(“أكتب كي لا يتوقف نبض قلبي..
أكتب كي أشعر بلذة حزني..
أكتب كي أُحتضر ببطء شديد..
أكتب كي لا أسمع صوت ارتطامي عند الهاوية..”. (أديب كريّم)
الرد:
“اكتب كي لا يتوقف نبض قلبي…”
ما العلاقة بين الكتابة ونبض القلب؟
عند عامة الناس ومنطقياً ليس هناك من علاقة بين الاثنين، وكلاهما مستقلّ عن الآخر استقلالاً معنوياً ونحوياً ومنطقياً، ولا يجوز الربط بينهما أو المقارنة لأن لا قواسم مشتركة بينهما، وما يفرقهما أكثر مما يجمعهما.
إذا سلمنا بأن الفن عموماً والكتابة على وجه الخصوص انزياح عن المألوف أو لا تكون، انزياح عن القاعدةUn écart par rapport à la norme وبناء لعلاقات جديدة بين الألفاظ وتأسيس لمنطق آخر مغاير لمنطق الواقع ولما به تكون العلوم “الصحيحة” “صحيحة” كالرياضيات والفيزياء مثلا وعلوم الحياة والأرض يجوز عندئذ للفنان وللروائي وللشاعر ما لا يجوز لغيره…
عن سؤال طرح في الساحة الثقافية الفرنسية على الكتاب الكبار “لماذا تكتب؟” كانت الإجابات كالتالي:
قال الروائي هونوري دي بلزاك Honore De Balzac:” اكتب لاصبح غنياً”. وكلمة الغنى هنا متعددة المعاني. الغنى نوعان أولهما مادي والثاني معنوي؛ فالغنى الحقيقي بالنسبة للكاتب الملتزم بقضايا شعبه والإنسانية هو غنى في المرتبة الأولى أخلاقي – إذ لا علم، كما يقول الروائي فرنسوا رابلي Francois Rabelais بدون أخلاق عالية ووعي حاد جداً.
الغنى الثاني والثالث هو فكري وروحي.
يقول آخرون: “نحن نكتب لأن الكتابة عمل ضروري لتحقيق التوازن النفسي…”
أما الروائي ميشال تورنييMichel Tournier فقد قال: “أكتب لكي أقرأ “J’ecris pour être lu” وتكون بذلك الكتابة عملاً مشتركاً وإبداعاً يتقاسمه مع القراء.
في هذا الإطار تتنزل مقولة الروائي أديب كريّم لتكون إجابة من الإجابات الممكنة على السؤال نفسه “لماذا تكتب؟”.
هو يكتب لكي لا يتوقف نبض قلبه: الكتابة بالنسبة له مسألة حياة ووجود أو موت وعدم…!
يستمدّ القلب نبضه من الدم المتدفق إليه ومنه، دم نقي مشحون بالأوكسيجين يمر عبر الوتين. الدم هنا استعارة عن الحبر والقلب هو القلم والقرطاس هو الجسد. يكتب ليحيا وقبله قال الروائي الكبير غوستاف فلوبيرGustave Flaubert ” اقرأوا لتحيوا”، لا لتعيشوا -, والفرق بين العيش والحياة كبير وخفيّ لغة.
الكتابة بالنسبة للروائي أديب كريم كوجيتو موازٍ لكوجيتو الفيلسوف والرياضي الفرنسي ديكارت “أنا أفكر إذن أنا موجود”، يصبح “أنا أكتب إذن أنا موجود…”
في هذا الإطار كتب الشاعر الفرنسي الفريد دي موسيAlfred De Musset- والترجمة لنا:
“لتعلم أن القلب هو الذي يتكلم ويئن
عندما تكتب اليد يذوب القلب…”
المبدعون الصادقون والملتزمون يلتقون حيثما كانوا وهذا هو جوهر القول حسب فهمنا المتواضع. والله أعلم…!
*تعقيباً على مقدمة الروائي أديب كريّم في رواية (ماديانا.. كآبةٌ في عقلي).