حمل مهرجان “ثأر الأحرار”، الذي أقامته حركة الجهاد الإسلامي، في ثلاث ساحات بشكل متزامن، رسائل عدة، وأرسى معادلات هامة، شخَّصت الحالة النضالية والكفاحية للشعب الفلسطيني، ورسَّخت قواعد العمل المقاوم ضد كيان الاحتلال الإسرائيلي.
أولى هذه الرسائل وأبرزها، هي رسالة وحدة الساحات، ووحدة الموقف، التي لا زالت حركة الجهاد الإسلامي، تُنادي بها، وخاضت من أجلها معركة “وحدة الساحات” في العام 2022م، والتي أرسى قواعدها الصلبة الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي زياد النخالة، وجدد التأكيد عليها في خطابه بالمهرجان، فقال: “إن وحدة شعبنا وقوى المقاومة أمر بالغ الأهمية، تجب المحافظة عليها وتعزيزها”. وقدَّمت الحركة فيها كوكبة طاهرة من شهدائها وقادتها الكبار وعلى رأسهم قائد أركان المقاومة في فلسطين الشهيد القائد الكبير خالد منصور “أبو الراغب”، والشهيد القائد الكبير تيسير الجعبري “أبو محمود”، واتبعتهم في سبيل ذلك ثلة طاهرة من المجاهدين، ليخضبوا بدمائهم الزكية ثرى القدس، ويرسخوا هذه المعادلة، ويرسموا معالم الطريق للكل الفلسطيني.
هذه المعادلة، التي خُطَّت بدماء شهداء قادة من الطراز الرفيع تبوأوا أعلى هرم المقاومة الفلسطينية، وكان رأس حربتها، ستكون حتماً أسمى مكانة وأرفع منزلة، وتدل على أن فلسطين كانت ولا زالت هي عنوان المرحلة، والقضية المركزية للأمة، وببركة دماء الشهداء استطاعت المقاومة تحقيق النصر في معاركها مع الاحتلال، وفرض شروطها، وهو ما يدلّ على أنها تسير في الطريق الصحيح، وسيمدها الله – بإذنه – بالسؤدد والنصر المؤزر والأكيد، وذلك تمثل بقول القائد النخالة: “لقد نجحنا في معركة ثأر الأحرار، ببركة دماء الشهداء، بالمحافظة على وحدة الشعب الفلسطيني، وصمدنا وقاتلنا، رغم فقداننا الأعز من إخواننا ومقاتلينا، وفقداننا عائلات بأكملها، ولن نتردد في تقديم التضحيات من أجل هذا الهدف، وإن شهداءنا بتضحياتهم هم الذين يقودون طريقنا الأمثل، في تحقيق توازن الرعب مع عدو مدجج بكل أنواع السلاح”.
لوحظ خلال المهرجان، رفعُ العلم الفلسطيني خفاقاً بجانب أعلام الجهاد الإسلامي، وهذا دليل واضح على أن بوصلة الجهاد والسرايا كانت ولا زالت تتجه نحو فلسطين مركز الصراع، ولم تنحرف بنادقها التي بقيت مشرعة لأجل القدس ومسجدها الأقصى المبارك، وهي رسالة وحدة وطنية أيضاً.
ثبَّت خطاب النخالة معادلة “القصف بالقصف”، من خلال تأكيده على جهوزية سرايا القدس في كل الأوقات والأحوال؛ للدفاع عن الشعب الفلسطيني، وصد العدوان الإسرائيلي، الذي يستبيح ويتغول في دماء الفلسطينيين، ويدنس المقدسات، ويصعد وتيرة انتهاكاته، مبدياً استعداده لخوض المعركة تلو المعركة من أجل هذه الغاية، وجدد خطاب النخالة تأكيده على ما قاله سابقاً، بعدم السماح للعدو بالإقدام على عمليات الاغتيال بحق قادة المقاومة والمجاهدين، “إن أية عملية اغتيال سيكون ردنا عليها قويًّا وواضحًا ومؤلمًا، ولن تكون تل أبيب وغيرها من مدن الكيان الصهيوني بعيدة عن مرمى صواريخنا ورصاص مقاتلينا”.
وهذا التصريح يحمل تهديداً واضحاً للاحتلال بأن المقاومة ستبقى عند التزامها الشديد بحماية الشعب الفلسطيني، ولن تسمح بفرض معادلات جديدة.
الجماهير الهادرة، الذي احتشدت في الساحات الثلاث للمقاومة “غزة ولبنان وسورية”، شكلت استفتاءً على خيار المقاومة، ورسمت صورة الوفاء للالتفاف حولها واحتضانها، وبدَّدت أوهام الاحتلال ومساعيه الفاشلة في زرع فجوة بين المقاومة وحاضنتها، بل أظهرت أن الحصار وتضييق الخناق على غزة لن يفلح في إبعاد الشعب الفلسطيني عن مقاومته، فهو شعب يحتضن المقاومة التي تحميه وَتَصُدُّ العدوان البربري الواقع عليه، وهو ما تجلى في كلمة النخالة: “أمام هذا الحشد الكبير، وأمام العالم، أؤكد أن أوهام القوة والغطرسة لدى العدو ستتحطم، أمام إرادة الشعب الفلسطيني، وقدرته وإصراره على إدامة الاشتباك، وإصراره على القتال المستمر، حتى الانتصار الكبير”.
لا شك في أن حركة الجهاد الإسلامي، المتمسكة بمبادئها وثوابتها منذ تأسيسها أواخر سبعينيات القرن الماضي، شكَّلت عنصراً مهماً، وفاعلاً، ومحورياً في المقاومة الفلسطينية، وحلف القدس، وتثق بحتمية النصر الأكيد، وهذا ما بدا واضحاً في خطابات الأمناء العامين للحركة، بدءاً من الشهيد المؤسس فتحي الشقاقي، مروراً بالفقيد المفكر رمضان شلح، ووصولاً إلى أمين المقاومة النخالة الذي قال: “إن معاركنا تثبت، مرة تلو الأخرى، أن بإمكان أمتنا أن تنتصر على المشروع الصهيوني الذي قهرها، وكان سببًا أساسيًّا في تبعيتها وضعفها، منذ غرس هذا الخنجر في القلب منها”.
أرست حركة الجهاد الإسلامي وسرايا القدس خلال معركة “ثأر الأحرار”، معادلة اشتباك جديدة، بإجبارها كيان الاحتلال على الرضوخ لشروط المقاومة والشعب الفلسطيني، إذ أكد النخالة أن الجهاد أبلت بلاءً حسناً في الميدان السياسي، ومرَّغت أنف العدو الذي هرول نحو استجداء التهدئة بعد عمليته الغادرة باغتيال قادة سرايا القدس وكوكبة من أبناء شعبنا، الأمر الذي كسر هيبة جيش الاحتلال، وحطم أسطورته المزعومة بأنه لا يقهر.
اللافت في خطاب أمين الجهاد النخالة، قوله: “راجعوا نص الاتفاق الذي تم بناء عليه وقف العدوان على غزة، تدركوا تماماً من انتصر، يقول الاتفاق نصّاً: تعلن مصر، وبناء على موافقة الطرفين؛ الفلسطيني والإسرائيلي، وقف إطلاق النار(..)، ألم يسأل أحد في عالمنا: من هذا الطرف الفلسطيني؟! إنه الجهاد الإسلامي..”. المتمعن في هذا القول، يرى أنه دليل قوة وإقدام امتلكتها حركة الجهاد الإسلامي التي لا يبلغ عددها مقاتليها سوى بضعة آلاف، فهي تنظر إلى الكيف والنوع ولا تنظر إلى الكم أو العدد، وبالتالي استحقت بكل جدارة أن تكون حارسة الشعب الفلسطيني، وخط الدفاع الأول والأخير عنه، ضد أي عدوان بربري.
(وكالة شمس نيوز)