تشتدّ محنة الخنق الاقتصادي، بأيدٍ خارجية وبأيدٍ داخلية، وهدفها دفع الشعب اللبناني إلى التسليم بأي شروط تُفرض عليه، بواسطة قوى السلطة المتواطئة والتي ترفض أي إصلاح، بأطيافها كافة، الدينية والسياسية. ومستعدّة لشنّ حرب ساحقة ماحقة من التضليل والتشويه ضد الشريك الداخلي ليرضى الحليف الخارجي.
وفي هذه الحال لا توجد سلطة سيادية ولا قوى سيادية تمسك قرارها وتضع مصلحة لبنان فوق كل مصلحة. فلو كانت هذه المصلحة هي الأعلى لكان يجب ألا يكون أي سجال في مواجهة العدو الذي يستبيح الأرض والسماء والبحر. ويخترق الحدود الإقليمية في كل ساعة لينفذ عدواناً غادراً على دولة شقيقة، خلافاً لأي قانون دولي ولأي معاهدة حسن جوار. فمن يدّعون السيادة يخرسون عند انتهاكها، ويفطنون لها في حالات لا تمسّها. ويتباكون عليها من نزوح غطّوه وارتزقوا فيه وما زالوا.
ومساس السيادة الأخطر هو استنزاف أموال الناس بأيد يفترض فيها أن تحميها لأنها سلطة الرعاية التي خوّلها القانون تنفيذه فوق أرضها الوطنية.
وعندما تعجز سلطة الرعاية عن تنفيذ القانون مراعاة لقوى داخلية وتوازناتها، فقدت السيادة وفقدت مسوّغها الشرعيّ كدولة لكل مواطنيها.
وعندما أطياف السلطة تتبادل الدعم مع حاكمية المصرف، وتوافق على رفع سعر صيرفة إلى أقصى مدى من أول شهر أيار الحالي، كما أشيع، كأنها تقول للمنتجين كافة، في حقول الإنتاج الصناعي والتربوي والاقتصادي والزراعي والوظيفي والعسكري والإداري والقضائي والمهن الحرة، كل عيد عمل وعمال وأنتم خاضعون على رجل ونصف تدفعون دم قلوبكم ليستمرّ النهب والابتزاز حتى آخر نبض فيكم وحتى آخر نقطة عرق في أجسادكم ونبضة في شرايينكم وشرايين أحفادكم لأجيال مقبلة، بذريعة ما يُسمّى تشغيل المرافق العامة. كل عام وأنتم صامتون حامدون نعمة المنّ والسلوى التي ننعم بها عليكم لتستمروا صحن ضرائب ورسوم لنا.
هكذا، لقاء رزم ورق نقدية هزيلة تتم طباعتها بلا قانون، تساوم السلطات كافة، بما فيها القضاء الذي تمّ إسكاته بامتياز سعر خاص للصيرفة، كما تناقلت الأخبار منذ فترة، فاستراح قضاتهم قائلين لنا: اذهبوا أنتم وربكم وقاتلوا، نحن ها هنا منتظرون!!
ومثلهم العسكريون، الذين يحملون مطالبهم الفئوية منفردين، بضع مئات من رجالنا ينتحرون على مداخل السراي الحكومية، بالتزامن مع كل جلسة حكومية، تعميهم قنابل الدخان ويعودون بعد يوم حافل بالعرق والجرحى يشكون استفرادهم.
نموذجان متناقضان فاضحان لشعب تمّ تفتيته قطاعات وشرائح. نقابات مغتصبة وأحزاباً تنتظر الاستوزار كي لا تُغضب عليها بابها العالي.
قبائل لبنانية تتناسى عندما تدفن رؤوسها في رمال المحنة لتخنقه، أنه تمّ اغتصاب حقوق البيض منها عندما اغتصبت حقوق السود منها في الوقت نفسه. فكيف عندما تنتظر معظم الفئات على التل المرتفع لتدّعي نصراً عندما يحين، أو لتنضم إلى الطعان عندما تلوح مؤشرات الفشل فتتراشق اللوم والمسؤولية.
أيها المنتجون
أنتم قوة لبنان، وتحتاجون لتنظيمكم قوة فاعلة، جبهة شعبية حية، يقودها الشباب، والشيوخ مستشاروها، ولا تنتظروا أحزابكم ولا قادة طوائفكم ليفتوا أو يشيروا بالخروج لحرب الخلاص. لم تكن يوماً مجالس الشيوخ توافق على المواجهات القاسية، بل تفضّل المساومات القاضية على الحق دون مغامرات التغيير.
أيها المنتجون
عليكم توحيد صفوفكم، واختيار قادتكم، وفتح قطاعات الإنتاج كلها، من دون عنصريات نقابية هزيلة، قرينة العنصريات الدينية والسياسية البائدة، التي لا يتمسك بها إلا أكلة الجبنة، من لحوم أكتافكم ونبض أرواحكم.
قوموا قومة واحدة، ولا تنتظروا الحلول التي يصوّرونها لكم أنها الحلول، بل هي مجرد مسارب لتسرّب الحقوق وإخفاء الودائع.
لا تظنّوا أن الحقوق بذاتها تقوم لتحمي كيانها إن لم تكونوا أنتم قوة الحق وإرادة التغيير. فالساكتون عن حقوقهم شياطين خرساء.
وكل تأخير عن القيامة استبعاد للخلاص.
لا يلومنّ أحد منكم نفسه على القعود وينتظر غيره ليقوم مقامه.
واجب القيامة فرضُ عين على كل منكم. الآن وهنا.
بيروت – أول أيار 2023