تسارعت التطورات مؤخراً في الملفين اللبناني والشامي، لجهة تهدئة الأجواء مع الأطراف العربية المعنية، وإعادة ترميم العلاقات بين كل من البلدين مع الدول العربية عامة، والخليجية خاصة.
على الصعيد السوري، وبعد تفاقم مشاكل النازحين في الدول المضيفة، وانشغال الممولين والمنظمات الدولية بحرب أوكرانيا وتبعاتها في اوروبا، وبعد الاتفاق السعودي الإيراني برعاية صينية وتشجيع روسي، والانفتاح السعودي السوري، وزيارة وزير الخارجية السعودي إلى دمشق ولقائه مع الرئيس الأسد، وتفضيل الرئيس الأسد لأولوية الانفتاح العربي على التواصل مع تركيا، مع أن هذا المسار السوري التركي ما زال قائماً بتنسيق روسي، حصل اجتماع في السعودية لعدد من الدول العربية لبحث عودة سورية الى الجامعة العربية. وطالبت عدد من الدول، مثل قطر والكويت والمغرب، بضمانات تتعلق بضرورة الحل السياسي على اساس قرار مجلس الأمن 2254، والعودة الآمنة للنازحين، ومكافحة تصدير المخدرات، وإخراج الميليشيات الموالية لإيران، مقابل عودة سورية الى الجامعة العربية وإعادة الاعتراف بالحكم في دمشق ودعم مطالبها بانسحاب الجيوش الأميركية والتركية واستعادة وحدة الأراضي السورية.
وبعد تحضيرات عديدة على المستوى الدبلوماسي، عقد مؤخراً في عمّان اجتماع لوزراء خارجية الاردن والعراق ومصر والسعودية وسورية، حيث تم بحث هذه النقاط والاتفاق عليها بعد موافقة الشام على الضمانات المطلوبة، مما يفتح الباب نحو خطوات إضافية تؤمن عودة العلاقات العربية مع سورية واستعادة مقعدها في الجامعة العربية وعدداً من أدوارها الإقليمية.
وعلى الصعيد اللبناني، وفي ظل استعصاء انتخاب رئيس للجمهورية، هناك حاجة لأي عهد جديد الى غطاء عربي ودولي، ليستطيع معالجة عدد من الملفات الأساسية، ومنها الانهيار المالي والنازحين السوريين واستعادة دور جديد للبلاد ووضع استراتيجية اقتصادية اجتماعية دفاعية جديدة على ضوء تطورات المنطقة والعالم والعصر، خاصة في مرحلة عودة سورية وإعادة الإعمار فيها وفي العراق، واستخراج الغاز. وهذا بحاجة الى تمويل خليجي، وسعودي خاصة. وكانت المملكة قد أنفقت في لبنان سابقاً مليارات الدولارات، دون نتيجة، بسبب الهدر والفساد والمحسوبيات، وبسبب صراعات المنطقة، والصراع السني الشيعي الذي استخدم في العقد الماضي لتدمير دول المنطقة. كما أنفقت هي ودول عربية أخرى مئات مليارات الدولارات على الحروب، التي لم تأت بأي نتيجة سوى المزيد من الأزمات، وقررت مؤخراً تصفير المشاكل في المنطقة، وإعادة التموضع على المستوى العالمي بشكل أكثر توازناً، والتركيز على مشاريعها التنموية الضخمة، والمساهمة في إعادة إعمار ما تم تدميره في الشام والعراق.
بناء عليه، طلبت نوعاً من الضمانات حول عدم تكرار هدر وسرقة أي مساعدات او تمويل تقدمه الى لبنان، بعد فترة من الانكفاء. وأصرّت أن لا تكون هذه الضمانات من أطراف لبنانية فقط، نتيجة تجربتها السابقة، وخاصة في 2016 مع تسوية عون – الحريري. وطلبت أن تكون هذه الضمانات مقدمة من عدد من الأطراف الإقليمية والدولية، إضافة الى الاطراف المحلية، حتى تسير بسيناريو معين للمرحلة المقبلة، بغض النظر عن لعبة الأسماء في انتخابات رئاسة الجمهورية. وقد تقدمت فرنسا، التي تعلم بأن أي رئيس في لبنان لا يحظى بموافقة حزب الله هو مشروع فتنة داخلية، بمبادرة لتعزيز حظوظ المرشح الذي يدعمه الحزب. وطلبت منه ضمانات تتعلق بالاستراتيجية الدفاعية والإصلاحات المطلوبة وموضوع النازحين واستقرار الحكومة وعدم إعطاء ثلث معطل لطرف محدد، وعدم استقالة الحكومة، وتشكيل فريق متجانس للحكم، لا يعيد إحياء منظومة الفساد. وهو ما قدمه المرشح سليمان فرنجية، ونقله الفرنسيون الى السعودية، التي طالبت بالتزام الأطراف الأخرى بهذه الضمانات، وكفالة الدول الإقليمية لها. فكان أن أرسل حزب الله تعهداً بأن كل ما التزم به فرنجية يلتزم به الحزب. وقامت سورية بدعم هذا التعهّد، وضمان تنفيذه، من ضمن حواراتها مع المملكة. كما دعمت روسيا والصين وإيران هذا التوجه.
وبرغم أن أميركا و”إسرائيل” غير راضيتين عن هذه التطورات، إلا أن السياسة الاميركية، ببراغماتيتها المعهودة، والتي لم تستطع تطويع السعودية ومنعها من الانفتاح شرقاً، ولا وقف مسار التحولات الحاصلة في المنطقة، تسعى الى تأمين الحد الأدنى من نفوذها في العراق والشام، وهي تطالب بأن يشمل الحل السياسي المطروح في الشام بعض الشخصيات الموالية لها، واستدامة احتلالها وقواعدها العسكرية في بعض المناطق السورية والعراقية لأطول فترة ممكنة.
فيما “إسرائيل”، التي تشعر بانتهاء دورها التقليدي كمعسكر متقدم للغرب في قلب منطقة النفط، تحاول الخربطة بهدف تأمين استمرارها ورسم دور جديد لها، في ظل مشاكل داخلية متفاقمة وتحولات إقليمية ودولية لا تستسيغها.
أمام هذا الواقع، هل اقتربت المنطقة من بداية الخروج من عنق الزجاجة، وهل الضمانات السورية واللبنانية كافية للمضي قدما في الحلحلة، والبدء بمسار تصاعدي لإعادة بناء الثقة بين الاطراف العربية والاقليمية، بعد نجاح الخطوات الأولى لبناء الثقة في اليمن؟ أم أن الاطراف المتضررة ستستطيع مجدداً أن تفرمل هذه التحولات وتبقي المنطقة في حالة مأزومة لفترات أطول؟
الجواب يأتي خلال القمة العربية هذا الشهر، وبعدها، حيث تشير معظم المعطيات الى انفراجات على المستويين الشامي واللبناني برغم كل الشكوك والصعوبات… والى تطور في الموقف الخليجي والسعودي لجهة تسهيل الحلول وبدء مسار عربي واقليمي جديد…