المتكاملة، وخاصة بمناطق الامتداد العمراني.
٣. زيادة الموارد المالية لتوفير وتطوير الخدمات الصحية، وتوجيه الموارد المتاحة من خلال الاتفاقيات الدولية لدعم الخدمات الوقائية ومواجهة المشكلات الصحية ذات الأولوية.
٤. تطوير الخدمات العلاجية والعاجلة بما فيها الخدمات التخصصية الدقيقة وتوفيرها على المستوى الإقليمي.
٥. التوسع في خدمات التأمين الصحي لتغطية فئات جديدة وتطوير نظم تقديم الخدمة.
٦. التوسع جغرافيا في نظام المؤسسات العلاجية لاسترداد كل أو جزء من نفقات الخدمة الطبية.
٧. تشجيع دور المؤسسات الأهلية والتطوعية والقطاع الخاص لاستكمال بعض جوانب الخطط الصحية.
٨. توعية المجتمع بدوره الإيجابي في الحفاظ على صحة أفراده.
٩. زيادة الاهتمام بالبحوث العلمية التطبيقية للاستفادة من نتائجها في تطوير الخدمة الصحية مثل: بحوث النظم الصحية والبحوث التطبيقية وبحوث العمليات للتعرف على مشاكل أداء الخدمات وتحليلها واختيار أنسب الحلول وتقييم كفاءتها وفاعليتها.
١٠ . التوسع في استخدام أساليب الاستقصاء ومؤشرات التنبؤ بالأمراض، خاصة بين الفئات المعرضة لها وسرعة اتخاذ الإجراءات اللازمة للسيطرة عليها.
١١ . تحسين أسلوب تخطيط تنمية القوى البشرية العاملة بالقطاع الصحي وربط العملية التعليمية باحتياجات المجتمع.
ثانيا: مؤشرات عن القطاع الصحي في مصر
يتصف النظام الصحي فى مصر بأنه أحد الأنظمة المعقدة حيث تتعدد جهات تقديم الخدمات الصحية، وأيضاً يتصف بتعددية مصادر التمويل والإدارة والخدمة.
تُشير أحدث إحصائيات لمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء أنه بلغ إجمــــالي قيمــــة الإنفــــاق العــــام علــــى قطــــاع الصحة بموازنة العام المالي 2021/2022 حوالي 108.8 مليار جنيه، بمعدل زيادة بلغ 15.3 مليار جنيه (أي حوالي 16%) عن مخصصات القطاع الصحي فى العام المالي 2020/2021 الذى بلغ حوالي 93.5 مليــار جنيـه، ووصل إجمالي عدد المستفيدين مـن التـأمين الصـحي 57 مليون مواطن حتى عام 2020.
وقُدرت عــــدد المنشـــــآت الصــــحية التابعـــــة للقطـــــاع الحكومي والخاص في مصر عام 2020 حوالي 2034 منشـــــأة، وبلغت تكلفـــــة تطــــوير البنيــــة التحتيــــة والتجهيـــــزات الطبيـة بعـدد 18 مستشــفى جامعي نموذجي شاملة أقسام ومستشفيات الطوارئ 2.7 مليار جنيه. وتُقدر تكلفـــة عـــلاج 2.9 مليـــون مـــريض علـــى نفقـــة الدولة في الداخل خلال عام 2020 بحوالي 8.9 مليار جنيه. وبلغت التكلفة الإجمالية المُنصرفة للمبادرة الرئاسية للقضــاء علــى فيــروس “ســي” والأمــراض غيــر السارية 3.8 مليار جنيه.
بلغت قيمة مؤشر التغطية الصحية الشاملة في مصر 68%، وتعتبر البحرين أعلى الدول العربية حيث بلغت قيمة المؤشر 77%.
تبلغ قيمة مؤشر تغطية خدمات الرعاية الصحية في مصر 0.6 لكل 100 ألف نسمة وتعتبر الأردن الأولى في الدول العربية وتصل قيمة المؤشر 7 لكل 100 ألف نسمة.
يبلغ معدّل الأطباء 2.8 لكل 1000 نسمة في مصر أفضل مما هو متاح في دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ودول مجلس التعاون الخليجي، بينما يتساوى معدّل التمريض 2.3 لكل 1000 نسمة في مصر مع معدّلاته في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ومع ذلك، فيما يتعلق بمعدّل الأسرة 1.3 لكل 1000 نسمة، تختلف مصر بشكل كبير عن بعض دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، خاصة دول مجلس التعاون الخليجي، بما يتطلب قدراً كبيراً من الاستثمارات لمواكبة المعايير الإقليمية، بشكل عام لا تحتاج مصر إلى الاستثمار في البنية التحتية للرعاية الصحية فحسب، بل وتحتاج كذلك إلى توفير رعاية صحية شاملة تعتمد على التكنولوجيا لتحسين جودة الرعاية الصحية في الدولة حتى يتسنّى لها منافسة الدول الأخرى على المستويين الإقليمي والدولي.
يُسيطر القطاع الحكومي وشبه الحكومي على سوق الرعاية الصحية في مصر بشكل كبير، والذي يتضمن المراكز الطبية المتخصصة في القطاع العام والهيئات الحكومية والكيانات الأخرى، مثل السكك الحديدية والجامعات وما إلى ذلك، والتي تشتمل على 72 % من الأسرّة على الرغم من أن القطاع الخاص يمثل نسبة 63 % من إجمالي المستشفيات، وهو بذلك اللاعب الأكبر في المجال، إلا أنه يعاني تفككاً شديداً مع توفر 31 سريراً فحسب لكل مستشفى خاص، مقارنة بعدد 96 سرير لكل مستشفى حكومي وعدد 209 سرير لكل مستشفى شبه حكومي، يتيح هذا فرصاً جمّة لتحقيق التكامل مع القطاع الخاص من خلال عمليات الاندماج والاستحواذ حيث يوفر قطاع الرعاية الصحية في مصر – لا سيّما قطاع الرعاية الصحية الخاص – العديد من الفرص المربحة للمطورين والمستثمرين والمشغلين. ومع ذلك، يواجه القطاع العديد من التحديات، مثل ارتفاع تكاليف رأس المال وهجرة الأطباء والموظفين المساعدين المؤهلين.
بلغت نسبة الإنفاق العام على الصحة من إجمالي الإنفاق العام في مصر أعلى قيمة لها 5.5% في موازنة عام 2020/2021.
إن العمود الفقري للخدمة الطبية في مصر يقع على عاتق المستشفيات العامة والجامعية والوحدات الصحية ومؤسسات التأمين الصحي الاجتماعي وما تقوم به الدولة من خدمات مُكملة. وهى الجهات التي لابد من دعمها ورفع مستوى الأداء بها ليحظى المواطن بخدمات لرعاية صحية بمستوى عالي، وخاصة لغير القادرين منهم.
وقد أوضحت الدراسات الاقتصادية أن حجم الإنفاق من المجتمع على الرعاية الصحية يكاد يقارب حجم إنفاق الحكومة على موازنة وزارة الصحة،
وأن الكثير من المواطنين يلجأون، خاصة في خدمات العيادات الخارجية إلى القطاع الخاص، فإن المسؤولية التي تقع على هذا القطاع كبيرة، ويمهد ذلك للمشاركة بين الدولة وبين مقدمي الرعاية الصحية كلهم، حيث إن تقديم الرعاية الصحية يجب أن يخضع لنفس نظم الاعتماد وضمان الجودة في كل القطاعات،
وعلى القطاع الخاص أن يُصدر التقارير والإحصاءات بالأنماط والمعايير التي تضعها الدولة للحصول على نتائج أكثر دقة وشمولاً على مستوى الدولة.